Thursday 1 November 2012

الثورة المستحيلة | ‫#موريتانيا أخبار

بعد استنفاد كافة الوسائل المتاحة لها لتغيير النظام عن طريق الثورة، أو على الأقل زعزعته ليتفكك بسبب المشاكل التي تواجهه، تجد أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية اليوم نفسها في مفترق طرق، وبدون أي آفاق للتحرك، كما تبدو مستعدة للعمل مع الشيطان للإضرار بالنظام الذي أصبح بالنسبة لها اليوم عدوا يجب القضاء عليه، عدوا يتمثل في محمد ولد عبد العزيز.

ولهذا فهم في الآونة الأخيرة لا يتوانون في أوج أزمة مالي حيث العالم أجمع يبحث عن حل، ولو عسكري لطرد الجماعات الإرهابية عن وصف موريتانيا بكل الأوصاف وتحميلها مسؤولية ما يجري هناك. لا تقولوا لي بأن كل شيء جائز في الحرب بين المعارضة والنظام، فالحقد ضد شخص الرئيس يجب ألا يقود إلى تمني كل الأسواء للبلاد، ولا إلى تحريف الوقائع التي ما تزال قريبة، ولا إلى محاولة مغالطة الرأي العام بحجج واهية، فهذا لا يؤدي إلا إلى مزيد من عزلة المعارضة وعدم قدرتها على خلق الحدث، ويبدو أن منظريها يستلهمون البروباغندا النازية التي نظر لها غوبلز القائل: “اكذبوا اكذبوا سيبقى دائما شيء”، ففي الواقع منسقية المعارضة تحت رحمة أشخاص فقدوا امتيازات كانوا يحصلون عليها خلال فترة الحكم الكارثي لسيد ولد الشيخ عبد الله وما كان عزيز ليقبلها حيث كانوا المستشارين الاستيراتيجيين والخاصين للرئيس في تلك الفترة التي كادت تشهد اضمحلال موريتانيا كبلد، ومن بين هؤلاء الأشخاص الذين يعرفهم الجميع متخصصون في المؤامرات السياسية، وقد أثبتوا خلال جميع الأنظمة من 1960 إلى اليوم مساندتهم لها شرط أن يتمتعوا بامتيازاتهم، كما أنها تضم كذلك أحزابا مثل تواصل شاركت في حكم سيد ولد الشيخ عبد الله الذي تسللت إليه من النافذة، ونفس الشيء بالنسبة لاتحاد قوى التقدم اللذين انضما إلى الحكومة عبر خيانة شريكهما تكتل القوى الديمقراطية (وهذه ليست أول مرة يخون فيها شريك سياسي هذا الحزب)، وكانت هذه هي أول مشاركة لهم في حكومة غير مستحقة، لا من خلال الوزن ولا من خلال التحالفات السياسية ولا يزالون حتى اليوم يصمون آذاننا بامتداح ذلك النظام “المنتخب ديمقراطيا لأول مرة” متناسين بوقاحة كيف أن المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية هو الذي جاء به عن طريق الحرس الرئاسي إلى سدة الحكم، ولكن بما أن هذه كانت أول مشاركة لهم في الحكومة فإننا نتفهم لماذا وقع لهم ما وقع للأعمى الذي فتح عينيه مرة واحدة في حياته على فأر ثم رجع أعمى فصار لا يسأل عن شيء إلا قال: أين هو عن الفأر؟ هل هو أكبر من الفأر؟ هل هو أصغر من الفأر؟ هل هو أقوى من الفأر؟…إلخ.


وهناك أيضا موظفون مردوا على فساد مختلف الأنظمة، وبالنسبة لهم نظام عزيز نظام مانع من الفساد ولا فائدة ترجى من ورائه، ويجب بالتالي دعم كل من يهدف إلى القضاء عليه، خاصة أنه لا يحتاج إلى خدماتهم في مجال نهب الثروات العمومية.


وأخيرا هناك المترشحون الأبديون (للرئاسيات وغيرها) وهم ينقمون على هذا الضابط الشاب الذي استطاع أن يتغلب عليهم مجتمعين دون أن يفطنوا، وقد كانت مفاجأتهم كبيرة لأن أيا منهم لم يقدر هذا الرجل حق قدره، لقد كانوا يرون فيه حارسا جيدا للمكان، أو صانعا للملوك أو خادما طيعا للأنظمة لكنهم لم يروا فيه أبدا رئيسا. أما هو فقد استطاع أن يخوض حملة شعبية ناجحة، وقد وجد إقبالا منقطع النظير من قبل الجماهير المحرومة مما مكنه من الفوز في الانتخابات في الشوط الأول خلافا لكل التوقعات.


وقد صمم كل هؤلاء على “رحيل عزيز”، ولم يدخروا أي جهد بما في ذلك الشتائم والأساليب التي لا تليق بزعيم في مستواهم شكلا ومضمونا، وكل هذا لم يزد عزيز إلا قوة.


ولا يمكننا إلا أن نتوقف عند بعض عبارات الشخصيات السياسية ليس من أجل مجادلتها، لكن من أجل تقديم النصح لها، لكي تكون أكثر حكمة في المستقبل:


- جميل ولد منصور الذي حاول مؤخرا أن يظهر للجمهور (عبر التلفزيون) أن هناك تيارا شغله النهب والمتاجرة بالنفوذ، رافضا تقديم أسماء لكنه ترك الانطباع بأنهم أشخاص معروفون، فإذا كان هذا صحيحا فقد فشل في مهمته كممثل للشعب حيث لم يكشف هؤلاء الأشخاص الخطرين، وإذا كان غير صحيح فهذا مجرد “أساغه” سبقه الكثير من “آسواغه”.


- السالك ولد سيدي محمود نائب عن حزب تواصل الذي سمح لنفسه بذكر اسم بابه ود أحمد يوره في البرلمان في جلسة علنية، والقول بدون الاستناد إلى أي دليل بأن هذا المواطن المحترم الذي هو أب مرتنة أطر اسنيم وأحد أفضل المهندسين المعدنيين في البلاد بأنه يحصل على راتب قدره 50 ألف دولار من تازيازت بدون أي برهان، فهو إذن “أساغه” إضافي مع أنه ليس بجريمة أن يستلم شخص راتبا مقابل عمل يؤديه حتى ولو بعد التقاعد، خاصة من لدن مؤسسة خارجية، لكن بابه الذي يقضي بصعوبة فترة تقاعده لم يسلم من نيران السياسيين الجانبية.


- أحمد ولد سيدي بابه الذي أحترمه لأسباب وجيهة خرج مؤخرا (حسب وسائل الإعلام) معلقا على برنامج “لقاء الشعب” في أطار بأن عبارات الرئيس تنم عن الجهل وأن الاقتصاد موجه فقط إلى مقربين من محيط الرئيس. وأقول له ببساطة إن المعرفة والثقافة يجب أن يرافقهما التواضع واحترام الآخر، إذ يقول رابيلي: “المعرفة دون ضمير ليست سوى أداة لهدم الذات”. وبالنسبة للاقتصاد أنصحه بتجنب هذا النوع من الجدال فكما يقول المثل العربي: “الذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة”. فالمحيط المقرب من الرئيس الذي استفاد معروف، ولا نزال نتذكر الماضي جيدا.


- أحمد ولد داداه الذي أكن له تقديرا كبيرا لنضاله وشجاعته قال في المهرجان المشهور للمعارضة 2011 بأن الأسعار “تحت التأثير المتنامي للمحيط المقرب من الرئيس عرفت ارتفاعا جنونيا حيث أن استيراد المواد الأساسية أصبح مقصورا على ثلة من مقربي الرئيس، ومع الأسف فإن أحمد لم يفعل سوى تكرار خطاب فئوي كثيرا ما يسمع في أروقة التكتل، خطاب غير مؤسس، وبالنسبة لاقتصادي وزعيم سياسي فإن هذا خطأ جسيم.


- لقد أطلقت القذائف الأولى من هذا النوع وفق هذه الاستيراتيجية من قبل حزب اتحاد قوى التقدم من خلال النائبة البرلمانية الموقرة كادياتا مالك جالو إبان حديثها عن برنامج التضامن 2011 ذاكرة مجموعة أهل غدة وواصفة لهم بكل ما يخطر لها على بال ومحملة إياهم – مع أنهم لم يكونوا وحدهم في هذا البرنامج – مسؤولية رداءة المواد الاستهلاكية فيه، وقد اتضح الحق للجميع عندما تقاسمت سونمكس ومفوضية الأمن الغذائي المواد الأولية في برنامج أمل 2012 فأين هم إذن أهل غده؟


ويجب التذكير بأن الأرز الذي اشتري وبيع في هذه الدكاكين هو أرز المزارعين الموريتانيين المدعوم لصالح الفقراء، والنائبة الموقرة كادياتا لم تفعل سوى تكرار النائب المصطفى ولد بدر الدين المعروف بجدله وكدحته، والذي يصمت فقط عندما يغازل حزبه النظام.


- ومؤخرا قام موسى افال أحد قادة منسقية المعارضة المعروف بتكتمه الأسطوري -غير أنه ترك تحفظه منذ فترة – بعدما وصف حالة البلاد بالقاتمة، قام بالتشكيك في الأرقام التي أعلن عنها الرئيس والمصدقة من قبل المؤسسات النقدية الدولية معلنا امتعاضه من استعادة بعض رموز الفساد لمكانتهم في ظل عزيز.


وأنا أتفهم هؤلاء الأشخاص الذين تعودوا على الامتيازات من قبل الأنظمة السابقة مقابل “خدماتهم الذكية” السياسية والاقتصادية وغيرها، ولكن دائما في مجال المؤامرات، لقد طال على هؤلاء السير في الصحراء وأخشى أن يطول أكثر.


- أخيرا هناك طريق لمنح الصفقات العمومية لدى بعض أشخاص منسقية المعارضة، وكثيرا ما نسمع هذه المسألة بصيغ مختلفة: فهي تظن أنها ما زالت كعكة تتقاسم كما كانت في السابق، وهؤلاء الأشخاص لا يتابعون الأخبار حيث إن لجان الصفقات العمومية أصبحت قطاعية وعددها ثمانية، ولها سلطة تنظيم، وفتح المناقصات أصبح علنيا، وتقييم مسطرة منح الصفقات أصبح ينشر، والطعن فيها بات ممكنا، لكن كما يقال: “لا تري السماء من لم يرها”. وأحيانا نسمع أن “رجال أعمال المعارضة” ممنوعون من الصفقات العمومية، بينما الذين في المعارضة – خاصة الأساسية منها – والذين ساندوا أحمد ولد داداه خلال الانتخابات الأخيرة قد انضموا عن بكرة أبيهم إلى النظام ويسوءهم هذا الوصف، وفي ما عدا استثنائين بارزين (حابه ولد محمد فال وبمب ولد سيدي بادي) لم يعارض رجال الأعمال في موريتانيا النظام قط.


وأكتفي هذه المرة بهذه الأمثلة تاركا الأشخاص ذوي التصريحات الأقل أخلاقية سياسيا إذ كل يعرف أن التصريحات تلزم قائليها وأن الحرية الحالية (غير المحدودة) لا تبرر المحاولة اليائسة للإضرار بالنظام عن طريق مهاجمة أشخاص لا ذنب لهم سوى الانتماء للمجموعة القبلية للرئيس. فالصحافة المكتوبة والالكترونية الدائرة في فلك تواصل لعبت دور الموصل لكل دعاية هادفة إلى صب الزيت على النار دون ذكر عدة هامات مستعدة للعب دور المغرر بهم أو الغاضبين لأنه لم تسند إليهم أي مهام أو لأسباب قبلية محضة.


لقد سمحت لنفسي بمعالجة هذا الموضوع بدون أي تردد ولا خشية من الاتهام بدعم طرف لأني متعود على قول ما أعتقد، لاسيما بعد أن تم تجاوز الحدود وأصبحت الأخلاق شبه معدومة.


إن سلوك الرجل شديد التغيير، والطبيعة ترفض الفراغ، ويمكنني أن أقول إنه وبالنظر إلى الوضعية السياسية والاقتصادية الإيجابية والأمطار الغزيرة التي تهاطلت هذه السنة بحمد الله فإن استحالة ثورة على النمط المصري أو حتى التونسي فإنني أرجو أن يراجع إخواننا في منسقية المعارضة الديمقراطية نسختهم ويعودوا إلى مشاعر أفضل، وسيكون أكثر حكمة ومنطقية أن يقوموا بترحيل النظام بواسطة الإعداد الجيد للانتخابات المقبلة، فاللجنة المستقلة للانتخابات تعمل، وكل القوى السياسية يجب أن ترافقها ، فاستباق الأمور لا يؤدي إلى شيء، وعلينا أن نحضر للانتخابات في نظام وطمأنينة بعيدا عن أي مزايدة.


إن شعار “ارحل” قد مضى زمنه فعزيز انتخب لخمس سنوات، وبقي منها أقل من سنتين، وإذا كان كل شيء على ما يرام فإن الانتخابات الرئاسية إن شاء الله ستتم في 2014 فعلى المعارضة أن تتحد لهزيمته (أو هزيمة مرشح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إذا كان عزيز غير مترشح) إذا كانت تستطيع!


ومن أجل بلوغ هذا الهدف يجب أن تبدأ الآن العمل وتهيئة برنامجها الحكومي الذي يأخذ في الحسبان كافة التحديات الآنية والمستقبلية التي يواجهها بلدنا، وسيربحون المصداقية ويدفعون ناخبيهم إلى نسيان خطابات الأشهر الماضية.


وعلى الجامعة والمعهد العالي أن يبقيا مواطن رفيعة لتعليم وتكوين أطر المستقبل، ويتخليا عما عرفاه من تحريك خلال السنوات الماضية من قبل حزب تواصل لكي يجعل منها رأس حربة الرفض، فهذا يمكنه أن يعكر صفو الدراسة ويهدد مستقبل الطلاب لكنه لا يحقق الثورة. علينا أن نتفادى تسييس المدرسة فهذا لم يعد موضة.


كما أن بعض النقابات التابعة لهذا الحزب وحزب اتحاد قوى التقدم أرادوا من خلال الاضرابات المتواصلة وغير الشرعية أحيانا أن يمزقوا النسيج المعدني في الشمال ويدفعوا الشرائك الأجنبية إلى الهروب، وكل هذا من أجل ثورة مستحيلة.


وأخيرا أعتذر شخصيا إذا كنت لسبب أو لآخر تعرضت لشأن حساس بالنسبة لأي شخص أو أي مجموعة في هذا المقال، فإنما قلت على ما أعتقد ما صمت عنه آخرون، وصمت أنا عنه حياء فترة طويلة.


لقد حان الوقت ليدرك ساستنا أن هناك رأيا عاما يستحق أن يؤخذ في الحسبان من قبل أولئك الذين يطمحون إلى الحكم أو المشاركة في تسيير البلاد، ويتوقفوا عن الدوران في حلقة مفرغة، والكلام في الفراغ!




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment