Wednesday, 25 July 2012

‫#موريتانيا‬‏ المتحدث باسم الرئاسة





في يوليو عام 1986 زار رئيس الوزراء الاسرائيلي شمعون بيريز علنا المغرب، واستقبله الملك الحسن الثاني في قصره في افران… وبعد أيام، فجر الصحفي اللبناني المثير للجدل، وليد بوظهر، مفاجأة من العيار الثقيل.. فقد نشر في مجلة الوطن العربي الأسبوعية، ذائعة الصيت في ذلك الوقت، والتي كان يصدرها من باريس، نشر ما قال إنها وقائع لقاء الحسن الثاني وبيريز.


كذبت المملكة فورا ما نشر، وطالبت المجلة بنشر التكذيب، وفق حق الرد.. وافق الصحفي المشاكس، ولكن بشرط أن تقدم السلطات المغربية، نصا بديلا، لما قال إنه حصل عليه من مصادره الخاصة، وإلا فإن نصه، يبقى متمتعا بكل المصداقية، في غياب البديل!!


عادت إلى ذاكرتي الحادثة، التي تراكمت عليها السنون، هذه الأيام، مع تفاعل قضية رئيس الاستخبارات الليبية السابق، عبد الله السنوسي، ونفي السلطات المتكرر، لكل ما تتناقله وسائل الإعلام هذه الأيام، ومنذ عدة أسابيع، بخصوص هذا الملف.


هي تنفي كل ما يكتب، وكل مايقال، لكنها تماما، كما في قصة بوظهر، لا تقدم أي معلومات بديلة، ما يعطي “النص” أو “النصوص” التي تنشرها وسائل الإعلام المحلية، ويتناقلها الناس، درجة من المصداقية، في ظل غياب البديل!!


فنحن لا نملك أي معلومات رسمية موثوقة عن هذا الملف، منذ وصول الرجل إلى نواكشوط، ذات ليلة من شهر مارس الماضي إلى اليوم… ولا عن تفاصيل المساعي الرسمية التي أجرتها طرابلس لاسترجاعه، ولا حقيقة الموقف الموريتاني الرسمي بهذا الشأن.

وكل ما بحوزتنا، مجرد شائعات وتسريبات عديمة، أو قليلة المصداقية، بالمعني المهني – رغم الجهد المشكور الذي يبذله الصحفيون في نواكشوط – في غياب أي مصادر موثوقة.

قد يكون من غير الدقيق، أن الرئيس ” تلاسن” كما قالت المصادرالإعلامية المحلية مع رئيس المجلس الانتقالي الليبي، خلال اتصالهما الهاتفي الاخير.. ولكن ليس دقيقا كذلك أن مضمون المكالمة كان فقط ” بحث سبل تعزيز علاقات التعاون المثمرة بين البلدين الشقيقين” كما قالت الوكالة الموريتانية للأنباء.


أليس من ” البذخ ” أن يجد مصطفى عبد الجليل، المشغول بأكثر من جرح نازف، أن يجد الوقت للإتصال بانواكشوط، فقط لمجرد بحث التعاون مع موريتاينا.. وينسى أن يثير قضية السنوسي، الذي يعد أحد أهم مخازن أسرار النظام، الذي يودون أن يبنون على أنقاضه “ليبياهم الجديدة”.


وهذا ليس خاصا بقضية السنوسي دون غيرها، بل هي سياسة تعتيم درجنا عليها، منذ زمن طويل، لكنها لم تعد مفهومة، في وقتنا الحاضر، مع أنها لم تكن مفهومة في الماضي.

اليوم في أكثر بلدان العالم، أصبحت المواقف الرسمية، تؤخذ “طازجة” وساخنة، من صفحات المسؤولين، وصناع القرار على منتديات التواصل الإجتماعي، كالفيس ببوك والتويتر..

أما نحن، فما زالنا ننتهج سياسة التعتيم، ونعتقد أننا إذا عتمنا على أي قضية، فستموت في مهدها، أوعلى الأقل، تبقى بعيدة عن الأعين، حتى نقرر إخراجها للرأي العام، وفق رؤيتنا ب” التقسيط” الممل وغير المريح!


