Sunday 28 October 2012

إلى أين تتجه الأمور فى موريتانيا عقب محاولة اغتيال الرئيس؟ (2/2) | ‫#موريتانيا أخبار


الاثنين 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2012









د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة/المصريون

فى هذا المقال سنكمل عرضنا السابق بالحديث عن الأبعاد الداخلية المتعلقة بمحاولة اغتيال الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز، تلك التى تعرض لها يوم السبت 13 أكتوبر 2012.. فلا شك أن أصابع الاتهام منذ بدايتها ركزت، فى معظم رواياتها، على العناصر الداخلية التى أطلقت الرصاص محاولة قتل الرجل. وسواء بنيران صديقة، أو بانقلاب عسكرى، أو بأطراف داخلية مجهولة، إلا أن الحادثة فى ذاتها تنم عن مشاكل داخلية متعددة، أدت لتلك النتيجة، وهى وجوب التخلص منه.. وربما كانت أحداث الربيع العربى هى التى أدت بطريقة غير مباشرة فى الوصول لتلك النتيجة وتدبير محاولة الاغتيال.. فتجاوب الرئيس الموريتانى مع أحداثه، واحتفاؤه بنجاح ثورتى تونس ومصر سرعان ما تحول إلى استهجان واستنكار، حينما حاول فريق من الشباب الموريتانى وبعض قطاعات المعارضة التفاعل معه، ونقله للساحة الموريتانية.. وربما كان خروجهم فى اعتصامات الرحيل، وفى يوم الغضب، وهتافاتهم بسقوط حكم العسكر وإسقاط النظام فى شهرى فبراير ومارس 2011، قد جعل الرئيس يتحول تمامًا، ويذهب بعيدًا فى تشويه هذا الربيع.. فيوغر الحقد فى صدور هؤلاء المتفاعلين معه..


وبالتأكيد جاء تفاعله مع النظام الليبى واتصاله به وذهابه إليه، وعدم تفاعله مع المجلس الانتقالى وعدم الاعتراف به إلا بعد سقوط نظام القذافى، وعدم تفاعله مع الثورة السورية، ليعكس هذا الاستغلال لمشاهد القتل المروعة التى قام بها هذان النظامان.. فى محاولة لإخافة مواطنيه بأن فى إمكانه القيام بهذا القتل لو تطلب الأمر ذلك.. فضلاً عن أنه أطلق إعلامه بأن المنادين بثورة فى موريتانيا ينسون أنها قد حدثت على يد الرئيس نفسه فى انقلابى 2005 و2008، وبالتالى لا حاجة لموريتانيا إليها.. كونها كانت أسبق العرب جميعًا فى هذا الربيع. فضلاً عن أن إجراءه للانتخابات التشريعية والبلدية فى صفقة مع المعارضة لتهدئة الأوضاع، بما مكنها من حصد 60% من المقاعد، يشى بأن الرجل قد اتخذ الاحتياطات الكاملة لتلافى امتدادات الربيع العربى إليه. السؤال الذى يطرح نفسه: هل رضى الموريتانيون بتلك الحيل الرئاسية ضد الربيع العربى؟، أم أنهم رفضوها وطوعوا هذا الربيع بطريقتهم الخاصة؟، فدبروا محاولة القتل على الطريقة الموريتانية، لتتسق مع تاريخ الانقلابات العسكرية التى وصل عددها إلى 15 انقلابًا، منذ الاستقلال وحتى انقلاب ولد عبد العزيز نفسه على ولد الشيخ، أول رئيس مدنى منتخب سنة 2008..


فالتاريخ الموريتانى لم يعرف الحكم المدنى إلا لفترتين فقط، طيلة 52 سنة من عمر الدولة بعد الاستقلال وحتى الآن. فحتى التجربة الديمقراطية التى قدمها الرئيس ولد الطايع فى الفترة من1991حتى 2005، تعتبر امتدادًا لحكمه العسكرى المستمر منذ انقلاب 1984.. وأنه لولا سوء الأوضاع الداخلية وأزماته الإقليمية وانقطاع دعم الخليج عنه، لوقوفه مع العراق رافضًا حرب الخليج الثانية، واستجابته للضغوط الدولية بعدما أصبحت المشروطية السياسية أحد أدوات الغرب فى التحول الديمقراطى بعد سقوط الاتحاد السوفييتى سنة 1990، ما كانت تلك التجربة الديمقراطية أن تتم بالأساس..


يشهد على ذلك تلك المحاولات الانقلابية السبع الفاشلة طيلة فترة حكمه.. ومن ثم فإن الصيغة التى فرضها العسكر على موريتانيا، وشارك فيها الرئيس ولد عبد العزيز نفسه فى انقلابى 2005 و2008، هى السيناريو الوارد دائمًا على المسرح الموريتانى.. لكن كونه يتحول من انقلاب عسكرى سلمى، فى غالب الأحيان، إلى محاولة اغتيال فهذا يعد تطورًا جديدًا على الساحة الموريتانية..


فربما تكون الإجراءات التى اتخذها نظام ولد عبد العزيز، باعتماده على فريق من رجال الأعمال من أقربائه ومريديه، هى الشىء الجديد الذى مكن له داخل المجتمع إلى حد ما.. فخشية العسكر المضارين من جراء هذا التحول وتغيير قواعد اللعبة، ربما أجبرهم على تغيير طريقة الانقلاب السابقة، وترتيب هذه المحاولة.. وربما كان سوء الأحوال المعيشية، وفشل برنامج الرئيس “أمل 2012″، ونسبة البطالة التى وصلت 52%، والفقر 59%، والتضخم 7%، وارتفاع الأسعار ونهب المال العام والفساد الإدارى والمالى، وانتشار الرشوة والمحسوبية وتراكم الثروة، قد وفر البيئة المناسبة لتدبير محاولة الاغتيال فى الخفاء.. محرضين الأطراف المضارة فى تدبيره ودفعهم إليه، أو تدبيره وإلصاقه بهم.. مستغلين كذب الرئيس فى إعلانه عن تنفيذ70% من برنامجه، مكافحة الفساد والفقر.. معتبرين هذا خداعًا للشعب وتضليلاً للناس، مع فساد يستشرى، ورجال أعمال يرعاهم، فجاء تعويم الأمر ليزيد من صعوبة التعرف على القاتل الحقيقى.


وأيما ما كان الفاعل إلا أن محاولة إعادة الرئيس لممارسة حكمه، فى ظل حالة الاحتقان القائمة، ستقود لصدام قادم لا محالة. فتصدير الرواية الإعلامية بأن الرئيس بخير، وأنه يستطيع ممارسة عمله بنشاط، مع أننا لا نعرف حتى الآن لمن فوض اختصاصاته، أم أن الأوراق ترسل إليه فى مشفاه الفرنسى ليوقع عليها؟، فهذا يقطع بأن الأطراف تخشى من مصارحته فى وجوب تطبيق المادتين 40 و41.. تلك المادتان اللتان ترتبان لإعلان خلو منصب الرئيس، وتولى رئيس مجلس الشيوخ بدلاً منه، والإعلان عن انتخابات رئاسية فى ظرف ثلاثة أشهر.. أو مصارحة الرئيس بوجوب تطبيق المادتين30 و31، لتفويض الأمر لآخرين ريثما يعود.. وعلى هذا فإن الأمور تزداد صعوبة بإمكانية طرح بدائل أخرى، كمجلس رئاسى وخلافه، طالما أن الرئيس والمجلس الدستورى والوزير الأول ورئيس الجمعية الوطنية، لم يتفقوا حتى الآن على إخراج المشهد بصورة تحافظ على تماسك موريتانيا، وتحفظها من الانقسامات مستقبلاً.


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment