Saturday, 1 September 2012

-‫#موريتانيا ‬‏.. ونحن ماذا ننتظر؟



قرأنا أن الرئيس السنغالي قرر إلغاء مجلس الشيوخ مبقيا على غرفة نيابية واحدة هي الجمعية الوطنية، مبررا هذا القرار بأن مجلس الشيوخ ليس سوى عبئا ماليا على موارد الدولة الشحيحة أصلا لا مبرر له.. وقد كنا نحن نتوقع أن يكون نظامنا سباقا إلى قرار كهذا ضمن قرارات وخطوات الإصلاح والترشيد التي انتهجها وينتهجها، كما توقعنا أن يكون هذا القرار هو أول القرارات التي سيسفر عنها الحوار الوطني الأخير، خاصة بعد زيادة عدد أعضاء مجلس النواب . فإذا حسبنا مخصصات 54 شيخا بمرتباتهم وعلاواتهم وتأمينهم الصحي، وتكاليف المقر من كهرباء وتجهيز وغيره، سنجد تلك المخصصات تزيد على النصف مليار من الأوقية سنويا، وهو مبلغ يكفي لبناء وتجهيز مئات المدارس وحفر مئات الآبار، ويكفي لزيادة رواتب ما يزيد على 16 ألف من صغار الموظفين بمبلغ 40 ألف أوقية شهريا، ويمكن من صرف رواتب ل 13 ألف حامل شهادة أو عاطل بواقع 50 ألف أوقية شهريا ريثما يحصل على عمل.. أو علاج المئات من العاجزين عن تكاليف علاج أمراضهم المستعصية، تصوروا! لكن دعك من مثل هذه الحسابات، فبالإمكان التغاضى عن الأعباء الكبيرة لهذه الغرفة لو كانت القضية قضية أعباء فقط، وليست الآلية المقززة ديمقراطيا المتبعة في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ، وما يصاحبها من تصرفات مشينة، حيث يصبح المستشارون البلديون بضاعة مزجاة تخضع للمزاد في عملية لا يمكن لأي آلية أو قانون أن يمنعها، إذ لا أحد يمكنه منع مترشح لمنصب شيخ مثلا من أن يدفع لمستشار بلدي مبلغا مقابل صوته تحت شجرة أو في غرفة مغلقة.. و” من بيك يا سارق الليل ” مما يجعل كل دائرة انتخابية بؤرة توتر تخضع لما يشبه حالة طوارئ أثناء هذه الانتخابات، خطف واحتجاز للمستشارين لمنع مترشح آخر من السطو عليهم واختطافهم أو شرائهم.. بل مواجهات واعتداءات أحيانا! لتختفي كل قيم الوفاء والمسئولية والالتزام والتنافس الشريف وأهلية المترشح ومستواه وقدراته ونزاهته.. يختفي كل ذلك من قاموس هؤلاء المستشارين وتحل محله اعتبارات النفعية والمقايضة والابتزاز، وأصبح المستشارون يترشحون أساسا من أجل وضع أصواتهم في المزاد ” السري ” أثناء حملات انتخابات مجلس الشيوخ!


وقد شربت دموعي ضحكا واشمئزازا في نفس الوقت، عندما وصف شيخ سابق طريقة انتخاب الشيوخ حين أراد المستشارون البلديون في دائرته أن يمنوا عليه أن أوصلوه لمنصب شيخ المقاطعة، فقال لهم: لا تمنوا علي فليس لكم علي أي فضل، فقد أتيت ل ” مربط ” واشتريت سبعة عشر كبشا وعنزا، أي سبعة عشر مستشارا ومستشارة امرأة.. مع فارق وحيد هو أن الكباش لا يزيد ثمنها عن ثلاثين ألفا بينما أنتم بالملايين! ماذا ينتظر من شيخ يصل إلى منصبه بهذه الآلية إذن، أليست العمليه كلها تجارية نفعية لا علاقة لها مطلقا بالتمثيل والمشاركة السياسية وخدمة الناخبين، بل إنها أكبر مربك ومشوش ومفسد للحياة الديمقراطية وفهم الناس لها وتربيتهم عليها؟!


أنا بالطبع لست غبيا إلى درجة لا أدرك معها الغرض السياسي من إنشاء غرفة لمجلس الشيوخ أصلا، لكنني واقعي، ومن ” اللوجيك ” ما قد يعتبر غباء حين ننظر لأمور من زاوية الواقعية، في حين ينظر إليها المستفيدون منها- شخصيا- من زوايا أخرى.. ورغم ذلك تظل موريتانيا سياسيا واقتصاديا وديموغرافيا في غنى عن مجلس للشيوخ، مع أننا مستعدون لتحمل بقاء هذه الغرفة- رغم أعبائها غير الضرورية- إذا وجدنا آلية لانتخاب أعضائها تكون أكثر نزاهة وطهارة وأخلاقية من الآلية الحالية، مع إيماننا بصعوبة ذلك.


وخدمة للسادة الشيوخ، وتجنيبهم صدمة إلغاء غرفتهم دون سابق إنذار، سنعتبرهم نوابا عن دوائرهم في الجمعية الوطنية بصورة تلقائية دون أن يترشحوا أو يخوضوا حملات خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، ليصبحوا هم الخمسة والخمسون نائبا الذين رفع بهم عدد نواب الجمعية الوطنية. ما رأيكم؟ هناك فكرة أخرى- ودائما من أجل حل وسط- هي أن نتركهم يكملون مأموريتهم الحالية على أن تكون آخر مأمورية لهم مع طول العمر طبعا.. فكروا في الأمر بالله عليكم.


هذا مع اعتذاري لكل شيخ حالي، أو آخر يمسي ويصبح على فكرة الترشح لمنصب شيخ ليس له من مؤهلاته سوى ملايين يدخرها لشراء المستشارين، وليس له أهداف من وراء الترشح سوى أن تلد الملايين ملايين..! فما أردت إلا الإصلاح، وفي سبيل الإصلاح لا بد من التضحية بالشخصي من أجل الأهم والأعم..




مصدر




Filed under: موريتانيا, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, أقلام التغيير

No comments:

Post a Comment