Thursday 29 November 2012

موريتانيا على أبواب الربيع العربي

وخرج من رحم الصحراء والمعاناة دولة اسمها الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي حصلت على استقلالها تحت خيمة في سهل نواكشوط على شاطئ الأطلسي، ولم تكن البلاد تضم أي بنية تحتية وقتها، بل كانت مجموعة من البدو الرحل في صحراء مترامية الأطراف.


ويأتي إحياء هذه الذكرى في وقت تشهد فيه موريتانيا حالة من الترقب والجدل بعد عودة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد رحلة علاج في فرنسا إثر إصابته بطلقات نارية .


مطالبات بالرحيل


ويبدو أن ذكرى الاستقلال هذا العام سيكون لها طابع خاص بعد أن باتت موريتانيا على أبواب الربيع العربي ، حيث تزامناً مع هذه الذكرى تظاهر العشرات من أنصار المعارضة الموريتانية أمس الثلاثاء، مطالبين برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن السلطة.


وردد المتظاهرون الذين تجمعوا أمام وزارة الداخلية بالعاصمة نواكشوط، شعارات مناوئة للنظام الحالي وتتهمه بـ”الاستبداد و الفساد”، كما رددوا شعارات مناهضة لبعض كبار ضباط المؤسسة العسكرية لتدخلهم في الحياة السياسية.


وطوقت وحدات من الشرطة الموريتانية التظاهرة دون أن تتعرض لها بأذى.


وتقول المعارضة الموريتانية إن الرئيس لم يعد قادرا على إدارة البلاد بعد إصابته بطلق ناري الشهر الماضي، كما تطالب بإطلاق حوار سياسي موسع يؤسس لمرحلة سياسية جديدة لا يكون الرئيس الحالي جزءا منها.


وعاد الرئيس الموريتاني إلى البلاد مساء السبت الماضي، بعد رحلة علاجية استغرقت أكثر من شهر بمستشفى عسكري في باريس.


كان ولد عبد العزيز تعرّض في الثالث عشر من تشرين أول الماضي لحادث إطلاق نار أصيب خلاله وأجريت له جراحة ناجحة في نواكشوط ومن ثم نقل إلى مستشفى “برسي” العسكري الفرنسي للعلاج. وكشف صالح ولد حنن، الرئيس الدوري لتنسيقية أحزاب المعارضة الموريتانية في مؤتمر للمعارضة في وقت سابق أن الرئيس الموريتاني “سيبقى تحت الرعاية الطبية لفترة لا تقل عن 4 أشهر”، مطالبًا خلال مسيرة للمعارضة بالكشف عن الملف الصحي للرئيس. وأضاف ولد حنن أن الرئيس “لن يكون بمقدوره القيام بمهامه في الفترة المقبلة”.


لن أرحل


من جانبه أكد الرئيس الموريتاني أنه لن يستجيب لمطالبة منسقية المعارضة إياه بالرحيل، معتبرا أن هذه الدعوات غير مجدية، وشدد على أن أوضاع البلاد آخذة في التحسن منذ وصوله إلى السلطة.


ودعا الرئيس الموريتاني بعد عودته من رحلة علاجية في فرنسا- معارضيه إلى “التعقل ووضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار”. وقال إن الانتخابات وصناديق الاقتراع هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة في موريتانيا. وأضاف أن المعارضة مطالبة بلعب دورها حسب الأعراف الديمقراطية كمعارضة “مسؤولة”.


وصاحب غياب الرئيس الموريتاني جدل تعلق بالتساؤلات التي أثارتها المعارضة بشأن من يدير دفة البلاد في غياب الشخصية الأولى دستوريا في هرم الدولة الموريتانية.


تشاور باستثناء الرئيس


وفي هذا الاطار دعت منسقية المعارضة الديمقراطية إلى “تشاور موسع يخرج البلاد من حالة التخبط التي تعيش فيها جراء سياسات الرئيس ولد عبد العزيز”.


وقال الرئيس الدوري للمنسقية صالح ولد حننا -في مؤتمر صحفي بنواكشوط- إن هذا التشاور “يجب أن يستثني الرئيس ولد عبد العزيز، لأنه هو من أجهز على مساعي الحوار التي كانت على وشك النضج خلال الأيام الماضية بين المنسقية وبقية أطراف العملية السياسية”.


وكانت المنسقية قد أكدت وجود فراغ دستوري وسياسي في السلطة إثر إصابة الرئيس، ودعت إلى مرحلة انتقالية توافقية، وعرضت التشاور مع جميع الأطراف السياسية للخروج بتصور يفضي إلى المرحلة الانتقالية المنشودة، حسب قولها.


ولكن ولد عبد العزيز نفى -خلال تصريحات له في الأيام الماضية- وجود أي فراغ في السلطة، وقال إنه كان يدير البلاد بنفسه خلال فترة علاجه، وأكد أن الإصابة التي تعرض لها كانت في “الأجهزة المنظفة للبدن (الأمعاء) ولم تصب الأجهزة الحيوية”.


مقاومة القبائل


ونعود مرة أخرى إلى التطرق إلى ذكرى الاستقلال ، حيث بدأ دخول الفرنسيين موريتانيا سنة 1902 كقوة استعمارية، وقد واجهوا مقاومة شديدة من القبائل الموريتانية كافة، وخاضوا معهم الكثير من المعارك، منها رأس الفيل التي قتل فيها أمير تكانت ومنها معركة تجكجة، التى تمكن فيها سيدى ولد مولاى الزين من قتل قائد الحملة الفرنسية.


واستمر الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسى، حتى حصلت فى عام 1956 على الحكم الذاتى الداخلي، وأصبحت “نواكشوط” عاصمة للبلاد فى السنة التالية.


وفى 1958 تم إعلان الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وإنشاء الجيش الموريتاني، واختير المختار ولد دادة رئيسا للوزراء، ثم اكتمل استقلال البلاد فى مثل هذا اليوم من عام 1960، وأصبح المختار ولد دادة أول رئيس لها.


وتعرضت موريتانيا لهزات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة جراء الأحداث العرقية (سنوات ،1966 ،1989 ،1990 1991)، وحرب الصحراء (1976-1978)، ثم مسلسل الانقلابات العسكرية البيضاء والحمراء الذي وصل إلى 14 انقلاباً ومحاولة انقلابية ما بين (10 يوليو/ تموز 1978 و6 أغسطس/ آب 2008) . حصيلة ذلك 9 رؤساء بينهم مدنيان فقط .


التعددية الحزبية


ومنذ عام 1992 دخلت موريتانيا مجال التعددية الحزبية، وشهدت معارك سياسية وانتخابية شرسة، انتهت إلى ما يسميه بعض الموريتانيين “تجربة ديمقراطية نموذجية” ويسميه البعض الآخر “ديكتاتورية مقنعة”، أو “أجمل كذبة” بتعبير مثقفين موريتانيين .


وخلاصة القول في هذا المجال إن الموريتانيين بأحزابهم البالغة 75 حزباً سياسياً، وصحفهم (650 عنواناً)، ونقاباتهم العمالية (9 نقابات)، ومنظماتهم المدنية (4 آلاف منظمة غير حكومية)، وبعد 52 سنة من الاستقلال، تصحو موريتانيا على تحديات كبيرة وبالغة الخطورة على استقرارها ومستقبلها . ومن أبرز هذه التحديات:


مشكلة الهوية: لقد حسمت هوية الدولة دستورياً “كدولة عربية إفريقية إسلامية”، في دستور العشرين من يوليو/ تموز 1991 ولكن وبالرغم من الإرث العربي المعروف لموريتانيا ، والدين الإسلامي الذي يوحد جميع مكونات الشعب الموريتاني، فإن السجال حول الهوية ظل مستمراً للعقود الخمسة الماضية ووصل إلى حد الدموية عدة مرات كان آخرها السنة الحالية (أحداث جامعة نواكشوط 15 إبريل / نيسان 2010) .


فالأقلية الإفريقية (5 .16%) ترفض تعريب التعليم والإدارة وتعتبره تذويبا لهويتها الإفريقية، وهي مدعومة في هذا الملف من الفرانكفونيين العرب الأكثر خطورة وكذلك المستعمر الحاضر دائماً فرنسا .


وقد بدأ قوميو الأقلية الإفريقية رفع مطلبهم إلى شطب اللغة العربية من صفتها لغة رسمية للبلاد، وتوزيع الثروات والمناصب على أساس عرقي، ومنح حكم ذاتي للأفارقة، وكذلك إعادة تأسيس الجيش على أساس عرقي، كما طالبوا بتغيير اسم الدولة ونشيدها وعلمها .


وقد اضطر نظام الرئيس عزيز إلى الإعلان صراحة عن عجز الحكومة لوحدها عن تسوية ملف التعليم معلناً عن مشاورات وطنية لهذا الملف . خاصة وأن الفرانكفونيين وفرنسا يقدمون اللغة الفرنسية كـ “لغة توحيد وتواصل بين أعراق الموريتانيين”، وهو ما يرفضه القوميون العرب الذين يرون في ذلك مسخاً لهوية وتاريخ البلاد، وخضوعاً لأبشع أنواع الاستعمار الجديد .


ويرى متابعون للميدان أن حل مشكل التعليم، الذي هو حسم لهوية البلد، أحد أخطر الملفات التي تواجه البلاد حاليا .


مشكل الحراطين: عانت هذه الشريحة العربية المكونة بنسبة كبيرة من الأرقاء السابقين من غبن واضح في جميع محطات تاريخ الدولة، وعانت من ويلات الاسترقاق تاريخياً فيما تعاني حالياً من التهميش .


وقد فشلت جميع الحلول التي وضعت لمعالجة مشكل مخلفات الاسترقاق، إلا أن الجديد هو بروز تيارات سياسية من هذه الشريحة تدعو لفصلها عن العروبة وتصنيفها كقومية مستقلة ذات جذور إفريقية . وتؤكد تقارير ذات مصداقية عالية أن إسرائيل ودول ومنظمات غربية ودول الجوار الإفريقي (السنغال، مالي) ودول أخرى في القارة (بوركينافاسو)، ضالعة في هذا الملف الخطير .


مشكلة التنمية: منذ استقلالها وقعت موريتانيا بين سندان الجفاف ومطرقة الفساد، وكانت النتيجة كارثية، فموريتانيا التي لا يتجاوز عدد سكانها 3 .3 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها أكثر من مليون كيلومتر مربع (ثالث أكبر دولة عربية مساحة)، وتتمتع بثروات طبيعية هائلة، تصل فيها اليوم نسبة الفقر إلى 76% ونسبة الأمية إلى 60%، ويعيش أكثر من نصف سكانها في مدن وقرى الصفيح، فيما لا تغطي القطاعات الخدمية سوى 15% من احتياجات السكان وكل ذلك وسط غياب شبه تام للبنية التحتية .


المشكلة الأمنية: منذ أكثر من خمس سنوات وقعت موريتانيا (الجارة بحرياً لأوروبا) في مثلث الإرهاب والهجرة السرية وشبكات تهريب المخدرات، ومن شبه المؤكد أن معالجة هذا التحدي تتطلب وقتاً طويلاً وإمكانيات كبيرة، خاصة في ظل تناقض رؤية دول الجوار للاستراتيجية التي يجب اتباعها إزاء هذا الملف، والتعامل بحذر مع ارتباطاته الإقليمية والدولية جراء تنامي تنظيم القاعدة في منطقة الساحل .


وفاء بسيوني/محيط


يحيي الشعب الموريتاني اليوم الموافق 28 نوفمبر/ تشرين الثاني ، ذكرى على الاستقلال ، وسط حالة من التوتر ، فقبل 52 عاما قامت موريتانيا بطرد المستعمر الفرنسي الذي احتل البلاد لمدة 55 عاماً، تعرض خلالها لمقاومة عسكرية حتى سنة 1934 لكن الفرنسيين جوبهوا بمقاومة ثقافية غير مسبوقة جعلتهم يعيشون هم وأعوانهم من خلالها في شبه عزلة تامة عن المجتمع .


أقــــلام حرة.




Filed under: موريتانيا, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, أقلام التغيير

No comments:

Post a Comment