كلمة الإصلاح هذه المرة أتاحت لنفسها الفرصة لتتوجه بمناسبة هلال شهر رمضان المبارك إلى الآيات القرآنية لتسجل وترصد وتراقب من خلال تلك الآيات آي القربات أكثر إسراعا بصاحبها إلى دخول الجنة .
وبعد النظر في فحوى تلك الآيات والتمعن في عباراتها وتنوعها فقد تبين بما لا يقبل مجالا للشك أن أسرع القربات بصاحبها إلى دخول الجنة هي قربة الإنفاق في سبيل الله بجميع أنواعها .
وسوف استدل على ذلك بما سوف نورده بإذن الله من الآيات والأحاديث التي تثبت وتؤكد أن أسرع قربة يمتطيها المسلم متوجها بها إلى أبواب الجنة هي قربة الإنفاق في سبيل الله ، ولكن يشرط أن يكون ذلك طبقا لأوامر الله وطبقا للجهة التي عينها المولى عز وجل لتكون هي مكان ادخار هذه القربة .
إن المتـتبع للنصوص القرآنية فسيجد فيها تركيزا من الترغيب والحث على جميع أنواع الإنفاق في سبيل الله ما لم يجده في أي ركن من أركان الإسلام الأخرى .
فصحيح أنه جاء في الحديث الصحيح أن فريضة الصلاة هي من أول عمل للمرء ينظر في سلامته يوم القيامة فإن أداها صاحبها على الوجه المطلوب منه فينظر في باقي أعماله وإذا كان قد ضيعها فلا ينظر في بقية الأركان الأخرى .
ولكن يظهر أن سبب ذلك أن من ضيع فريضة الصلاة وهي لا تكلف المسلم جهدا ماديا أو بدنيا أو معنويا مثل الصوم والحج والزكاة فهو لما سواها أضيع .
ففريضة الصلاة هذه التي يبدئ بالنظر في تأديتها حق أدائها قل أن تجد آية في القرآن تؤكد وتحث على أدائها إلا ويذكر القرآن بجانبها أداء الزكاة .
وعندما نعود إلى الآيات القرآنية مرة أخرى للبحث فيها عن أنواع التطوع في جميع الفرائض فسوف نجد أن تطوع الإنفاق في سبيل الله ورد فيه من أنواع الترغيب والحث عليه ما لم يرد في التطوع من أنواع أركان الإسلام الأخرى.
فأول أمر يصدر إلى سلطة الدولة عندما يعينهم الله على التمكن في الأرض هو أقام الصلاة وايتاء الزكاة يقول تعالى مخاطبا للسلطة:(( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة )) إلى آخر الآية .
وأول سبب لدخول المشركين النار هو عدم أداء الصلاة وإطعام المسكين يقول تعالى: (( ما سلككم في سقر، قالوا لم نكُ من المصلين، ولم نكُ نطعم المسكين )) .
وهناك عبارات وردت في القرآن لم ترد إلا في الإنفاق في سبيل الله ، فالمولى عز وجل الخالق للكون والمنزل للقرآن والمعطي لكل ذي مال ماله ، هذا الرب الرازق ذي القوة المتين يطلب من كل مسلم أن يقرضه قرضا حسنا ليضاعف له قضاءه أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون .
كما أن الله تبارك وتعالى عندما يقرر المسلم بأن المال الذي بين يديه هو مال الله الذي أعطاه يأمره بالإنفاق منه كمال الله وليس كمال يملكه الشخص ملكا باتا يقول تعالى: ((وانفقوهم من مال الله الذي أتاكم )) فالمولى عز وجل يصرح لكل من بيده مال أنه مجرد مستخلف فيه ولذا يقول تعالى:((وأنفقوا من ما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير )).
فهذا المال الموهوب من عند الله يطلب ممن وهبه له أن يقرض له منه نصيبا سيقضيه له يوم القيامة كأحوج ما يكون له ويكون هذا القضاء بأضعاف مضاعفة .
وكذلك فإنه من المعلوم أن الربا تـقال للزيادة ومعناه بين البشر أن يعطي شخص مالا لشخص آخر ليربيه له في ماله ويعطيه الزيادة الحاصلة من ربحه وهذا محرم في الإسلام .
أما إن كان هذا العطاء لله ليعطي عند قضائه زيادة بل يعطي عند قضائه أضعافا مضاعفة على رأس المال المقروض لله فهذا هو الربا الممدوح إذا كان صاحبه يريد به وجه الله .
يقول تعالى: (( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ))، وهناك ألفاظ جاءت في القرآن تفاضل بين أنواع إعطاء الصدقات أوردها القرآن بعبارة لا يستطيع إنس ولا جان أن يأتي بمثلها.
فالله يشيد أولا بإعطاء الصدقة في العلانية فيقول: إن إعطاءها في العلانية نعم العمل هو ومعلوم أن كلمة ” نعم”من أحسن لفظ عربي يعبر به عن مدح الفعل كما قال تعالى: (( ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب )) وهنا يقول المولى عز وجل إن إعطاء الصدقة في الخفاء خير من إعطائها في العلانية مع أنه نعم العمل هو وبقيت هذه الخيرية لا يعرف قدرها إلا الله عز وجل يقول تعالى: (( إن تبدو الصدقات فنعماهي وإن تخفوها وتوتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير)).
وكذلك فإن الله لم يذكر أي فعل يكون عدم فعله عقبة في دخول الجنة إلا عدم إطعام المسكين يقول تعالى: (( فلا أقتحم العقبة وما ادريك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا ))إلى آخر الآية.
حتى أن الإيمان الذي هو شرط في دخول الجنة وشرط كذلك في قبول الصدقة جاء ذكره بعد إطعام اليتيم والمسكين تنويها بأهمية ذلك وقد جاء بلفظ ” ثم” التي عادة تكون للتراخي.
وأيضا فإن الله عندما يدخل المشركين بسبب شركهم النار يذكر لهم سببا واحدا من أركان الإسلام أدخلهم النار عدم أدائه مع كفرهم يقول تعالى: (( وويل للمشركين الذين لا يوتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون )).
وقد جاء في القرآن أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولكن إعطاء الزكاة جاء فيه منصوصا أنها تطهر من الذنوب وتزكي صاحبها من كل دنس ورجس أصابه في حياته يقول تعالى: (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) .
وقد أورد القرآن في شأن من أخرج الزكاة من ماله لوجه الله وعدا كان على كل مسلم يسمعه أن يغشى عليه فرحا به ويبادر بتـنـفيذه عدة مرات ومرات طيبة بها نفسه يقول تعالى : ((وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتـغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى )).
وهذا الفرح وهذا الطرب يتكامل في آخر الآية عندما يتذكر هذا الشخص المتقي الذي قدم ماله للزكاة أن نفس الكلمة التي وعده الله إياها هي نفس الكلمة بالعبارة وبالأحرف الذي وعد فيه المولى عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه سوف يعطيه حتى يرضى يقول تعالى: ((ولسوف يعطيك ربك فترضى )).
فالله يقول لمن أعطى ماله يتزكى ولسوف يرضى ويقول لنبيه ولسوف يعطيك ربك فترضى كما أن الله تبارك وتعالى أورد عدة آيات فيها وعد أبهمه الله في علمه تعظيما لشأنه يستدر به قلب المؤمن للإنفاق في سبيل الله إذا لم يكن هذا القلب جرزا من الإيمان .
يقول تعالى: ((وما تفعلوا من خير يعلمه الله وما تنـفقوا من شيء يوف إليكم وأنتم لا تـظلمون وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم )).
ويما أن أحاديث النبي صلى الله علية وسلم تبـيـيـن لما جاء في القرآن كما أمره الله بذلك في قوله تعالى(( وأنزلنا إليك الذكر لتبـين للناس ما نزل إليهم )).
فقد أوردت في كلمة الإصلاح هذه عدة أحاديث في شأن الإنفاق ومع أن الآيات القرآنية المبثوثة في القرآن التي تحث على الإنفاق في سبيل الله وتــتـنوع في العبارات من أجل ذلــك لا يمكن حصرها وكذلك الأحاديث الصحيحة التي اتبعت القرآن في الحث على الصدقة والإنفاق وفي كل وجوه الخير لا يمكن حصرها كذلك فقد أوردت منها عدة أحاديث اقتصرت فيها على بعض ما اتفق عليه البخاري ومسلم منها .
فأول هذه الأحاديث يشجع المنفق على الإنفاق ويحذر البخيل بالإنفاق أن يصيبه دعاء الملائكة عليه بتلف ماله ،يقول صلى الله عليه وسلم : <> ويقول في الحديث القدسي <> .
وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام أفضل قال : تطعم الطعام إلى آخر الحديث وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يوما لأحدى زوجاته :<>،وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : “من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا فإن الله يتـقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل”.
أما بخصوص الإنفاق في رمضان فقد جاء في الحديث المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم هو أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقـاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة.
وهنا أرجو من كل مؤمن سوف يقـرأ هذه الكلمة الإصلاحية أن يلقي إلي سمعه وهو شهيد لأوضح له ولوجه الله فقط ما جاء في القرآن في موضوع مكان إنفاق هذا الخير. وبعبارة أوضح من هم الذين أمر الله المسلم أن يعطي لهم ماله الذي سوف يسأله عن فيم أنفـقه ففي الحديث الصحيح لا تزال قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع ومن بينها ماله فيم أنفقه.
ونحن جميعا نعلم أن الله طلب من المسلم أن يقرضه قرضا حسنا كما تقدم في الآية أعلاه ليضاعف لهم الأجر ولكن علينا أن نسأل أنفسنا هل عين المولى عز وجل أناسا بأوصاف محددة هم الذين يعطى لهم هذا المال طلبا في الأجر لمضاعفة الأجر .
فنـقول نعم عين الله هؤلاء بأوصاف واضحة ولم يعين من بينهم الصالحين والأولياء وإن كان الأولياء والصالحون وعدهم الله بإعطاء في الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولكن بعد أن يأتوه وهو أعلم بمن اهتدى يقول تعالى : (( إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم )) والفقراء وصف معلوم لدى المسلمين لا يشـتـبه مع الصلاح والولاية وإن اجتمعا فيعطى الشخص بوصفه فقيرا لأنه المنصوص عليه ويكون المسلم يعرف اتصافه بذلك .
ويقول المولى عز وجل في آية أخرى(( يسـألونك ماذا ينفـقون قـل ما أنفـقـتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وما تـفـعلوا من خير فإن الله به عليم )) .
و”خير” هنا نكرة لا يشذ عنها أي إنفاق لوجه الله لأنها جواب من الله عن سؤال الله عن الإنفاق في سبيل الله .
ويقول (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين)) إلى آخر الآية فلم يدخل هنا أي صفة من صفات المسلمين في هذه النفقة مثل التائبون العابدون الحامدون..الخ الآية، وكان قادرا أن يدخل هذه الأوصاف في أوصاف المستحقين لهذا الإنفاق .
وعندما طلب المولى عز وجل من المسلم أن يقتحم العقـبة لدخول الجنة حصر هذا الاقتحام في الإنفاق على فك الرقبة أو إطعام المسكين واليتيم القريب.
ولاشك أن من أقرض قرضا يريد إرجاعه في وقت هو أحوج ما يكون إليه ولا سيما إذا كان وصل إلى أضعاف مضاعفة من الله ولكن المقرض لا يمكن أن يطلب قضاء قرضه إلا لمن أقرضه له.
فالآن لينظر هؤلاء الذين يذهبون بأموالهم إلى غير المكان الذي أمرهم الله أن يضعوها فيـه هل يريدون إرجاع القرض من الله وهو يعلم أنهم لم يضعوه في المكان الذي حدده لهم بدقة أم يريدون قضاءه ممن وصل إليه هذا القرض فإن كان يريد منه الدنيا مقابل نتائج مادية تحصل لهم فهجرتهم إلى ما هاجروا إليه وإن كانوا يريدونه منهم في الآخرة فالأجور في الآخرة تابعة لمقصدها الشرعي في الدنيا والشخص في الآخرة مهما كانت عبادته وإن كانت مقبولة من الله لا يملك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وما لهم فيهما من شرك وما لهم منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ، وأين لأي شخص أن يعرف في الدنيا المأذون لهم في الشفاعة يوم القيامة مع أن أوصاف المنفق عليهم أوضحها القرآن إيضاحا لا لبس معه .
فصناديق الادخار في الآخرة قد عين الله مكانها في القرآن وفي الحديث الصحيح كما تقدم وقد جاء في الحديث أن من بين أمكنة هذا الادخار الكبد الرطب كما قال صلى الله عليه وسلم في كل كبد رطب صدقة وفيه أن امرأة بغية دخلت الجنة بسبب سقيها لكلب كاد أن يموت عطشا ولم نر حديثا صحيحا مثل ذلك في شخص أدخلته الجنة صدقة أو هدية أعطاها لصالح أو ولي أو شيخ غير محتاج لها فقرا ومسكنة.
والنية المزدوجة بين الله والبشر غير مقبولة لدى خالق البشر فالنصوص القرآنية الموجهة إلى هذه النية كثيرة يقول تعالى: (( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم )) وكلمة “هو” الواردة مرتين في الآية بإظهار الضمير المنفصل المؤذن بالحصر لها دلالة لا تدخل إلا في قلب من ذاق القرآن معنى وهدفا لا من اكتفى منه بالحفظ والقراءة فقط.
وإذا كان لنا أن نكلم المشاهدات فسنجد الملاحظات التالية:
أولا: الصدقات لمن نصت عليهم الآيات تكون قليلة وزهيدة وإخراجها صعب على النفس لأن الشيطان يعد بها بالفقر يقول تعالى: ((الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء )) والفحشـاء هنا هو عدم إعطاء الزكاة.
أما العطايا للأشخاص غير المستحقين من الله فتكون كبيرة إما سيارة أو ملايـين نقدا أو منزلا جاهزا أو قطع أرض غالية ويكون صاحبها يهرول بها لدفعها وجميع خلايا بدنه تساعده على ذلك ولتسمع بعد إعطائها لكلمات من المعطى له تشمل الوعد بالمغفرة وإصلاح الدنيا والآخرة ( وباب فال من يغفر له) .
ولكن على كل مسلم أن يقارن بين الآية والكلمات التي سوف تقال للمعطي فالله يقول ( أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لا قيه)) .
أما الكلمات من غير الله فيقول الله فيها (( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون )).
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:
Post a Comment