علينا أن ندرك أن سرعة تناقل الأخبار وتفاعلاتها السريعة كذلك، لم تعد تترك فرصة لأي كان لأن “يحنطها” كما اعتدنا من قبل، في انتظار “تدبر أمرها” ومعرفة كيفية ” إخراجها” للناس!!


لم يعد ذلك ممكنا … في ظل السرعة، وثورة المعلومات، وانتشار وسائل الإعلام المختلفة، بمرئيها ومسوعها ومكتوبها، وما دون ذلك وماوراءه.. وعلينا حتى لا يتجاوزنا الزمن، أن نحسن – أو على الأقل نحاول – التعامل مع الواقع الجديد، وأن نتكيف بسرعة كذلك.. لأن الأمور لا تنتظر!!


في إحدى المرات، وقبل سنوات، كان الرئيس معاوية ولد الطائع، خارجا من اجتماع مغلق، في أحد مؤتمرات القمة، وبما أنه كان أول خارج من الجلسة، اتجهت إليه كل الأعين والعدسات ولاقطات الصوت في البهو، حيث ترابط جيوش الصحفيين “على الطوى”.. ودون مقدمات ولا بروتوكولات، بادره صحفي أجنبي بسؤال، وبين التفكير وقبول الرد، انقضت ثوان طوال ثمينة من وقت الشبكة التي يعمل الصحفي لحسابها ( نعم ثواني!! ولكنها في عمر الخبطة الصحفية أزمان وأزمان… ) انفتح فيها الباب عن الملك حسين، فكان ذلك كافيا، لتنصرف العدسات ولاقطات الصوت، ومعها جيوش الصحفيين نحوه، وتترك لصاحبنا الوقت لدراسة ما سيقوله، وربما انتظار أن يرتب ذلك، بعد استشارة مقربيه.. وساعتها يكون المؤتمر قد اختتم، وانفض الجميع، ورجع الصحفيون إلى قواعدهم سالمين!


مرة أمضيت ثلاثة أيام، أرتب للقاء إعلامي مع الرئيس، في إحدى العواصم البعيدة … مررت بكل المستشارين، ضمن الوفد المرافق لفخامته، وتعرفت على كل أفراد الأمن، وأصولهم العائلية، ومناطقهم التي أتوا منها، والمواقع التي مروا بها في مسيرتهم المهنية، واسمتعت إلى كل بطولاتهم وتجاربهم الشخصية، وجالست طويلا أهل التشريفات والديوان..


وفي اليوم الثالث، حين التقيت سيادته، في إطار اللقاء التقليدي الذي يجريه الرئيس عادة، مع الجالية في أي بلد يزوره، اكتشفت أن كل الجهات التي التمست طريقها، لإيصال طلبي إلى سيادته، لم تبلغه بأي شيئ بهذا الخصوص!


لم يبلغه أي أحد، ممن التقيتهم بأي شيئ، لأن ذلك ببساطة، لايعني أحدا بعينه منهم، فملف الإعلام، ليس مسندا لجهة محددة… رغم أن هناك دائما في الرئاسة مستشارين للإتصال، وملحقين بالديوان يحملون صفة تحيل إلى حقل الإعلام.


ومرة أخرى، كنت ضمن مرافقين لأحد رؤسائنا السابقين، ولسبب ما اكتشف المشرفون على الرحلة، وكلهم من الصف الأول من مسؤولي الرئاسة وقتها، أن هنالك شخصين يحملان صفة صحفيين، ضمن الوفد غير معروفي الهوية.. وجاء مسؤولو الرئاسة يسألوننا، إن كنا نعرف المعنيين من قبل، بحكم وجودنا في الحقل الصحفي، وقادتهم التحريات الأولية – وربما النهائية – إلى أن الشخصينن اللذين كانا يستقلان الطائرة الرئاسية، ويجلسان على بعد أمتار من مقصورة الرئيس، طالبان في جامعة نواكشوط، وهما من بلد مغاربي.. ووجدا من ( ؟؟!! ) ساعدهما على الإنضمام إلى الوفد الإعلامي المرافق!


وأعتقد أن القصة لم تتجاوز ذلك، وأنزل الطالبان “الصحفيان الشقيقان” في أول مدينة، وتركا يذهبان بحرية، كما دخلا أول مرة!!


ليست هذه الأمثلة التي سردتها هنا، سوى نماذج من وقائع تتكرر مع كثيرين، وهي ليست خطأ صاحب المنصب الرئاسي، ولا خطأ جهة بعينها، ولكنها نتيجة تداعيات التركيبة النفسية لنظامنا السياسي، بصورة عامة، والنمطية المؤسسية المحنطة، في أهم مرافق الدولة. لماذا لا تكون هناك جهة محددة، تمسك بالملف، وتكون هي من يتحدث باسم الرئاسة، وترتب كل ما يدخل في مجال الإعلام والإتصال، بالنسبة لمؤسسة الرئاسة، ولتكن مستشارية أو ملحقية أو مكتبا صحفيا، أوغيرها .. لا يهم العنوان ولا الإسم ولا الصفة..


المهم أن توجد هذه الجهة، وأن يعهد إليها بالملف برمته، وأن تكون لها الكلمة العليا في هذا الشأن..


تنير الرأي العام، بالوضوح والسرعة والتفصيل، الذي يناسب كل قضية، وتقطع ألسنة “مروجي” الشائعات والتسريبات والتلفيقات.. وتحكم ضبط كل مفردات العمل الإعلامي الخاص بأهم مناصب الدولة.


لاأحد بامكانه أن يغمض عينيه، ويصم أذنيه عن ما ستقوله وسائل الإعلام، بشأن حدث ما، وقع مثلا في أي مكان من البلاد، ولكن ما هو ممكن، بل ومطلوب بإلحاح، أن تبادر سلطاتنا الموقرة، وتسبق الجميع، وتعطي سريعا رؤيتها مفصلة، شفافة ووافية .. والأهم أن تكون منطقية، ولاتسعى لاستغباء أو استبلاه الناس!!


يخيل إلى مرات، أن عجلة التعاطي مع الرأي العام لدينا، لم تتحرك كثيرا، على مدى عدة عقود، بل دعني أقول إنها إذا كانت تتحرك، فربما إلى الوراء..

فقبل ثلاثين سنة، وفي عز الأحكام العسكرية الأحادية الإستثنائية، كان هناك مكتب صحفي بالرئاسة.. قد يكون مجرد عنوان، لم يقدم أي خدمات تذكر في إطار المهمة التي حمل اسمها.. ولكنه كان موجودا..


ثم جاء عهد ولد الطايع، وبعد مماطلة طويلة ظهر مؤتمر صحفي أسبوعي لوزير الإتصال، لم يحمل الكثير من الإختلاف عن الماضي.. فقد ظلت اللغة الخشبية المتكلسة تلفه بامتياز.

و أخيرا جاءت تجربة الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله التي لم تعمر، حين أسند منصب المتحدث الرسمي باسمه، لصاحب القلم السيال ( قراء جريدتي البيان والقلم في التسعينات يعرفون جانبا من ذلك) والتواضع الجم عبد الله ممدو با.


وربما كانت – حسب علمي – أول مرة، وحتى الآن، هي الأخيرة التي عرف فيها شخص في بلادنا، بهذه الصفة الرسمية..


وهانحن اليوم، بأسلوب يمتزج فيه الإبتزاز والإستجداء، نريد انتزاع أي معلومة صغيرة مؤكدة ورسمية، عن أي قضية وطنية، مهما كانت قليلة الأهمية… أما حقيقة قضية السنوسي أو الموقف من مالي، والتوتر مع الجيران جنوبا وشمالا، أو غيرها من المفردات الكبيرة في سياستنا الخارجية، فدونه خرط القتاد!


بيانات مجلس الوزراء، ما زالت تصاغ – منذ أن فتحت عيني على الأقل – بذات المفردات الفضفاضة والعائمة، والعروض التي يقدمها الوزراء في ختام الإجتماع، لشرح بعض الخطط، أو المراسيم التي تتبنى خلال جلسة الحكومة، عبارة عن شكلية جاهزة، تعبأ تبعا للمقام والسياق، ما يجعل المواطن لا يفهم منها شيئا، ولا يعيرها أي إهتمام.


والأجدر أن نوفر ماتستغرقه من طاقة، وجهد ومن وقت، وحتى من أوراق، لأنها عديمة الجدوى بصيغتها الحالية.


المؤسف واللافت، أنه في مختلف الفترات، منذ الإستقلال إلى اليوم، كان الجالس بالقصر الرمادي، يمرر دائما رسائله إلينا، عبر منابر الآخرين.. وأساسا المنابر الفرنسية، خاصة مجلة جون أفريك، أو من خلال إذاعة فرنسا الدولية..اللتين كانتا أثيرتين لدى نخبنا، قبل أن تخطف ثورة الفضائيات، الأضواء من كل المنابر.


رئيسنا في كل المراحل وفي كل الفترات، إذا استثنينا، يتيمة الزميل محمد فال ولد عمير، لم يستخدم أي منبر وطني.. لإيصال رسائله الحقيقية إلينا، ولارسائلنا نحن إلى الآخرين.. فهو إذا أراد أن يتحدث عن مشاكلنا الخاصة جدا.. رأى أن الآخرين، أبلغ في التعبير عنها، من أبناء جلدته، فيستورد جيوش الصحفيين من الخارج، معززين مكرمين، ويضن على من يحرقون زهرة أعمارهم في الإعلام الوطني.. لأن شادي الحي لا يطرب!!


وإذا أراد مغازلة هذه العاصمة أوتلك، فذاك شأن له أهله وفرسانه.. ومقام أسمى من أن يتسنمه أي كان.. وكأن الإعلام العمومي، الذي حكم عليه الرئيس.. وحتى منهم دون الرئيس، في كل الفترات تقريبا، بأن يكون ممجدا مطبلا.. لم يكن في مستوى نيل “شرف” نقل الرسالة السامية للجماهير..


لم يعد مقبولا ولا معقولا ولا مستساغا.. أن يكون هذا هو واقعنا في زمن عولمة الإعلام الجارفة، يجب أن يكون هناك نوع جديد من التعاطي مع الرأي العام.. ولنعلم أن من أبسط وأوكد حقوق المواطن، أن تصله المعلومة الدقيقة والمفصلة عن كل شؤونه، بدءا من أهم مرفق إلى الأقل أهمية.


لاعاصم اليوم من كل موضات الثورة و”التثوير” والإثارة، إلا جرعات متتالية من الشافافية الحقيقية.


ما ذا يخسر البيت الأبيض، حين يقف المتحدث باسمه يوميا، ليقول لنا كل شيئ، عن وجهات نظر واشنطن بوضوح لالبس فيه .. ثم حين يغادر الرئيس المكتب البيضاوي في إجازة يومين، يطلعنا المتحدث بكل مهنية، على تفاصيل يومي الإجازة.. من تناوله للبوظة مع أفراد أسرته الصغيرة، في المطعم الفلاني بهذه البلدة أو تلك، إلى تجوله على الشاطئ هنا أو هناك، وممارسته لهواياته الصغيرة والخاصة.


حركاته وسكناته.. حتى الشخصية جدا، هي ملك مشاع وعام.. يجب أن يطلع أو – على الأقل – أن يتاح الإطلاع عليه للكل، فمابالك بالقرارات الكبرى، التي ترهن مصير شعب بأكمله!

كان هناك تقليد فرنسي من عهود غابرة – كان حيا بالتأكيد أيام ميتران – يقضي بأن يختار الرئيس عشوائيا، إحدى أو عدة رسائل من البريد، الذي يصل الأليزي – كان ذلك قبل عهد النت – والذي بالمناسبة يطلع عليه رئيس خامس قوة في العالم، رسالة رسالة.. ثم يرد على صاحب الرسالة أو الرسائل المختارة خطيا، ليضفي لمسة إنسانية – ولو رمزية – على علاقة الرئيس بالمواطن!


و ما زال هناك فرنسيون يحتفظون بكل حنو، برسائل وصلتهم ذات يوم، بصفة شخصية من جنرال فرنسا الخالد، وأشهر رؤسائها على الإطلاق، شارل ديغول مكتوبة بخط يده!!

قد نكون بعيدين جدا من هذا المستوى من الشفافية والصراحة، والحرص على “اللمسة” الإنسانية، ولكن يجب أن نتحرك في اتجاه الناس.. ننزل قليلا من علياء الصمت والتهرب و”الجر”.


سنسير في ذلك الإتجاه يوما، ولو بعد طول أمد… فخير أن نفعلها اختيارا لا إكراها.



أقــــلام حرة




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment