Saturday 30 June 2012

‫#موريتانيا‬‏ حقائق الرحيل: وفق تفاعلات الحاضر وآفاق المستقبل





في خضم هذا الغليان السياسي الذي تشهده الساحة السياسية بسبب تصعيد المعارضة المصرة على رحيل النظام تراءت لي حقائق و معطيات جعلتني أطمئن على مستقبل البلاد ما دامت تسلك نفس المسار الثوري السلمي الذي بدأته منذ شهور وسوف ينتهي بها إلى مآل حسن و حال أفضل إن شاء الله، إن ربي لطيف لما يشاء ،وهذه الحقائق و المعطيات أسردها كالتالي:


ـ أن هذه المسيرات الجماهيرية الحاشدة بشتى أطياف المجتمع تدل على ارتفاع الوعي الجماهيري و الإرادة الشعبية العازمة على صنع مستقبل للبلاد مغاير للواقع الرديئ وأن الهم السياسي صارت عامة الشعب تحمله و لم يعد يكله زيد على عمر أو يرضى بنيابته عنه.


كما تدل هذه الهبات الشعبية المتتالية على أن استمرار حكم الفرد المتأله الملهم الذي يعبث بمصائر ومصالح العباد والبلاد دون أن يستشير أحدا أو يحاسبه أحد أصبح من عاشر المستحيلات.


وأن الخوذة العسكرية لم يعد لها من هيمنة على الإرادة السياسية للمواطن بصفة خاصة، ولا من سلطان على عقول الناس ولا من وصاية على مستقبلهم ، فلم يعد الاستغباء السياسي الذي كان يمارس على الشعب لإلهائه ممكنا بعد أن وقف الشعب على سراب الخطابات الرنانة التي زخرت بها البيانات العسكرية عند كل انقلاب ماكر.


كما تدل هذه المعطيات على أن الحكم المدني التوافقي في ظل سيادة و استقلالية المؤسسات الدستورية هو سبيل الوحيد لتسيير شؤون البلاد و أن الميثاق الدستوري المتوازن هو الذي يضمن انتظام القوى السياسية و الشرائح الاجتماعية في رؤية إستراتيجية موحدة تفتح آفاقا للتعايش السلمي والتوزيع العادل للثروات والامتيازات وتكافئ فرص التوظيف و الاستثمار بين رجال الأعمال الوطنيين.


كما تدل الاحتجاجات النقابية المتواصلة و المظاهرات الشعبية في “موريتانيا الأعماق” أن الحلول الأمنية المجردة تجاوزها الزمن ما لم تشفع بتسوية سياسية و اجتماعية تغير من واقع المتضررين.


- ألا يدل هذا الاصطفاف الشعبي وراء شعار الرحيل على حقيقتين ساطعتين أن مافيا العسكر فقدت قدرتها على الاستمرار في خداعها وكذبها المكشوف على الشعب الذي سئم ألاعيبها الإجرامية في حق الديمقراطية الوليدة و الثروة المنهوبة و المصلحة الوطنية المنسية.


و الحقيقة الثانية أنه لم يعد لأحد من قداسة يستعين بها على نهب أقوات الشعب و تدجين و إرهاب النخب الثقافية و السياسية فلم يعد أحد فوق المساءلة و الملاحقة له في مخابئ قصره أو في كواليس وزارته حتى تناله سلطة العدالة الشعبية التي لا تسامح ولا تنسى.


ثم ألا تدل هذه الإخفاقات التالية:


- عجز حكومة الجنرال عن الاعتراف في الوقت المناسب بكارثة الجفاف ثم عجزها لاحقا عن بذل جهود على المستوى المطلوب لمواجهتها بجدية ومتابعة صارمة بدل الوعود الزائفة و مسرحية “أمل” الهزيلة التي هي مجرد استهلاك إعلامي لا يسمن ولا يغني، حتى غدت الثروة الحيوانية التي كنا نفاخر بها و نعول عليها تحت رحمة الجفاف الذي شجعه على الاستفحال تغاضي السلطات عنه



- ضف إلى ذالك تدهور قطاع الصحة الذي أصبحت مرافقه مجرد ملاجئ للموت البطيئ تارة و الموت السريع تارة أخرى فلا دكاترة مداومون و لا تجهيزات طبية كافية و لا أدوية بأسعار رخيصة ولا عناية لمن لم يفتدي نفسه بكنوز الذهب و الفضة ومن لا يملكها فطوبى له الأنين و الآلام وحسبه ثرثرة دائمة من ممرضين وممرضات بلهوانيات أما الدكاترة فلن يراهم إلا في عياداتهم الربحية وأفلست الشعارات الجوفاء.


- وترنح قطاع التعليم الذي مأساته أم المآسي الذي الحديث عنه يدمي القلوب ويذيب الأكباد و أنا سليل هذا القطاع الذي لا أدري من أين أبدأ في الكلام عنه فلا مراكز بحث علمي و لا مختبرات ولا مقاهي انترنت في الثانويات و لا مكتبات و لا نقل للطلاب وفي مدن الداخل حتى المقاعد لا يجدونها للجلوس و لا كفالة للأطفال من ذوي الأسر الضعيفة ولا مساعدات اجتماعية.


وفي قطاع التعليم كذبة كبرى ألا وهي ما يسمى جامعة نواكشوط التي لا تستحق أن تطلق عليها “كلية” فكيف تستطيع حمل اسم جامعة ولو كانت يتيمة فاليتم مصيبة لكنها لا تبيح الكذب لأن الكذب يهدي إلى الفجور و يؤدي كذالك إلى سقوط النظام وقد وعد الجنرال حين زيارته لها منذ سنوات ثلاث بتحسينات هائلة بإنشاء حي جامعي كبير و أسطول بري للنقل و زيادة معتبرة في المنح و تعميمها ومطعم جامعي يستقبل الأفواج تلو الأفواج بأرقى الوجبات.


و كانت المفاجأة هي سنة من التحريش العنصري بين الزنوج و العرب في انتخابات ممثلين الطلاب و سنة من عسكرة الجامعة و تآمر القصر الرمادي بقيادة إزيد بيه في ديوان الرئاسة من أجل شق الوحدة الطلابية .


وتحول الوعد إلى وعيد: حينما وعد الجنرال بجعل المعهد العالي جامعة إسلامية بعد مطالب ملحة من شخصيات وازنة في المشهد الوطني ، فجاء وفائه بوعده في قرار غادر أرعن يقضي بطرد المعهد إلى المدن النائية و محو وجوده في العاصمة كمحاولة لإغلاقه وإقصائه عن تفاعلات الحياة الثقافية حتى يتعذر على أكثرية الطلاب التسجيل فيه مستقبلا ليبدأ في الموت السريري على هامش النسيان.


وكانت هذه خطوة خطيرة سيئة المقاصد تمس بأقدس و أعرق مؤسسة علمية في البلاد تمثل رمزا و واجهة حقيقية للثقافة الإسلامية ورافدا تكوينيا هاما لخريجي “المحاضر” التي دخلنا من بوابتها التاريخ و سطرنا بها كشناقطة أمجادنا وحافظنا بها على ذاتنا و هويتنا من تأثير الاستعمار الماكر الخبيث.


ـ وفي قطاع العدالة تكرر اهتزاز هيبة القضاء بعد انكشاف ارتهانه للقرار السياسي لحكومة الجنرال مما ينفي أدني قدر من استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية مع استشراء الرشوة فيه و المحسوبية و الزبونية وتهافت و تخبط إجراءات سير الحالة المدنية وعدم رصد الإمكانيات المادية و البشرية الضرورية لها في حملة وطنية شاملة للتراب الوطني


- ثم هذا الكساد الاقتصادي المرعب الذي يتأزم على وقع الارتفاع المتصاعد للأسعار الذي لم تقدم الحكومة مبرر مقنع له ولم تضع خطة منهجية للتكيف معه سوى دكاكين خربة متناثرة كتناثر أوراق الصيف في صحراء المجابات الكبرى

ولو قسمنا الشعب عليها لكان بمعدل 3000 ثلاثة آلاف أسرة للدكان الواحد في حين أن الدكان منها ما فيه لا يكفي لعشرة أسر يوميا وأحرى ثلاثة آلاف أسرة وشر البلية ما يضحك.


هذا في الحين الذي تتلقى فيه الحكومة القروض المالية على القروض و تضاعف الضرائب خمس مرات على الأسواق وتكدس الاموال ربما لكي تفرغها في جيوب سماسرة النظام عن طريق صفقات التراضي السافرة الآثمة .


ـ ضف إلى ذالك الكثير والكثير ألا وهو أزمة البطالة التي تعصف بعشرات الآلاف من خيرة الشباب ذوي الكفاءات المتميزة و التخصصات الهامة الذين صمَّت الآذان عنهم وسخر منهم الوزير و تلاعب بهم المدير و أنكرهم الجنرال حين زعم على رؤوس الأشهاد أن ليس في البلاد إلا عاطل واحد, قولة لم يتجرأ عليها أحد قبله في البلدان الاقتصادية العملاقة أحرى في بلد يحكمه هو و أمثاله فلم يعد أمام المهندسين و الدكاترة العاطلين سوى أن يقتحموا عليه قصر الرمادة حتى يراهم بأم عينه في أول حادثة من نوعها منذ استقلال البلد 1960.


- ثم إخفاقات السياسة الخارجية و من أشنعها دعم الطغاة الذين لعنتهم شعوبهم ولفظتهم الأقدار بدءا بلوران باغبو و القذافي و ثم بشار السفاح وأشنع من هذا زج البلاد المنهارة اقتصاديا في أتون حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل في حروب دمرت اقتصاد أمريكا و أبريطانيا و لم تنجز فيها شيئا و جعلنا الجنرال في مواجهة مع القاعدة و الحرب على الإرهاب لا لشيء وإنما لمجرد العمالة الغبية للمغرور ساركوزي الذي تخلص منه شعبه بعد أن أرهقهم بحماقاته وكانت النتيجة أن فرطت موريتانيا في أمنها و استقرارها من أجل الدفاع عن الهبية الفرنسية و لا يفهم عزيز أن موريتانيا لا طاقة لها بما عجزت عنه الجزائر التي تملك واحدا من أقوى جيوش إفريقيا.


- كل هذه الإخفاقات التي أكثر من أن تحصى تؤكد ضرورة و حتمية رحيل عزيز و العسكر وترك الأمر لحكماء البلد ونخبته السياسية و الثقافية يصلحون ما أفسدت أيامه البائسة ويؤسسون لمرحلة جديدة مبدؤها الثابت ومنطلقها الوحيد هو العدالة و الحرية و الكرامة و الشراكة السياسية و التعايش السلمي و النهوض بالبلد بعد عقود من الفساد و الاستبداد.


- الدور الذي ننتظره من الساسة : كل ما يتطلبه الأمر هو إصرار السياسيين على مواصلة مشوارهم ورفع سقف مطالبهم السياسية بما يناسب مقتضيات المرحلة و التحلي بالحنكة و اليقظة السياسية حتى لا يقعوا في فخ التسويات الشكلية الهزلية التي لا تقدم ولا تأخر، كما وقع في اتفاق دكار ، ويمتثلوا قول القائل:


لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى


فما انقادت الآمال إلا لصابر


وأن يتخلوا عن الأنانية السياسية و الحسابات الحزبية الضيقة ، وأن لا يرتهنوا للحظة الحالية بل يضعوا في حسبانهم مستقبل الأجيال القادمة ، وذالك أن يحرصوا على حصول تغيير جذري يؤسس لحكم مدني حقيقي يعيد بناء الدولة الموريتانية على أسس ديمقراطية دستورية ثابتة مما يعني ولادة “الجمهورية الثانية” التي تجسد مصلحة الوطن والمواطن وروح الدستور وسيادة القانون أما عروض الجنرال المتمثلة في توزيع حقائب وزارية تحت شعار حكومة ائتلافية فهي خدعة من الجنرال ظاهرها القبول بشراكة سياسية في الحكم و حقيقتها محاولة من الجنرال إنقاذ نفسه و الخروج من عنق الزجاجة ثم بعد ذالك تعود حليمة إلى عادتها القديمة.


على الطبقة السياسية المعارضة أن تقنع الجنرال أنه لم يعد يملك حتى يعطي، و أن المفاوضات لا تكون إلا على كيفية تسليمه للسلطة للمدنيين بأقل الخسائر إن أراد خيرا لنفسه أو للوطن، و أن الزمن لا يعود إلى الوراء، و أن الشعوب لا تخدع باستمرار، و أن الأيام دول، وأن موريتانيا جزء من محيطها العربي و الإفريقي، وما نبأ الربيع العربي و أخبار الديمقراطية السنغالية منا ببعيد، و إنا بهم لاحقون على درب السيادة و الريادة في ظل الجمهورية الثانية .


و الحكم سوف نعيده شورى لمن


يُختار ليس لمن عليه تغلبا


ولسوف ينقاد الوجود لحقنا


هيهات منا حقنا أن يُسلبا


و ما ذالك على الله بعــــزيز ، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.



أقــــلام حرة




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment