Friday 26 April 2013

أسرار الموقف الأمريكي الجديد من نزاع الصحراء: محاولة للفهم

لقد شكل الموقف الأمريكي الأخير من قضية الوحدة الترابية للمملكة صدمة لكثير من الباحثين والمتتبعين والرأي العام الوطني بصفة عامة، ومن جهة أخرى يعتبر هذا الموقف منعطفا خطيرا واستراتيجيا في مسار المواقف الأمريكية تجاه المغرب.


فإذا كان المغرب الرسمي ما فتئ يتغنى بكون العلاقات المغربية الأمريكية تعد علاقات متينة ومتجذرة في التاريخ، بحيث أن المغرب يعتبر أول بلد مسلم اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية، في عهد السلطان محمد بن عبد الله سنة 1774، وإذا أخذنا بعين الاعتبار المعطيات التاريخية والجغرافية وخضوعه للاستعمار الأوروبي والفرنسي والإسباني، مما خلق نوعا من الارتباط التاريخي والحضاري بالمنظومة الغربية وحتى العاطفي في بعض أبعاده. من هذا المنطلق كان المغرب معتزا دائما بأنه كان شريكا في النصر الذي حققه الحلفاء في الحرب العالمية الثانية على النازية والفاشية، بعد امتزاج الدماء المغربية بنظيرتها الفرنسية في معركة تحرير فرنسا من الاستعمار النازي، كما أن الولايات المتحدة كثيرا ما أعجبت بالتجربة المغربية الديمقراطية، خصوصا الطريقة التي قيل بأن المغرب تجاوز بها ربيعه الديمقراطي فيما بات يعرف بالاستثناء المغربي، كما أن الموقف والسلوك المغربيين في قضية محاربة الإرهاب في الساحل والصحراء وصف من قبل الخارجية الأمريكية بالبناء والمتعاون، كما أن مجلس الأمن طالما رحب بالمقترح المغربي حول الحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية. فما سر هذا الانقلاب الأمريكي الخطير على حليفهم الإستراتيجي المغرب؟ خصوصا أن البلدين قد انخرطا منذ أكثر من سنة في مناقشات تهدف إلى إقامة شراكات إستراتيجية على الأصعدة الاقتصادية والأمنية والسياسة، واجتمعت لنفس الغاية عدة لجان مشتركة من البلدين، فما الذي استجد لتفسير هذا التحول الأمريكي الدراماتيكي؟

إن الحقيقة التي يجب أن نقر بها هو أن الموقف الأمريكي والغربي بشكل عام عرف تغيرات كبيرة في الفترة الأخيرة وتحديدا الانتقاد الشهير للسفير الأمريكي كابلان لما سماه تعثر وبطء الإصلاحات السياسية بالمغرب، ووجود جيوب مقاومة تحول دون تحول ديمقراطي حقيقي به، حيث كان هذا الانتقاد علنيا عبر المنابر الإعلامية، مما أثار حفيظة كثير من السياسيين المغاربة، الذين اعتبروا تلك التصريحات المثيرة للجدل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمغرب، ويمكن القول ان هذه التصريحات شكلت أولى بوادر التحول في الرؤية الأمريكية تجاه المغرب، وقد استنتجت النخبة السياسية المطلعة أنذاك أنه ثمة تحول كبير في الموقف الأمريكي والغربي عموما تجاه قضية الوحدة الترابية للمملكة.

وإذا كان الكثير من المحللين السياسيين والدارسين في محاولة منهم لفهم هذا التحول المفاجئ في الرؤية الأمريكية يعزون ذلك إلى ثلاثة محددات رئيسية، يتعلق الأول منها بالصراع الفرنسي الأمريكي على مواطئ النفوذ بالقارة الافريقية عموما، وفي شمال افريقيا على وجه الخصوص، التي جعلت الولايات المتحدة غير راضية ربما على كثير من المعاملات التفضيلية وخطوات التقارب الاستراتيجي بين المغرب وفرنسا، وكذا الاتحاد الأوروبي. أما المحدد الثاني في هذا التحول فيمكن إرجاعه إلى ملف حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية، الذي ما فتئ تستخدمه بعض الدوائر الغربية من منظمات حكومية وغير حكومية للضغط على المغرب وابتزازه سياسيا واقتصاديا وأمنيا، في ما يمكن إدراج المحدد الثالث في ضعف الدبلوماسية المغربية، الذي بلغ أوجه خلال السنة والنصف سنة الأخيرة بعد وصول العدالة والتنمية إلى الحكومة، حيث التخبط بدا واضحا في الأداء الدبلوماسي المغربي الذي كان من نتائجه إلغاء اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي بسبب نزاع الصحراء.

يمكن القول من الناحية الجيوستراتيجية، ان هذه المحددات وعلى الرغم مما يمكن أن تتضمنه من بعض جوانب الحقيقة فإنها لا تسعفنا في فهم خلفيات وحيثيات الموقف الأمريكي للأسباب التالية:

ـ إن ما يسمى بالصراع الفرنسي الأمريكي لا يعدو كونه عملية لتوزيع أدوار متقنة وتكاملية بين القوتين الدوليتين العضوين والمؤسسين لحلف الشمال الأطلسي والمنتميتين للمنظومة الجيوسياسية الغربية، التي تلعب فيها الولايات المتحدة دور الريادة والقيادة السياسية والعسكرية والاقتصادية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الضعف الفرنسي منذ وصول ساركوزي إلى السلطة وإلحاق فرنسا بشكل مطلق بالولايات المتحدة، وهو الوضع الذي لم يستطع خليفته هولاند تجاوزه.

ـ أما في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان بالصحراء فإن تقرير عمر عزيمان عن التجاوزات الحقوقية بالمغرب أثبتت أن هذه التجاوزات أكبر بكثير في الشمال منها في الجنوب، فلماذا التركيز’على الجنوب من قبل الدوائر الغربية؟ خصوصا أن كثيرا مما يمكن وصفه تجاوزات هو مجرد ضجيج إعلامي ساهم فيه انفصاليو الداخل عبر خلق معارك حقوقية وهمية، وقد جسدت ما يسمى ‘قضية أميناتو حيدر’ هذا اللغط الحقوقي ناهيك من أن الولايات المتحدة الأمريكية بسجلها الحقوقي الأسود هي آخر دولة يمكن أن يقبل منها، أخلاقيا وإنسانيا الحديث والدفاع عن حقوق الإنسان، ولعل عجرفتها وسجل قمعها للدول والشعوب والأفراد المليء بالخروقات والاضطهاد والقمع والسجن والتعذيب والابادة مبررا قويا لذلك، وأكثر خروقاتها لحقوق الانسان والشعوب طراوة هو ممارستها في العراق وأفغانستان، من دون الحديث عن تدخلاتها القمعية في أمريكا اللاتينية والهند الصينية خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ومن دون الحاجة الى ذكر تاريخ الاستئصال والابادة التي قام بها الانسان الابيض الأمريكي في حق شعوب الهنود الحمر الأصليين في القارة الأمريكية الشمالية، منذ القرن السادس عشر الى نهاية القرن التاسع عشر.

ـ يبقى المحدد الدبلوماسي أبرز نقاط ضعف في ملف قضية وحدتنا الترابية في ظل غياب رؤية استراتيجية دبلوماسية واضحة للتعامل مع قضية وحدتنا الترابية.

اما الجواب عن سر الانحياز الامريكي الى موقف الجزائر والبوليساريو فهو راجع الى عدة عوامل تتعلق بالمصالح الامريكية بالدرجة الاولى، التي تبقى المحدد الاستراتيجي الوحيد للسياسة الخارجية الامريكية التي من جملتها الشراكة الاقتصادية القوية بين صناع القرار الرسمي الجزائري، خاصة منهم الجنرالات والمؤسسات العسكرية الامريكية، فنسب التسلح الجزائرية خلال السنتين الاخيرتين من السلاح الامريكي هي الاول افريقيا والثالث شرق اوسطيا لذلك فلا غرو ان نجد الشركات الامريكية العملاقة والمؤثرة في السياسة الداخلية والخارجية الامريكية لها علاقة بتغير الموقف الامريكي من قضايا عدة في العالم، ومنها قضية الصحراء، فالطفرة البترولية التي تعرفها الجزائر ودورها المحوري في محاربة الارهاب في الساحل والصحراء، والعلاقات الكبرى التي بدأت تربط الرئيس الجزائري مع صناع القرار لدى منظمة ايباك الدولية، التي هي اكبر مؤثر في السياسة العالمية والامريكية تحديدا يجعلنا لا نتفاجأ اكثر عندما نرى تغيرات كبرى في المواقف الامريكية والأوروبية لصالح الجزائر والبوليساريو، اما الاعتبار’السياسي الاخر وهو صعود جون كيري الى سدة الخارجية الامريكية وهو المعروف بعلاقاته الوطيدة مع الحكام في الجزائر ومع مؤسسة ابنة كينيدي الداعمة الرسمية للبوليساريو وسفيرتهم لدى الولايات المتحدة، كل هذه الاعتبارات يمكن ان تفسر بعضا من التغير في الموقف الامريكي في قضية الصحراء، لكن هل الولايات المتحدة وحدها من غير الموقف؟ لا نعتقد ذلك، ففرنسا كذلك وبريطانيا غيرت من لهجتها الديبلوماسية اتجاه المغرب، رغم التصريحات الديبلوماسية البروتوكولية لفرانسوا هولاند امام البرلمان المغربي خلال زيارته الاخيرة للمغرب، ودليلنا على ذلك ان اغلب النواب الفرنسيين لدى البرلمان الأوروبي لم يكن موقفهم حازما في عدد كبير من مشاريع توصيات قدمت من لجان المجلس، وكانت ضد المغرب ومصالحه الاقتصادية والسياسية، ان الديبلوماسية المغربية تجتاز مرحلة فتور وتراجع خطيرين بفعل تكلس الخطاب الديبلوماسي المغربي وتعيين سفراء لا يقومون بالادوار الكافية لدى عواصم القرار الدولي وبفعل اقصاء المجتمع المدني والسياسي المغربي من القيام بادوار طلائعية في الديبلوماسية الثقافية والفكرية والجمعوية، لان المجتمع الاوروبي والامريكي لم يعد يثق في السياسات الرسمية المغربية والمغاربية منذ اندلاع ثورات الربيع الديمقراطي، التي اعطت للعالم اجمع دروسا كبيرة في عدم التعويل كثيرا على ما يروج له الاعلام في هذه الدول لأن ما تحت الاكمة اكثر من ذلك واعمق.

إن قراءة متأنية للمشهد السياسي الرسمي المغربي، خصوصا في شقه المرتبط بالأداء الدبلوماسي لا بد أن يخلص إلى ثلاث ملاحظات أساسية طبعت هدا الأداء:

أولا: تركيز الدبلوماسية المغربية على منحى واحد وأوحد في تعاملها الخارجي، وارتباطها بمجموعة من الدول التي تنتمي ثقافيا وآيديولوجيا إلى نفس المنظومة الفكرية والمصلحية.

ثانيا: إهمال الدبلوماسية المغربية لمنحى اللعب على التوازنات الدولية، وعدم الانفتاح على منظومات أخرى مختلفة وذات ثقل دولي، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي.

ثالثا: عدم انتهاج الدولة المغربية وتشجيعها لسياسة الدبلوماسية الموازية، والمتمثلة في المجتمع المدني في أبعاده الثقافية والحقوقية والرياضية.

بناء على هذا التفكيك للسلوك الدبلوماسي المغربي، وبغض النظر عن الظروف والملابسات المتحكمة في بنية العقل الدبلوماسي المغربي، وحتى تكون أكثر فاعلية وركيزة قوية في الدفاع وحماية المصالح العليا للدولة المغربية، لا بد من خلق حركية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الدينامكية التي تعرفها العلاقات الدولية والتحولات الجذرية لموازين القوى في العالم، التي تتسم بصعود قوى جديدة على المسرح الدولي لتنافس القوى التقليدية وتساهم في تحول النظام الدولي من نظام أحادي القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب، حيث بات من اللازم الارتكاز على سياسة الانفتاح على هذه القوى خصوصا دول ‘البريكس’ ودول أمريكا اللاتينية، إضافة للدول الأفريقية وعدم وضع كل البيض المغربي في السلة الفرنسية أو الأمريكية.

وبالتالي فإنه من الضروري خلق مراكز أبحاث إستراتيجية وطنية ورصينة وخلق آلية تنسيق وتعاون بينها وبين الجهاز الديبلوماسي والسياسة الخارجية المغربية.

من جهة أخرى لا مناص من تشجيع ‘الدبلوماسية الموازية’ والاستعانة بالمجتمع المدني في هذا المجال، الذي يمتلك مداخل وإمكانات وآليات مهمة لا تتوفر للديبلوماسية الرسمية، التي بمقدورها إسداء خدمات جليلة للمصالح الوطنية عموما وللقضية الوطنية على وجه الخصوص.

وفي هذا الإطار فإن الاهتمام بالقنوات الشعبية والمدنية المتنوعة المشارب والاهتمامات، وتشجيع الجمعيات والفعاليات المغربية المقيمة بالخارج يعد مدخلا أساسيا، لخلق مثل هده الفعالية في الدبلوماسية المغربية.


‘ باحث مغربي في العلاقات الدولية


سرار الموقف الأمريكي الجديد من نزاع الصحراء: محاولة للفهم.




Filed under: أقلام التغيير, الجزائر Tagged: الجزائر

No comments:

Post a Comment