نحن شعب ودود جدا، نعرف كيف نضع جانبا ما يحرج، ونتحدث عن المستقبل بلغة جميلة.. ذلك لأننا، من بلد الشعراء، أليس كذلك؟، والشعراء يفضلون الحلم على التسطيح الآني. نحن لسنا مثل هؤلاء الغربيين المرضى بالواقعية والذين يتقدمون وهم ينظرون أمامهم. نحن نسير ناظرين إلى السماء؛ لأننا شعب متحضر، ولأننا نعتقد في أنفسنا وفي السماء.
موجبه: خلال يومين فقط شاركت في لقاءين هامين جدا ومؤثريْن جدا على عقليتنا.. أولهما نظمته شبكة المجتمع المدني المكلفة بالمواطنة (أليس العنوان جميلا ؟) والتي يرأسها صديقي صال آمادو، الأستاذ المتميز لعلم الاجتماع. وفيه تم التحدث إلينا عن المواطن المعاصر، عن مواطن الغد الذي يهتم لمشاكل المدينة، الذي يأخذ على محمل الجد قضايا العصر، الذي يحتضن ويدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي يعرف، في الآن نفسه، كيف يكون مواطنا ينتمي لهذا العالم، على بصيرة من المسائل الإيكولوجية والمشاكل التي يعاني منها عالم واحد ينتمي إليه بشكل كامل.
أليس هذا جميلا؟ إلا أن المشكلة تكمن في أن معظم الموريتانيين لا يقرؤون ولا يكتبون، وإذا ذهب أطفالهم إلى المدرسة لا يجدون مدرسين. إلا أن المشكلة تكمن في أن غالبية الموريتانيين يعيشون في تماس تام مع خط الفقر، ولا يمكنهم –بالتالي- أن يتلقوا هذه النظرية في المواطنة. إلا أن أكثر الموريتانيين يشعرون بأنهم ينتمون لا لأمة ولا لدولة، وإنما لكيان قبلي، وفي أحسن الأحوال لكيان عرقي. إلا أن هناك مقتضيات جمهورية أساسية لا يمكن للموريتانيين فهمها، إذ لا وجود لها في حياتهم: المساواة أمام القانون، المساواة أمام المصالح العامة، والمساواة في الوصول إلى الوظائف العمومية…
ولذا فمن المفرح أن يعرف الموريتانيون كيف يزودون الواقع، وينسون ظروف اليوم ومواطن اليوم، ويدعون إلى ظهور مواطن جديد. أليس هذا جميلا ؟ إنه من الفلسفة العالية !
أما اللقاء الثاني الذي شاركت فيه فقد نظمته الوكالة الموريتانية للأنباء، الرسمية جدا. والوكالة، لمن لا يعرفها، هي ناشر يوميتي الشعب وأوريزون اللتين لا يطالعهما أحد، ولديها وكالة أنباء (5 مشتركين على ما أعتقد). إذن، الوكالة الموريتانية للأنباء تريد وضع أسس لتطوير نفسها مستقبلا، لتطلب من الدولة تعويمها من أجل أن تتمكن من المضي قدما. وكضمان للمستقبل، تقول الوكالة إنها سوف تتغير، وتقسم على ذلك: سوف تتغير حتى ولو بقي فريق تسييرها كما كان، وبقيت أساليب العمل كما هي، وبقي مستوى الصحفيين على ما هو عليه. بل إن الوكالة أعطت برهانا على صدق ما تقول: قبل 5 سنوات وضعت لنفسها خطة إصلاح كلفت 500 مليون أوقية وأسفرت عن وكالة أكثر نواقص وأكثر جمودا وقيودا، وأقل ذكاء من أي وقت مضى. وهي تريد أن نصدقها اليوم: لقد انتهى عصر اللغة الخشبية وحل محلها التميز. قوموا بقراءة اليومتين “الوطنيتين” الصادرتين أمس واليوم، وستفاجؤون. إن مسيري الوكالة -مثل كل الموريتانيين- ينظرون بعيدا، بعيدا جدا لدرجة أنهم لا يولون أي اهتمام لما سيخلفونه وراءهم ولا لما يدور حولهم.
أعتقد أنه يجب تعزيز هذه الصفة غير العادية التي نتمتع بها، والمتمثلة في السفر بعيدا عن الواقع. علينا في المستقبل أن نغمض أعيننا ونرفع أصواتنا بما نريد. فهذا يجب أن يكون كافيا؛ لأنه سوف يثبت أفئدة الجميع. نحن لسنا شعبا يحب الملل. المهم عندنا، كما رأينا، ليس أن نقوم بشيء ولكن أن نحلم به. فذلك أكثر شاعرية. وهذا يتماشى بشكل أفضل مع كياننا؛ فقد سبق أن قلت: نحن شعب ودود جدا.
ترجمة: المشري ولد الرباني
Nourinfo
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment