أود بدءا تحية الكاتبة على جرأتها في تناول هذا الموضوع من جانب نسائي و هو كسر لحاجز مجتمعي، بالتأكيد أن تعليقي هذا ليس ردا و لاينبغي له أن يكون على ما تقدمت به الباحثة تربة، فما أنا بالباحث و لا المتخصص في هذا المجال، بيد أني أرى في المقال بعض الأفكار و الآراء الشائعة التي تم تسويقها على انها مسلمات من طرف دعات التعدد و هي بحاجة لنقاش أعمق بعيدا عن الأحكام النصية الجاهزة.
التعدد أو البوليغامي هو تقليد قديم قدم الانسان على هذه الارض، و رغم أن بعض المجمتعات عرفت نوعا من تعدد الازواج كالقبائل التبتية البدوية في نيبال و بعض اجزاء الصين، و بعض القبائل الهندية، أو حتى الزواج الجماعي group marriage حيث تتكون الاسرة من مجموعة ذكور و اناث تتشارك المسؤولية عن الابناء و البيت إلا أن تعدد الزوجات كان الاكثر انتشارا في الحضارة البشرية، و تحدثت معظم الشرائع السماوية عن تعدد الزوجات، فمنها ما حرمها تصريحا و من اباحها بالاطلاق و شرائع اخرى قننتها و وضعت لها ضوابط و منها الاسلام، حيث جاء بتحديد عدد الزوجات و تحديد المسؤوليات المترتبة و اشترط القدرة و العدل.
أردت ان ابدأ بهذه المقدمة لاوضح عدة نقاط، أولا أنها ظاهرة قديمة و أنها لم تكن خاصة بمجتمع دون اخر، كذلك التاكيد على ان الاسلام حدد التعدد و قننه و لم يدعو له بالضرورة، لنعد الان الى نقاش النقاط التي اثارتها الباحثة، و سأحاول عرضها لنرى انها مبنية على افتراضات غير دقيقة
الفكرة الاولى،خدعوك فقالو ” التعدد حل للخل الديمغرافي”: هذه الفكرة أو الخرافة يعتمد عليها كثيرا دعاة التعدد في المجتمعات العربية، و هي تقوم على افتراض أن نسبة النساء الى الرجال في ارتفاع في العالم. و رغم أن هذه الفكرة لا تقوم على معطيات علمية أو احصائية دقيقة فقد اضحت مسلمة يتم استغلالها كثيرا من طرف مشايخ و دعاة التعدد للترويج لاديولوجيات وحلول اجتماعية و من بينها التعدد. و سيتفاجئ الكثيرون إن قلت أن هذه الفكرة تناقض الواقع و المعطيات الاحصائية الموثقة لعام 2012 مثلا تشير لزيادة نسبة عدد الرجال الى النساء في العالم اليوم، كل مئة امرأة يقابلها مئة و واحد، بل اكثر من ذلك زيادة نسبة المواليد الذكور على الاناث بمعنى أنه ليس فقط أن الذكور أكثر من الاناث في العالم بل أن هذه النسبة في ازدياد. لكن الاهم بالنسبة لي هنا هو أن مفهوم الزواج يجب أن لا يختزل في معادلات رياضية و احصاءات، فهو مودة و رحمة و حب هو علاقة خاصة جدا بين رجل و امرة، تنتفي بوجود طرف ثالث.
الفكرة الثانية، خدعوك فقالو” التعدد يقضى على العنوسة “: تبنى هذه الفكرة اساسا على فرضية أن الرجل الذي يسعى للتعدد هو شاب وطني مخلص لا يريد بديلا عن اسرته و ابناءه ، و لكنه اضطر للزواج باخريات تقدم بهن السن و لم يؤتين من الجمال نصيبا اسهاما في إصلاح المجتمع و حل مشاكل اجتماعية كالعنوسة ، و الواقع غير ذلك، فغالبا في مجتمعنا القادرون على التعدد و الراغبون فيه هم شيوخ مترفون، يمارسون هواية انتقاء الفتيات الصغيرات و همهم الاساسي هو اشباع تلك الرغبة فقط و ترى في معظم تلك الحالات، يتزوج بالفتاة و يفصلها عن المدرسة ثم ينتهي الزواج بطلاق و ابناء ترمى مسؤوليتهم على كاهلها لوحدها، ليعود هو لهوايته من جديد، و الواقع أن ليست هنالك معطيات دقيقة ولا دراسات رصينة تؤكد أن التعدد أسهم في خفض نسب العنوسة أو في استقرار المجتمع في الدول التي تنتشر بها هذه الظاهرة، و المجتمعات التي تمارس التعدد كالسعودية و اليمن تعاني من انتشار كبير في العنوسة و تعاني من امراض اجتماعية أكثر خطورة.
الفكرة الأخيرة خدعوك فقالو “نصف زوج خير من العنوسة” ، مبنى هذه الفكرة هو نظرة المجتمع للمرأة غير المتزوجة على أنها كائن ناقص أو غير طبيعي، و هي نظرة موجودة في كثير من المجتمعات وخصوصا المجتمعات العربية، فالبنت تنشأ على أنها خلقت حصرا لتتزوج و تلد و حين تفشل في هذه المهمة أو تتأخر يبدأ المحيط يتعامل معها أنها شخص “متخلف عقليا” أو حتى منبوذ، يصل في بعض المجتمعات لدرجة أن صديقاتها المتزوجات ينهين علاقتهن بها. هذه المشكلة هي واقع يجب أن نعترف به و نبحث له عن حل لا عن نصف حل يكون على حساب أسرة و ابناء و امراة و قلب. من المهم الاهتمام بحل لمشكل للعنوسة و لكن تغيير نظرة المجتمع للمرأة و لدورها في المجتمع أمر ضروري أيضا. علينا أن نحارب هذه النظرة القاتلة لغير المتزوجة و لهذه الالغائية لكيانها كإنسان حر ، كذلك فغير المتزوجة هي سيدة و أنثى كاملة، لا يجب أن ترضى بنصف قلب و نصف زوج لتنزع عنها تهمة العنوسة.
أخيرا تأخر الزواج و العنوسة هي فعلا أزمة حقيقية يعيشها مجتمعنا و قد ازدادت بشكل كبير في السنوات الاخيرة، لكن الحل في رأيي مرتبط بشكل رئيسي بايجاد حلول عملية مثل فرص توظيف و سكن للشباب،و تسهيل مظاهر الزواج، و حتى تشجيع الزواج الجماعي.
ثم على الهامش علينا أن نجلس معا ونفكر جديا في ظاهرة الكاست البدائية في مجتمعنا، هذه الطبقية الهزلية وغيرها من الظواهر الانتثروبولوجية البدائية ” القبلية ،الجهوية، العنصرية” تعتبر من الاسباب الرئيسية في في تفشي العنوسة، فنحن نشاهد يوميا آلاف الحالات التي يقتل فيها الحب على مقصلة العشيرة و الطبقة و اللون و المركز الاجتماعي، أما التعدد فهو خيار لمن يراه مناسبا لكن تسويقه كحل اجتماعي هو أمر غير دقيق.
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:
Post a Comment