Wednesday 31 October 2012

معارضون ولكن…. | ‫#موريتانيا أخبار


الأربعاء 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2012









الدكتور: التار ولد عبد الله

يكاد لا يختلف اثنان على أن المرحلة التي تمر بها موريتانيا حاليا من أحرج وأخطر مراحلها التاريخية وأكثرها تعقيدا، ليس بسبب حالة شبه الشغور الحاصلة في مؤسساتها الدستورية الثلاث فحسب، وإنما بسبب حالة الحرب التي تدق طبولها على حدودها الجنوبية والشرقية من جهة، وكذلك حالة الاحتقان المستفحلة في المشهد السياسي الداخلي من جهة ثانية.


ذلك أن واحدا من تلك العوامل الثلاثة كفيل بمفرده بتأزيم الوضع في الدولة ونخر جسمها لا قدر الله.


فمن المسلم به فقها وعقلا أنه لا تستقيم الدول بدون سلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحالة التعطيل أو التخدير التي فرضت على المجالس التشريعية الثلاثة: مجلس النواب ومجلس الشيوخ والمجلس الدستوري لا يمكن أن تستمر لفترة أطول مما مضى لأن ذلك خلق وسيخلق حالة من الارتياب وعدم الاطمئنان إلى المنظومة التشريعية في الدولة برمتها على اعتبار أنها صادرة من جهات منتهية الصلاحية وبالتالي فاقدة لسلطة الولاية التشريعية.


كما أن فراغ المؤسسة التنفيذية من رئيس الجمهورية لا يمكن بدوره أن يستمر لفترة أطول مما حصل مهما كانت الظروف والمحاذير في إعلانه، لأنه من المعروف بداهة أن موقع رئيس الجمهورية في النظام شبه الرآسي المطبق في بلادنا بمثابة موقع الرأس من الجسد، وبالتالي يستحيل علميا وقانونيا أن نبقي على جسد بلا رأس، كما أنه معيب أخلاقيا وإنسانيا أيضا أن تظهر جسدا ما وأنت تخفي رأسه.


ثم إنه وبالنسبة للعامل الثالث يدرك الجميع كذلك أن للحروب عادة هزات ارتدادية كهزات الزلازل، وأن موريتانيا ستكون من أكثر المناطق تأثيرا وتأثرا بأي هزة ارتدادية قد تنشأ من حرب مالي القائمة القادمة، فبلد كموريتاني مفتوح الأرض شحيح الموارد هزيل البنيان من المؤكد أنه لا يمكن أن يكون بمنأى عن تأثيرات تلك الحرب بل إنه سيكون من أكبر ضحاياها إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، خصوصا وأننا نمتلك ما يربو على مسافة ألفين ومائتي كيلو متر مفتوحة على حدود جمهورية مالي محل أوار الحرب، وأربع مائة وثلاثة وستين كيلو مترا على حدود الجمهورية الجزائرية عش تفريخ الإرهاب، ومنطلقه الأول.


ولعل من الحكمة بمكان التعامل مع كل تلك الأزمات ببالغ الحذر وكامل اليقظة بعيدا عن البراكماتيكية النفعية وأساليب التأليب والإغراء المغرضة.


فموريتانيا 2012 ليست هي موريتانيا 2008 ولا حتى 2009 كمان أن الإقليم والجغرافيا ليسا كما هما من قبل فقد تبدلت الجغرافيا غير الجغرافيا وتبدل الجيران غير الجيران، وأصبحت موريتانيا على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة وللانتشار في أوسع بقعة.


فعلى الجيش أن لا يغتر بتحريض الانتهازيين، وعلى الشرفاء في هذا الوطن وهم وللأسف القلة القليلة من ساستنا أن يغلبوا مصلحة الوطن على مصلحة المخزن ومصالح الأمة على نزوات النفس.


وكما أن التجاذب وشد الحبال بين السياسيين والعسكريين في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا قد يخلق من الأوضاع ما لا يتحكم في صيرورته فإن التاريخ أيضا قد كفانا مؤونة سبر نوايا العسكر وتطلعاتهم وأبدى لنا أنه لا يجوز تصديقهم في السياسة ولا الركون إلى وعودهم في الديمقراطية والحرية.


لقد كنت وربما لا زلت من أشد المعارضين لنظام حكم محمد ولد عبد العزيز المؤمنين بوجوب عدم تصديقه في ادعاءاته بمحاربة الفساد ووعوده بالتنمية، لأسباب عديدة لعل أهمها الذي لا حرج في ذكره الآن هو أن الرجل لم يجئ إلى الحكم بقصد الإصلاح بدليل إقراره هو نفسه بأنه فاوض الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله من أجل أن يتراجع عن إقالته حتى يتفادى هو الانقلاب عليه، ما يعنى بداهة أن انقلابه كان تمردا على عزله أكثر مما هو غيرة على مصالح موريتانيا، أو حرصا على مستقبلها؛ وسأظل معارضا له طالما استمر على نهجه وسياساته، إلا أن معارضة الحكم شيء ومعارضة الأشخاص شيء آخر.


بل إنه ومن باب الإنصاف والواقعية أعترف ـ والحق ما شهد به الأعداء ـ أن الرجل يمتلك كاريزما القيادة العالم ثالثية لكونه يتسم بالجرأة والإقدام والحسم في الأمور، وهي أوصاف ـ وللأسف ـ لا تنقاد شعوب العالم الثالث عموما وشعبنا الموريتاني خصوصا بدونها.


وبالتأكيد أن للرجل عيوبا يضيق المقال عن سردها إلا أن مصلحة البلد تقتضي منا جميعا مساندته في الوقت الراهن والدعاء له بالشفاء العاجل وأن يحفظ الله موريتانيا ومستقبلها، كما تقتضي منه هو شخصيا العودة إلى الوطن في أسرع وقت ممكن، أو على الأقل مصارحة الأمة بوضعه الصحي، وفتح الباب لانتقال سلس ومنظم للسلطة.


فالانقلابات العسكرية ليست مضمونة المخرجات كما أن إعلان شغر المقعد الرئاسي في الوقت الراهن وفي أوضاع كهذه قد يترتب عليه من المفاسد أكثر مما يجلب من المصالح؛ ودرء المفاسد في شرعنا مقدم على جلب المصالح، سيما إذا كانت تلك المصالح غير مؤكدة في الأصل.


إن ظرفية موريتانيا الراهنة وديمقراطيتها المترهلة وأمنها الهش وفسيفسائها الاجتماعي المعقد والمتعدد المشارب والأهواء، كل ذلك يحتم على الجميع التسامي على الخلافات وتغليب المصالح العامة الاستراتيجية على المصالح الشخصية الآنية، وخلق أكبر مساحة للوفاق، والعمل بما يصب في بوتقة الوطن وأمنه واستقراره.


وقد عايش ساسة موريتانيا، مدنيون وعسكريون، من الأحداث والتجارب ما يكفي للعبرة والانزجار.


وعلينا جميعا أن نحذر إغراءات المتزلفين وإغواءات المرجفين فهؤلاء جميعا قد كشف التاريخ نواياهم وأظهرت الأحداث خباياهم وأنهم وليجة في الوطن وليسوا منه حقيقة، وأنهم حرابى السياسة ( جمع حرباء ) يتلونون بألوان السلطة ويتزاحمون على موائدها كتزاحم الظمأى على نبع الماء.


لهم في كل حالة خطاب وعندهم في كل مرحلة وجه، لا تعوزهم الحيل ولا تنفد عندهم الأقنعة، يتزلفون لكل من أتى ويلعنون كل من ذهب، حالهم كحال أهل النار: ” كلما دخلت أمة لعنت أختها” فبعضهم سيكتب بيانين أحدهما للتأييد والمساندة في حال النجاح، والآخر للتنديد والاستنكار في حال الفشل، وبعضهم قد التزم وسيلتزم الصمت لحين انقشاع الغبار وطلوع الفجر الصادق.


والبعض الثالث سيعارض بلسانه وعلنه ويوالي بعينه وسره، ويفسد بفعله ما يصلح بقوله.


لكنهم هم دائما قد عرف الشعب ذواتهم وخبر مواقفهم، لمدة عقود من الزمان، تعايشوا فيها مع أكثر من سلطان، أسسوا في السابق أربعة أحزاب وسيؤسسون في المستقبل الخامس والسادس و….


وقلبوا ظهر المجن لأولياء أنعمهم السابقين وسيقلبونه لولي نعمتهم الحالي عندما يتغير حاله ويفقد سلطانه.


لأنهم ببساطة قد صدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت. )


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment