Monday 18 June 2012

خاطرة على هامش ندوة ” الوطن العربي إلى أين ؟ “..





يشهد العالم المعيش أحداثا عاصفة و تأزمات متلاحقة هي أشبه ما تكون بحالة الطوارئ الكونية ..و ربما لأن ” الأرض بتتكلم عربي”( على رأي الشيخ إمام ).. فإن حالة الطوارئ المشار إليها أعنف ما تكون دماءا و دموعا في الساحة العربية دولا و أنظمة ..!!


و لذلك لا غرو أن تكون الأسئلة الإشكالية المتداولة على مستوى النخب الفكرية و الثقافية هي ” مآلات و تداعيات ما يحصل عالميا في تجلياته العربية”.. و بافتراض أن هناك ” تغييرا ” أو ” حراكا ” أو ” ربيعا ” أو ” صيفا” باختلاف زوايا الرؤية التي ينظر منها الناظر لتوصيف ما جري و يجري .. فإن التساؤل ، و ليس السؤال ، هو عن طبيعة الحدث و تبعاته هل هي استجابة لتعطل مسارات الداخل أو نتيجة حتمية لسطوة أجندات الخارج ، كما يومئ إلى ذلك العنوان الفرعي للندوة ؟ إن التأمل في ذلك يوجه البوصلة إلى أن الخيار المطروح ” حدّيُ” و بالتالي قد لا يتيح الفرصة لمناورات كبيرة .. فإما أن يعي العرب ضرورة تحمل مسؤولية مواجهة المشكلات المعقدة المتراكمة مع الزمن بالدرس و التشخيص و التعقل و التدبير ، و ذلك على سبيل ” إصلاح ” متفق عليه مجتمعيا بين مختلف القوى و التيارات الفكرية و السياسية . و إلا فإن الخيار الآخر – ربما – هو الاستمرار في إهدار مزيد الفرص ، و بالتالي إعادة إنتاج المآزق على نحو أكثر خطورة و تعقيدا ، ليظلوا بذلك مجرد ردة فعل هامشية تتسم بغياب التأثير و الضآلة !


إن المطبات الواجب التعامل معها في هذا الشأن هي طريقة التفكير في التعامل مع الأوضاع المتأزمة عربيا ، فمن خلال التجربة ، ظهر أن المنهج السائد هو تبسيط الأمور و القضايا المعقدة لتزداد تعقيدا ، أو نفي الواقع ، أو طمس الحقائق القائمة ، أو التستر على الأخطاء الفادحة ، أو الإفراط في التعميم و التهويل دون الحاجة الموضوعية لذلك ، أو استنكار الأفعال الذميمة أو المسلكيات المشينة رغم أنها حاصل بنات أفكار بعضنا . أو الاعتقاد بالشروط القَبْلِية ( المسبقة ) للتغيير او التطوير و التحديث ، رغم أن هذا اتجاه نحو الماضي ، الذي لا و لن يعود ، بينما كان الأسلم هو النظر إلى إمكانية تغيير شروط التقدم للأمام ، لأن هذا هو الضامن أن التفكير متجه إلى صناعة المستقبل و بناء الحاضر ( و تجربة تنمية نمور شرقي آسيا ، تحمل دلالة على أن التغيير على الصعيد التنموي الناجح قد لا يتم وفقا لشروط و اشتراطات مسبقة بقدر ما يكون خرقا للنماذج السائدة أيا كان مصدرها !).


إن ما يجري في الساحة العربية من أحداث ، هو نتيجة تفاعل المسارين الداخلي و الخارجي ، فالحال أن الأوضاع الداخلية قد تعطلت بفعل الاستبداد و الاحتكار و القهر و الظلم من الفئات و المجموعات الحاكمة بدون سند أو شرعية إلا القوة أو العمالة للآخر الأقوى ، كما أن للعامل الخارجي دورا مركزيا في تجذير سلبيات الاحتلال و التبعية و الاستغلال .. فتحالفت العوامل الداخلية مع نظيرتها الخارجية لتنتج ما يجري من أحداث كائنة ما كانت أسماؤها أو مسمياتها .. لقد دخلت الأمة العربية القرن العشرين ، باعتبارها جزء من تركة الاستعمار العثماني ” الرجل المريض” و قطعت ” سايكس – بيكو ” أوصالها كأجزاء مستعمرة من القوى الاجنبية الطامحة في ذلك الوقت ( بريطانيا ، فرنسا ،.. الخ ) ،و ما يعنيه ذلك من هدر و استغلال للموارد و الإمكانيات و العدوان على الشعب العربي إهانة و إذلالا ..ورغم أن حركة التحرر العربي انتصرت في منتصف القرن العشرين و نصرت غيرها ليتحرر من دنس الاستعمار ، إلا أن استمرار التجزئة و تخاذل بعض الأنظمة و عدم إيمانها بوحدة الأمة ضيع فرصة تاريخية لتوحيد الوطن العربي من جديد كما كان قبل الاستعمار و سيطرة بعض الأسر و العوائل المتحالفة معه ، فتم التواطؤ على استمرار غرز الخنجر في القلب من الأمة في فلسطين و التمكين له عقودا و عقودا و عقودا …و هاهي الأمة ، من جديد ، في الألفية الجديدة ، وهي محل دائرة الصراع من جديد ، يعاد فيها و عليها تقاسم النفوذ بين القوى الاستكبارية العالمية ، ولم تعد سايكس – بيكو” القديمة” تفي بالغرض ، بل بات العمل و الخطط مرتبة لإعادة تقاسم الثروات و الموارد العربية ، حتى ولو كان ثمن ذلك تقسيم المقسم و تجزئة المجزء ( تقسّم السودان فعليا إلى شمال و جنوب ، و العراق نهبت و تنهب ثرواته و يقتل أبناؤه طائفيا و مذهبيا كتمهيد لتقسيمه على ثلاث ، ، الخ ) و هذه نماذج استقرت و يخطط لتعميمها ، و من أجل تسهيل تمرير تلك الخيارات و المشاهد يتم نبش تاريخ الجماعات و المجموعات الإثنية و العرقية التي تعربت ثقافة و حضارة و تاريخا منذ أربعة عشر قرنا ، من أجل بعث انتماءات بديلة تكون مبررا للتشظي و المطالبة بدويلات قزمية ميكروسكوبية ، بحجة مطالب الشعوب و حقوقها الثقافية و الهوياتية !..


و بالجملة ، فإن الأزمة في الوطن العربي ، مركبة ، و متعددة الأبعاد ، و ليس هناك ” إجماع ” حيالها .. و لا يوجد إطار أو مرجعية يرجع إليها ، فالجامعة العربية التي تأسست أول مرة بإرادة استعمارية بريطانية في أربعينيات القرن الماضي ، اتضح هدفها الأوحد و استحالت بدل ” جامعة ” إلى ” جائحة ” تجهل الواقع العربي و تمعن في تجاهله ، و هاهي شهدت استعمار فلسطين التاريخية و قضمها من الصهيونية العالمية ، و شهدت جميع التفكيكات و الاخفاقات و المصائب و التراجعات و الاختراقات التي أوتيت الأمة منها ..


وماذا بعد ؟؟


هل يجب أن نستمر في جلد الذات و تأثيم الضمير ؟ .. لا !..


إننا نفعل ذلك في إطار محاولة التوصيف لا أكثر .. أما الحل فهو الاعتراف بالمشكلة أولا ، و إدارة حوار مفتوح و نقاش علمي موضوعي بين العرب أنفسهم بمختلف مكوناتهم الفكرية و السياسية و الثقافية حول الأسباب و النتائج و التشوفات المستقبلية المطلوبة.. و ربما كان هذا اللقاء و هذه الندوة مثالا على ما ينبغي فعله من تأمل و تفكر و تعقل .. و بتزاحم العقول يخرج الصواب أليس كذلك ؟



أقــــلام حرة




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment