السبت 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2012
![]() |
الرئيس عزيز |
أكاد أجزم أن الرئيس متوعك وحالته الصحية متأرجحة ومعقدة فلا هو أنار الرأي العام المتلهف ببيانات صحية دورية وذات مصداقية عن مراحل علاجه، ولا هو خاطب الناس بصورة مباشرة رغم جنوحه لمخاطبتهم ساعة كان بإمكانه ذلك…
لجوءه أو لجوء من حوله –وهم في حدود الثلاثة- إلى مراسلة وسائل الإعلام الرسمية برسائل قصيرة من قبيل البلاغات الشعبية الإذاعية المتلفزة لا صوت فيها ولا صورة كلها مؤشرات خطيرة… ثم إن عدم توقيع مرسوم عطلة الأحد المعوضة والاقتصار على إعلان الرئاسة منحها لكل الموظفين على عموم التراب الوطني كلها أمور مريبة، فتوقيع مرسوم من هذا القبيل تكفيه جرة قلم ومتاح من داخل أروقة المستشفى…
وكل القرائن والحيثيات باتت تؤكد أن الرئيس لم يخرج أصلا من مستشفى بيرسي وترجح أن يكون خضع خلال الأيام الماضية لعملية جراحية دقيقة ومعقدة لتوضيب الأمعاء وربما لإزاحة البروستات، فالمجال “العملياتي” في هذه المنطقة من الجسم متشابك ومتداخل وأي تهتك بقسم منه يؤثر على الآخر… وقد يتطلب فعلا أياما من الانعزال وتحريم الزيارات ولكن إعلان ذلك كان سيكون مفيدا للرأي العام فهو يدخل في إطار العلاج، والرئيس يرقد هناك للعلاج…
لكن الحرص على عدم تسريب أي شيء وصمت الفرنسيين واختزال الموضوع في بعده العائلي الضيق وشخصنته أسدل الكثير من الشكوك حول حقيقة وضعية الرئيس، وعزز الخطاب الصامت على شكل رسالة تلك المخاوف… فغياب الرئيس في الانظمة الأحادية المشخصنة أمر في غاية الخطورة وتنجر عنه أشياء يصعب التحكم فيها، فعدم وجوده عمق أزمة البلاد وجعلها على حافة الانهيار، فالحكومة لا تعمل ولا تجتمع منذ 16 يوما والوضع الأمني على الحدود آخذ في التدهور “حادثة عصيان باسكنو الأسبوع الماضي”، وحرب أزواد على الأبواب وأوضاع المواطنين في تدهور مستمر، والفراغ بعد أن كان تشريعيا أصبح تنفيذيا لأن السلطة التنفيذية أصبحت غائبة بغياب الرئيس مغيبة بممارسات محسوبيه وبممارساته هو أحيانا…
مراكز قوى تحكم موريتانيا
في ظل هذه الوضعية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد ظهرت مراكز قوى مختلفة كل منها يحاول التحكم في جانب من جوانب الشأن العام، فهناك الجنرال غزواني ويبدو أن الرئيس أسند إليه ضمنيا أمن الحدود وحركة الوحدات العسكرية وإبقاءها في مواقعها البعيدة وخارج دائرة الحراك السياسي وهو يقوم بذلك بإسناد من بعض أعضاء مجلس الدولة الأعلى السابقين أحيانا بالأوامر الصريحة وأحيانا بالقياس ودون اجتهاد.
وهنالك مولاي ولد محمد الأغظف وعهدته متابعة الشأن الإداري وملء الفراغ وصلاة العيد على سجاد الرئيس الفارغ وممارسة قدر من التنسيق مع فليكس ونجاغا وأحمد ولد بكرن لمتابعة بعض المجريات الأمنية في المدن ورصد كل تحركات الاحتجاج الاجتماعية والتعاطي معها بصورة آنية بالوسائل المتوفرة.
وهنالك الحرس الرئاسي وهو مستقل وأعيدت كل وحداته إلى انواكشوط ووضعت في حالة ترقب واستعداد وتصله الأوامر الرئاسية عبر العقيد ولد بوغرين الذي يمارس لعبة علاقات عامة مع الجنرال جاه.
وهنالك الدوائر المالية وحافظ أختامها سيدي أحمد ولد الرايس. وهنالك دائرة قبلية تنعشها عناصر قبلية ويرفدها أهل غدة بالمال الضروري للدعاية.
وآخر الدوائر هي الدائرة السياسية التي تضم حزب الاتحاد وبعض الأحزاب الأخرى وبعض المهرولين وهذه لا يعول عليها إلا في إصدار البيانات أو تنظيم الاستقبالات.
والتنسيق بين هذه الدوائر ضعيف وكل واحدة لا تستطيع إنجاز أي شيء بمفردها، ولكي تحصل على دعم الدوائر الأخرى عليها أن تمر عبر الرئيس الذي كان يمركز ويسير علاقات هذه الدوائر ويعتقد أنه اقتصر الآن على الاساسي منها وأسند الآخر ضمنيا لأوساط عائلية مقربة… فكل هذه الدوائر الآن تتصارع على حكم موريتانيا وتخوض معارك ولاء صارمة ولكنها قاسية وبعضها يترقب عودة الرئيس ليتمكن من تصفية حسابات عالقة مع الدوائر الأخرى… وتروج أنباء عن انغماس بعضها في عملية كبيرة لإخراج الأموال خارج البلاد.
كل الاحتمالات مطروحة
قادتنا رحلة البحث والتقصي عن معلومات صادقة بشأن الرئيس إلى أشخاص ينتسبون قطعا لإحدى هذه الدوائر فتظاهروا بالسخرية وقال أحدهم متهكما.. إنكم لا تفهمون… أنتم تسيرون الاشاعات ونحن نسير الوقائع على الارض… فكل الاحتمالات مطروحة وكل الخيارات واردة يقول محدثنا، ومنها خيار أن تستيقظ صباحا على الرئيس وقد عاد أو أي خيار آخر… وعبارة “خيار آخر” تلخص صميم الموقف فكل دوائر السلطة والنفوذ في الموالاة والمعارضة تحاول الاحتفاظ بكل الاحتمالات مفتوحة لتتعاطي مع كل الخيارات الممكنة… ووسط هذه الأجندات السياسية الانتهازية المنفعية المتناقضة تضيع الحقيقة وتضيع مصالح موريتانيا الحيوية ويبيت رأيها العام على الطوى في انتظار ما تسفر عنه الأيام الحبلى بالمفارقات.
اتهامي ولد امحيمدات
الرأي المستنير
Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:
Post a Comment