Thursday 31 May 2012

فقيه يدين استبعاد “لحراطين” من مجلس الفتوى ويجيز تولي المرأة للرئاسة





قال الشيخ احمد المهدي انه كان الأجدر بالسلطات الموريتانية تعيين ممثل “للحراطين” في مجلس الإفتاء بدل إصرار النظام علي تهميشهم وتجاهلهم.


جاء ذلك خلال فتوى شرعية أصدرها بخصوص تولي المرأة للرئاسة.


وهذا نص الفتوى:


“وقبل أن أتوجه بهذه الفتوى , إلى من يهمه الأمر من النساء , أتوجه بها أيضا إلى كافة المشايخ والفقهاء , ولاسيما أعضاء مجلس المظالم والإفتاء , الذين نبارك لهم مزيد الامتيازات وجديد التعيينات , وإن كنا ندرك بوضوح ونلاحظ بجلاء , أن تشكلتهم الجديدة القديمة , لم تعد تلبي طموحات الدولة الحديثة , التي يجب أن يكون مجلس الإفتاء فيها , صاحب مرجعية يقبل الجميع بها , بل ينبغي لمجلس الإفتاء أن يمثل جميع التيارات في مرجعيته , والفسيفساء الاجتماعية في عضويته , وهذا ما يفتقده مجلسنا الموقر الذي يبدو أنه , قد انتقى أعضاءه وبنوده , على الطريقة التي ينتقى بها “ميناط” شهوده !!


وكان الأولى أن يجد لحراطين في هذا المجلس من يمثلهم , بدلا من إصرار الدولة على تهميشهم وتجاهلهم.


وعلى كل حال فإن خلاصة الآراء الفقهية , فيما يتعلق بتولي المرأة لمنصب رئيس الدولة , تنقسم إلى ثلاثة أقوال رئيسية :


1 ـ أولا : جواز تقلد المرأة لجميع المناصب السيادية , بما في ذلك منصب رئيس الدولة .


2 ـ منع المرأة من أي مسئولية بِالمرَّةِ , بما في ذلك مسئوليتها في البيت والأسرة .


3 ـ جواز تقلد المرأة لبعض المناصب بشروط , أو منعها من بعضها أيضا بقيود .


وعامة الآراء الفقهية , المتعلقة بموضوع تولي المرأة , لأي منصب من المناصب السيادية , في السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية , تُدَنْدِنُ حول هذه الآراء الثلاثة , وهذه هي خلاصة هذه المسألة .


والذي أريد أن أضيفه هنا , أنه وإن كانت رئاسة المرأة ـ من الناحية النظرية ـ محل أخذ وعطاء , فإنها ـ من الناحية العملية ـ محل قبول ورضا , بدءً بإيحاء القرآن بالتأسي بملكة سبإ , وانتهاء بإجماع العلماء على وجوب طاعة شجرة الدر , واستئناسا بدخول الصحابة تحت إمرة أمنا عائشة …


ولا يخفى عليكم أن ملكة سبإ ـ قد أفلحت في كسب ثقة قومها حتى قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ , كما أفلح قومها في كسب ثقتها حتى قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ .


وانطلاقا من هذه الحقيقة فإن القائلين بجواز تولي المرأة , قد استندوا إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية , إلى جانب فعل الصحابة وفتاوى الأئمة , كالأحناف والظاهرية , وابن القاسم من المالكية , بالإضافة إلى أبي ثور الكلبي , صاحب الإمام الشافعي , وابن جرير الطبري , شيخ المفسرين وإمامهم على الإطلاق , بل ينضاف إلى ذلك أيضا رأي ابن حزم , ورب ذي تأخر في رتبة التقدم , ولا يخفى على كل من عنده أدنى نظر , أن كتب ابن حزم باتت مرجع المذاهب الإحدى عشر .


وفي مقابل كل أولئك , نجد أن أدلة المانعين قد خَلَتْ من الآيات القرآنية المحفوظة , وركَّزت على بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة .


ومن هذه الأحاديث : طاعة المرأة ندامة .


وحديث : هلكت الرجال حين أطاعت النساء .


وحديث : تعس عبد الزوجة .


وحديث أخروهن حيث أخرهن الله .


وحديث : خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة .


وحديث : شاوروهن وخالفوهن .


وحديث : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .


وعامة هذه الأحاديث التي ذكرنا منها نماذج مختصرة , هي عند المحدثين متروكة غير معتبرة , ما عدى حديث : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة .


وهذا الحديث هو المعروف عند المحدثين بحديث أبي بكرة , وحديث أبي بكرة في هذا الموضوع هو ربع عزة .


ونص هذا الحديث كما رواه البخاري قال : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ


لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ قَالَ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً .


وقد انتُقِدَ هذا الحديثُ من ناحيتين : ناحيةِ المتن وناحيةِ السند . فأما نقده من حيثُ المتن , فقد لاحظ بعض أهل العلم أنه يحمل بصماتٍ شيعِيَّةٍ رافضِيَّةٍ , تحرفاً لقتالٍ أو تحيزاً إلى فئة…


وأما من حيثُ السند فلا يخفى عليكم أن رجال هذا الحديث قد انتُقِدُوا بمن فيهم الحسن البصري , حتى انتُقِدَ من ورائهم الإمام البخاري الذي قَبِلَ شهادة رجل لم يُجِزْ عمر قَبولَ شهادَتِهِ , مما يعني تطاول أمير المؤمنين في الحديث , على مكانة أمير المؤمنين في القديم !!


أضف إلى ذلك أن تصديق أبي بكرة , لا يصح إلا مع قذف المغيرة بن شعبة , ولهذا قال عُمَرُ لأبي بكرة وصاحبيه ـ الَّذَينِ جُلدا معه حد القذف ـ من أكْذَبَ نفسه قَبِلْتُ شهادته فيما يُستَقْبَل ، ومن لم يفعل لم أُجِـزْ شهادته , ولعلي أختم بتلخيص هذه الحادثة حتى نفهم الأمر الذي كان عمر يقصده .


وخلاصة هذه الحادثة التي وردت من طرق عديدة , وبأسانيد صحيحة , أن المغيرة بن شعبة , كان يباغي أبا بكرة , وكان أبو بكرة ينافره بالبصرة , وكانا بها متجاورين , في دارين متقابلتين , في كل دار مشربة , وفي كل مشربة كُوَةٌ …


فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته ، فهبت ريح ، ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه ، فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب الكوة في مشربته , وهو بين رجلي امرأة قد توسطها ، فقال للنفر : قوموا فانظروا ، ثم اشهدوا ؛ فقاموا فنظروا ، فقالوا : ومن هذه ؟ فقال هذه أم جميل بنت الأرقم . فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة ، فقال : لا تصل بنا ، فكتبوا إلى عمر بذلك ، فبعث عمرُ إلى أبي موسى واستعمله ، وأرسل إلى المغيرة واستقدمه , فارتحل المغيرة وأبو بكرة , وشبل بن معبد , وزياد , ونافع بن كلدة ، حتى قدموا على عمر في المدينة ، فجمع بينهم وبين المغيرة ،


فقال المغيرة لعمر : يا أمير المؤمنين ؛ سل هؤلاء كيف رأوني مستقبلهم أو مستدبرهم ؟


وكيف رأوا المرأة ؟


وهل عرفوها ؟


فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر ؟


أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي على امرأتي ؟


والله ما أتيت إلا زوجتي .


فبدأ بأبي بكرة ، فشهد عليه , قال : وكيف رأيتهما ؟ قال : مستدبرهما . قال : وكيف استثبت رأسها ؟ قال : تحاملت حتى رأيتها .


ثم دعا بشبل بن معبد ، فشهد بمثل ذلك ، وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ؛ ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم . فسأله عمر : هل رأيت كالميل في المكحلة ؟ قال : لا . قال : فهل تعرف المرأة ؟ قال : لا ، ولكن أشبهها . قال له : تنح .


وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد ، وقرأ : فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون .


ثم قال : من أكْذَبَ نفسه قَبِلْتُ شهادته فيما يُستَقْبَل ، ومن لم يفعل لم أُجِـزْ شهادته .


فأكْذَبَ كُلٌّ من شِبلٍ ونافِعٍ نفْسَه , وامتنع أبو بكرة وَحْدَهُ , فتبين بذلك أنه هو الذي لم يُجِزْ عمر شهادته , وبالتالي فإن النزول إلى حكم عمر بن الخطاب , أولى من التحيز للبخاري في هذا الباب , ولكن ينبغي التمييز بين أحاديث أبي بكرة قبل أن يرد عمر شهادته , وأحاديثه التي رواها بعد ذلك فيما يستقبله , وهذا مسلك دقيق ينبغي لطلبة العلم تَأَمُّلُهُ .


الشيخ أحمد المهدي



أقــــلام حرة




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment