Saturday 28 July 2012

‫#موريتانيا‬‏ الدبلوماسية الموريتانية.. التحولات والمنعطفات





(أعادت حادثة حرق الدبلوماسي لنفسه في ذاكرتى قصة السفارات الموريتانية وغيابها المريب في الربوع التى من المفترض أن تمثلنا فيها أحسن تمثيل. فهل كان الرجل رحمه الله على وعي مما يفعل وكان تصرفه ردة فعل على الواقع التى تعيشه الدبلوماسية الموريتانية).


في أحد أسفاري إلي البلاد الموريتانية تجاذبت الحديث مع شيخ سعودي به وقار جاب الكثير من البلدان والبقاع وصار يحدثني عن رحلاته بكثير من التفصيل والتدقيق لصولاته وجولاته، فقل ما أرض إلا ووطأتها قدماه، فكان مجاملا في اللحظات الأولى محاولا قدر الامكان أن لا يقع في حوار يشده إلى قول بعض الحقائق أو على الأقل لفت الانتباه إلي تبدل الأحوال والأزمنة في صقع تقلب رأسا على عقب.


إلا أنه بعد أن تعمقنا في الحديث والحديث ذو شجون كما يقال سألته عن أرض شنقيط كما كانت تسمى وعن أهلها وهل سبق له زيارة البلد ؟. فقال ببرودة أعصاب وهو يتحدث عن العاصمة انواكشوط أوه بادية صحيح الأمر إذا قورن بالرياض من باب العمران لكن الشيخ لا يهدف إلى المقارنة فشتان ما بين اليزيدين .


وليس مرده كذالك إلى اعتبار البادية في التراث العربي والإسلامي تمثل ما تمثل من نقاء الأرواح وطيبة أهلها الطيبين الكرماء ولا إلى أجوائها النقية التي لا تلوث فيها مما أكسبهم منعة في الأجسام وقوة على تحمل الصعاب وجلدا وصبرا على مطبات الحياة وصنوفها… كان ذلك في مخيلة الانسان العربي وفي أشعاره، لكن الشيخ لم يكن بقصد رصد تلك الصورة الطوباوية في المخيلة و الذاكرة الجمعية العربية .


بل كان هدفه الإشارة إلى أمر غاية في الأهمية ، وهو وجود عاصمة في عالم اليوم مازالت توصف بالبادية فلا منشآت عمرانية حديثة ولا مؤسسات، فالكل يشير إلى اسم في أوراق رسمية لعاصمة لم يكتب لها القدر أن تكون كغيرها رغم ما حباها الله به من خيرات وخبرات لو استغلت لكنا نتحدث عن واقع آخر ، وأشار خفية وكأنه يهمس إلى تغير وتبدل الحال لجاليتنا في بقاع الله الطاهرة . ليختم مقالته التي ليتها لم تحدث لغيرة مني على أرضي وأنا المسافر إليها بأحلامي الوردية ـ بأن من أفسد البلاد والعباد هم العسكر في البلاد العربية قالها كي لا يثقل علي بعد أن لاحظ قسمات وجهي وهي تتعاطي الألوان .


I.


ما أمر تلك اللحظات على قلبي وما أتعسه من حديث خصوصا عندما تصطدم هوية الآنا بالواقع المر الذي تعيشه ومما زاد الطين بلة أن الحديث كان من أجنبي له نظرة عابرة لا تستند على وقائع تفصيلية، ومن المفروض أن تكون طوباوية بدون الاضطلاع على المنعطفات والحقائق المرة التي تعاني منها ديببلوماسيتنا وتنعكس علينا نحن بطبيعة الحال بمالها وما عليها.


فكرت كثيرا قبل أن أكتب من باب الغيرة على وطن ضيعه أبناءه وأهله الطيبون بفعل فاعل مازال يسكننا ويتحكم في مصائرنا، أحيانا عن حسن نية أو سوئها لأن فاقد الشئ لا يعطيه فالتألق والتميز صنوان لما يقدم على المستوى الأكاديمي والبحثي ومدى فاعلية تلك السياسات المقدمة من طرف الحاكمين وأهل السلطة في البلاد، ليساهموا في ذبوله وتصنيفه في المراتب الأخيرة بعد أن كان يمثل قمة شامخة في سماء العلم والأدب … فالشنقيطي كان مربط الفرس والغاية الكمالية من لدن بني الدنيا في العلم والورع والتميز رغم ما به من جلف نظرا للتكوين لكن الأمر لم يمنعه من أن يكون ذلك الشيخ الوقور الموسوعي الحافظة لكل الأشياء من أنساب وسيرة وأشعار وفقه والنماذج كثيرة في المجال على استيعاب الشنقيطي لعلوم عصره ونتاجه المهم في خدمة التراث العربي و الإسلامي ، فاستعرضت في ذهني بعض اللحظات الحافلة و الكالحة عسى من خلالها أن أفهم السر وراء موقف ذاك الشيخ السعودي محاولا أنا كذلك أن أفهم ما لم يقل من خلال تقاسيم وجهه المعبرة عن مكنون صدره.


II.


كثيرون هم أولئك الذين كتبوا في حب الوطن وتغنوا بأمجاده وأيامه وجباله ووهاده ـ رغم أني لست منهم ـ وصار الحديث عن سماءه وأرضه من باب المقدس الممنوع إلا ما كان من تبجيل وتصديق لخرافة التأسيس والبطولات والخوارق في مخيال شعوبه وهلم جرا في التراكم التاريخي له وأيامه وأنسابه و تراتبيته ونبوغه، ليختلط التاريخ بفن الأسطورة وليؤسس لتاريخ لا تشوبه شائبة ولا يمكن لأي مشكك التشكيك فيه ولا البت فيه إلا ما كان من القول بصدقية الأخبار رغم تعارضها مع العقل أحيانا وتهافتها أمام أبسط معايير النقد والتمحيص للخبر ـ رغم ثبوت بعضها على الأقل في الذاكرة الجمعية ـ


فبلاد أنجبت الكثير من العلماء والفقهاء الذين مثلوها أحسن تمثيل رغم بساطة الممثل ـ حين ذاك ـ إلا أنه صار عنوانا لقوم أشداء قهروا الصحراء وعبروا الحدود كما التسمية اليوم بحضارة قل نظيرها استطاعت أن تغير الكثير مما ساد عن ثنائية الأطراف في الثقافة العربية الإسلامية والمركز،بوصف الأول هو وعاء لذالك المنتوج المتميز الذي يصدره المركز لأجزاءه البعيدة عن كل تميز حضاري أو سبق معرفي ، وحتى غيروا أحيانا نظريات ثقافية كالنظرية الخلدونية القائلة بأن البدو والرحل معادين لكل ما هو ثقافي.فقد استطاع القوم التأسيس لمجتمع معرفي بامتياز إذا جاز الاستعمال.


كان الشنقيطي بمثابة جواز سفر عابر للقارات رغم بدواته وما به من جلف مثلنا في كل البقاع بحفظه وعلمه متمثلا القول الذي صار مضرب المثل :


علمي معي حيث ما يممت يتبعني صدري وعاء له لا جوف صندوق


فحازوا قلم السبق وخدموا الثقافة العربية الاسلامية وصنفوها حين ضاعت بين أزمة قلة المنتوج ورداءته بدءا من الحرم وبقاعه إلى أرض الحجاز وقبل ذالك وبعده الحيز الجغرافي القريب منا.


حيث صارت مقارنة الشنقيطي بسدنة الثقافة العربية الاسلامية وأهلها المميزين هو أمر فيه قدر من الاعتيادية و لو كانوا على شاكلة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وأبي الثناء الألوسي وغيرهم كثير ….


فصاروا الممثلين لهذه الثقافة مدافعين ومنافحين عنها، وكانوا سفراء بحق لبلدهم متربعين على عرش القضاء والإفتاء ومراكز العلم والبحث في كل البقاع العربية و الاسلامية حتى انتدبوا لمهام خارجية فها هو ابن التلاميد يسافر إلى السويد بأمر الدولة العثمانية من أجل جمع التراث العربي و تصنيفه وتبويبه وجمع ما تناثر من شتاته .


III.


حتى في الدولة الحديثة كانت البداية على الأقل أحسن مما هي عليه الآن فها هو أول رئيس للبلاد بعد أن جمعت شتاتها وارتأى ساستها أن يشكلوا دولة على شاكلة ما حدث في البلدان المجاورة يصول ويجول في بقاع الدنيا هو و نخبة من أهل هذا البلد معرفا ومتمسكا بهوية كانت بالأمس القريب قمة من قمم المعرفة الشامخة وإن لم تكن فيها دولة بالمعني الحديث ولا سلطة ولا عمران ومع ذالك شيدوا حضارة !!! على غرار الآخرين .


الجهل ببقاعنا وبأرضنا ترى ما مرده أهي لعنة الجغرافيا تطرح من جديد أم هو ضعف في ديبلوماسيتنا اليوم وانتكاستها المخيفة عن مبادئها .


قد يكون البعد عاملا مساعدا على جهل الكثير عن حسن نية أو سوءها لتاريخ أهل هذا البلد بالإضافة إلى قلة المنتوج المعرفي وتهافته في أحايين كثر عن أهل هذه البلاد لكن الأمر يحتاج إلى قراءة تحليلية محاولة أن تفهم الأبعاد العميقة لتلك الانتكاسة في ابعادها العامة على الأقل .


ـ فقد تحول القوم من باحثي هويات بمعنى وجود مظلة مشرقية أو افريقية أو مغربية لهم إليها يأوون وتكون مرجعية خصوصا في المرجع النسبي والبعد الإقليمي الأوسع . وذاك ما يفسر السر وراء تألق القوم في البحث عن هوية معربة بأنساب قرشية تنتمي إلى البيت النبوي أو تدور في حوله عندما برزت مشكلة التصنيف للقوم خصوصا في مسـألة أوقاف الحرم وما يترتب عليها من استفادة لقاصدي الديار المقدسة . إلى تجار من نوع بائعي الهوى والمروجين له وجهل كذالك بتاريخ بلد لم يسعفه جيله الحالي إلا من رحم ربك وقليل ماهم إلا بقنابل موقوتة قتلت تألقه وتميزه في الصميم.


ـ ضعف الكادر العلمي والبشري المؤهل حيث تغيب الدراسات والبرامج الهادفة إلى الترويج بأهل وتاريخ البلد وأواصر العلاقات الثقافية وأحيانا الاجتماعية بينه وبلدان كان الشنقيطي فيها الغاية الكمالية ومضرب المثل .


ـ دبلوماسية هشة من خلال الكادر الممثل لها وبمواقف تعبر عن ترهل وضعف في البنية، فنحن اليوم نتموقع في صف المستبدين نعانق الأسد في تصرفاته وقمعه لشعب بيننا وبينه من أواصر القربى والرحم ما يجعلنا نقاتل إلى جنبه وإن لم نفعل على الأقل ندعوا له في صلاتنا ونتعاطف معه كأي شعب في المعمورة يعاني. وفي الأمس القريب كنا مع القذافي نبرر مواقفه الجنونية ونصلي وراءه .


ـ غياب الدور المنوط بسفاراتنا هي الأخرى فلا مكان لتمثيل البلد إلا ماكان من جمع أموال و التفنن في صنوف الإساءة إليه .


IV.


شنقيط البادية المتألقة بعلمائها وفقهائها تحولت إلى اسم موريتانيا في مطلع الستينات من القرن الماضي حيث غاب المشترك والتوحد بين عناصرها لأن النظر إلى الهوية تغير والمراد منه كذلك فأصبح النظر الي الهم العام هو من باب الخرافة والأسطورة فالتأسيس لدولة لها تاريخ تفتخر به وتمجده تدافع وتنافح عنه من خلال نخبها وسلطها العسكرية هو نفخ في الرماد إلا ماكان من أيام عن تاريخ البلد المراد منها في النهاية هو ابراز مجموعة أو إثنية بدافع تبرير علو كعبها نظرا لوجودها في السلطة والعكس صحيح حيث أنه كلما جاءت أمة لعنت أختها ليتراكم تاريخ هذا البلد بهذه الصورة البشعة والغريبة في أجيالنا.


فلم يقرأ تاريخ هذا البلد إلى حد الآن قراءة جماعية من قبل المختصين وأهل الرأي تتوخى الأمانة والدقة العلمية إلا ما كان من كتب أحيانا مصدرة إلى الخارج بمضمون رديئ في بنيته وشكله ليتوهم القارئ أو الأجنبي بأن مرتعنا منارة للتعدد والتلاحم الاجتماعي وأنه واحة للديمقراطية حين غابت عن العالم العربي برمته والمفارقة أننا منذ الاستقلال أو على الأصح بعده بقليل ونحن يحكمنا العسكر ، ليتأسس وعينا على من حرمنا تنفس الهواء بصفة نقية وهي في نهاية الأمر تثبت عكس الرؤية المقدمة من الحاكمين في البلاد.


أمر الهوية والبحث فيه يرتبط ارتباطا عضويا بما سيقال عنا أو على الأصح بتألق بلادنا ودبلوماسيتنا وتغير النظرة لدى إخواننا العرب والجيران قبل الآخرين الذين أحيانا لايصنفونا واذا صنفونا فكشعوب بدائية تستحق الدراسة في عالم اليوم نظرا لتخلفها وبدائية أهلها حسب من يحذو حذو هذه النظرية.


الأمر عندي ليس مرتبطا بطبيعة الحال لا بالحيز الجغرافي وبعده ولا قلة الموارد من عدمه لأن مقاس الحضارة والتقدم والتألق لاتقاس بهذه المقاييس وإن كانت تؤثر فيها وتصنعها.


بل الأمر فيه قدر من اللبس مالم تتضح الأمور ونناقشها في مسارها الصحيح بقدر من التجرد والتمحيص لدقائق الأمور وعللها وأسبابها كما تقول النظرية الخلدونية في رأي حصيف أبان عن دقة المعلومة وتميز القراءة فعوائد كل جيل تابعة لسلطانه فالناس على دين الملك والأمر بطبيعة الحال ينعكس على الديبلوماسية والتميز.


فالناظر اليوم بصفة التجرد والبعد عن الشتائم والبعد السياسي بمعناه الحركي والحزبي يلاحظ عدة ملحوظات أبعدتنا كل البعد عن الحراك الديبلوماسي بتألقه وما يفتح من استثمارات ومن تصنيف معتبر ومهم لدولة حديثة مازالت تتلمس خطاها تائهة في بناء دولة المؤسسات حيث تتغلب عليها دولة القبيلة و الإثنية وكذا ديبلوماسية القبيلة حيث تنكمش الحدود في فضاءها وتقل مردوديتها على الصالح العام. ولعل من أهم تلك الملحوظات وأكثرها أثرا على سياسيتنا الديبلوماسية مايلي:


السـفارات الديبلوماسية وعبثية الوساطات: كثيرون هم الذين لاحظوا في الآونة الأخيرة من خلال السفارات التي أوفدت بلادنا إلي بلاد مشتعلة فشل مساعينا وردنا خائبين غير عابثين بما يعني الأمر على الساحة التحليلية والقيمة الاخلاقية والمعنوية. فعندما يسل العالم يده من مشكلة ما محدقة يعطينا نحن دور الوساطة ليكون في بعض الأمر نوع من السخرية في الوسيط وقدح في من قبلوا تلك الوساطة . وما النموذج ببعيد كاغبابغو ونحن في قمة الوساطة من خلال الزيارات والبعثات نفذت قوات فرنسية والفريق المعارض الذي يملك الحق في السلطة عملية إنزال في القصر من خلالها قبضت على المجرم الذي عاني منه أهلنا في ساحل العاج إخوتنا في القرابة والدين وهم الذين لأرجائهم وصل صوت الشنقيطي بكونه المدافع والمنافح عن الدين والممثل بحق للتعاليم الربانية . لينتهي الأمر بإلقاء القبض على المجرم ونخرج نحن بخفي حنين .


أهو التحالف في صف المستبدين من قذافي وهو الذي فعل فعلته على أديم هذه الأرض الطيبة حين صلى بعدد غير يسير من أهل السلطة والورع في بلاد كانت منبرا للتدين المعتدل وتصدر الائمة للخارج حسب ما رد به عليه أحد رؤساء هذا البلد وهو الذي قتل أبناء شعبه وسبى وقتل ولعل موته بأبشع الصور تدل على علو كعبه في الاستبداد فصار سيناريو قتله عبارة عن قصة تدل على عظم الدرس المستخلص منه. أم هو الأسد في أرقي جنون الاستبداد والقهر لشعب لا يذل ولا يحتقر ، أو كان الأمر على وداع لزائر حل ضيفا قيل ما قيل فيه .


لا يشك أي محلل أو قارئ لهذه الأحداث المؤثرة بأن الديبلوماسية في عالم اليوم لا تقف إلا مع الشعوب وأن الأنظمة زائلة بتبدل الأحوال وتلك سنة الله في خلقه.


والأمر الثاني أن العالم لما استقال من هذه الديكتاتوريات وأعلن البراءة منها واقفا في صف من على صوته وضحى بأغلى ما يملك من أجل لحظة لا يجد فيها ذاك الحاكم نقوم نحن بدور الوساطة وهو لعمري قمة الجهل بالسياسة و مآلاتها وها نحن نحصد ثمارها المتتالية والسيئة على بلاد مازالت تعول كثيرا على الخيرين من هذا العالم .


ديبلوماسية الفرد وترهل الكادر البشري الممثل لها: كان الشناقطة الذين صاروا عنوانا لمن يسكنون المجال الذي سيعرف فيما بعد بموريتانيا قمما شامخة في العلم و الورع، وسفراء في الآن نفسه بما حباهم الله به من قدرة على الخطاب والتفنن في صنوف المعرفة ولم تكن لديهم شهادات بالمعني الحديث. وكان اللاحقون لهم تنتجهم مؤسسة عسكرية لا يملكون من العلم إلا البندقية لشعوبهم في مجتمع حول إلي ثقافة العسكر التي تتعارض تمام المعارضة مع من يحمل الثقافة والعلم حيث تختلف الغايات والمآلات، فالأول أقصى مايتمنى هو أن يوصل ما يملك من علم للآخر من بني جلدته في عالم الانسانية . بينما الآخر ـ لا ضير عنده في تحول القوم إلى قوم لهم زاد قليل من العلم ليفهموا بأن الإله الحاكم ينزل من السماء ليعلم أبناء شعبه بأن القهر والتغني بأمجاده ولو كان عكس التيار هو من باب الواجب ليؤسس أبناء الأمة من مثقفين ومطبلين على نفس المسار متفانين في خدمة القائد الأعظم. وتبرير نزواته وأفعاله .


فمن المؤسف والحال هذه أن تكون قمم الديبلوماسية اليوم بيد حاكم يغيرها متى شاء وفي أي لحظة بجرة قلم يقف في أي صف شاء وكيفما أراد في اتراجيدية تدل على سوء الإخراج وعدم القراءة للمتغيرات والأزمنة .


مما فرض نوعا من غياب الاستراتيجيات ووعي بالمصالح من لدن ممثلينا فصارت التحالفات هي من باب انكماش الدولة وعزلها عن نفسها بتصرفات غير محسوبة بنظام المصالح وفتح الآفاق للشركاء من أجل الحصول على أكبر استفادة في المجال.


فتخلينا عن بعدنا الافريقي الأصيل في ثقافتنا ولم يكن الجانب الآخر أكثر سوءا فها نحن نفرط في علاقتنا مع دول الخليج بعد أن صرنا نغازل إيران المعزولة دوليا على الأقل ولم نجن من ثمارها إلا حافلات وربما ما خفي كان أعظم من تدخل إيراني في العقائد وفتح مراكز ربما قريبا في مدينة انواكشوط تبشر بالتشيع وما الحراك الذي حدث أخيرا في هذا المجال إلا عنوانا عريضا لمآلات ذاك التوجه.


حتى في منطقتنا المغاربية مازلنا نلعب دور الحياد السلبي في قضية الصحراء وإن كان الحل أو على الأقل مبادرة جيدة الطرح والإخراج من أجل حل الصراع المغربي الجزائري موجود بأيدينا من أجل إنهاء الصراع والتوحد آنذاك في فضاء مغاربي فرضه علينا المتغير الدولي نظرا لنظام التحالفات والمصالح في العالم .


فلم يكن الكادر البشري الذي يمثلنا اليوم خريج محاضر نهل من معانيها التي لا تنضب، ولم تكن له شهادات بالمعني الحديث تخوله أن يرفع رؤوسنا عاليا إلا ما كان من إساءة بسوء نية أو حسنها إلى المشترك التاريخي بيننا وبين شعوب كالسعودية وقطر والأردن والسودان وغيرها كثير ممن تربطنا بهم علاقات اجتماعية وتاريخية تفاعلت عبر الأزمان.


بالإضافة إلى ذالك غياب التعريف ببلاد جهلت بفعل أهليها الممثلين لها من حيث التمثيل الدبلوماسي فالناظر الي سفاراتنا في الخارج يلاحظ قصورا في الهمة وسوءا في التمثيل مرعبا فلا تعريف بالبلاد ولا مكانتها ولا بالمشترك بينها وبين تلك الدولة أحيانا في كتب صغيرة أو أوراق على الأقل من باب إحدى الحسنيين، وهو نهج صار تقليدا من قبل أي ممثلية أو سفارة لدولة ما، في أي بقعة من بقاع الدنيا.


التأليف ودروه في النهوض بالديبلوماسية:على الرغم من أني لست في قراءة نقدية و تمحيصية لما كتب أهل هذه البلاد عن أنفسهم لأن الأمر يحتاج إلي قراءة متأنية في كل ما كتب من أجل استكناه معالمه من طرف نخبتنا وغربلته غربلة تتوخي الدقة والتمحيص العلمي الرصين فأني لست مكلفا بالأمر هنا حتى أني سأصنف الدراسات التي اعترف أهلها أنفسهم بعدم الحياد في الهوية كأن يكون الكتاب غيرة أو شيئا من ذاك القبيل وهو ما يجعل الصفة العلمية للكتاب هي نوع من المجاملة وعدم الدقة .


فإنما ما كتب وخصوصا في العصر الحديث يعد على الأصابع وكذا في مجال جغرافي محدد سلفا فأقصي ما يصل إليه الكتاب هو 5000 نسخة تقريبا يوزع أغلبها على المحيط الضيق للكاتب، بالإضافة إلى ذالك غياب المشترك بين أبناء هذه الأمة، فالدارس لتاريخ البيضان يحسب أن من رفع هذه الأرض هم العلماء من الجنس الأبيض. والعكس صحيح بالنسبة للمكونات الأخرى فغياب دراسات تنوه بالجميع ومساهماته بدون أن تغفل عن أي جنس أو فئة هو نوع من ضرب الخيال.


ولعل الناظر اليوم إلى الدراسات الحديثة وتوجهات أصحابها ليجد أنها تركز على دراسات من قبيل تاريخ البؤساء وتاريخ الأرقاء من أجل وضع اللمسات على تاريخ غيب عن البحث ومساهماته الجادة في تاريخ بلده.


ولا يخفي على أي دارس ما سيساهم به الأمر في حل مشاكل الوحدة الوطنية وبروز جميع الفئات لكونها هي الأخري صانعة لتاريخ البلد مما سيقلل من الاحتقان ليظهر مجتمع متماسك قادر على مجابهة العواصف التي تحيط به، ولاشك أن الأمر سيكون له الأثر الإيجابي على ديبلوماسيتنا .


لنكون بحق مجتمعا متجانسا له تعدد وهويات متعددة لكن تلك الهويات بمعناها الثقافي لا تقلل من الآخر بل تجعل المشترك نصب عينيها لها حس وطني مرهف عكس أوراق لا تغير من التصورات و المآلات أو تصوير للآخر بأننا نعد واحة للسلام والتعايش والأمر عكس ذالك. فالبناء الحق يبدأ من الأساس لتكون الخواتم لها عبرة و خلاصات تفضي إلي المأمول و الغايات المرجوة من أجل أي سياسة من هذا القبيل .


ولعل من المؤسف ونحن في عالم اليوم أن يكون حال ديبلوماسيتنا كمن في عالم وحده لا صوت يسمعه ولا خليل يناصره ولا مدافع يدافع عنه نمتحي من معين المستبدين ونبدل مفاهيم اللعبة الديبلوماسية فنجري عكس التيار في سياسات ارتجالية تعبر على أنا لم نقرأ الدرس ولم نستوعب من دروس الماضين ما يخولنا أن نفهم المعادلة … ونبقي نصفق ونزمر لكل الأشياء سواء أكانت في صالحنا أم عكسه نكرم من لا يستحق التكريم أو يوجد من هو أجدر منه . ليموت علمائنا في حفل جنائزي يدل على عظم المصيبة وهم الذين مثلونا ـ أحسن تمثيل ـ بدون تكريم أو حتى لفتة كريمة من قبيل نصب تذكاري أو شئ من ذالك القبيل . متناسين ما قدم الأجداد والمحدثون من أجل أن يكون هذا البلد حسن السمعة يمثلنا أحسن تمثيل كما كان في السابق في إسم جديد يعرف بموريتانيا تنصهر فيه كل الإثينيات والأعراق بحس الوطنية والمسؤولية لتحاول أن تعيد ما تناثر وما تقادم في ثوب جديد يكرم فيه الموريتاني ويبجل محاولة إعادة القطار إلى مجراه الصحيح، حيث موريتانيا بصورة أخري غير الصورة المهترئة المقدمة من أهل السلطة والحاكمين في بلادنا. وهو ما أرجوا كغيري أن يكون قريبا .



أقــــلام حرة




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment