تتكشف يوما بعد يوم حالة الإفلاس السياسي لأحزاب ما يعرف بمنسقية المعارضة التي بات التناقض الصارخ في المواقف والانهيار غير المسبوق في الطرح والخطاب أبرز سماتها اليوم.
تناقض وانهيار كان من أوضح تجلياتهما محاولة “ثوار موريتانيا” الجدد، إيهام الرأي العام الوطني بنوع من “التجديد” في المناورة اليائسة التي يعتمدونها تحت شعار “الرحيل”، فجاؤوا بمسرحية “منسقية الشباب” (مشعل) ليكتشف الموريتانيون ـ دون عناء ـ حقيقة أن تلك “المنسقية” عبارة عن مجموعة من الشباب المغرر بهم من قبل مكونة واحدة من مكونات “منسقية المعارضة”.. شباب عبأهم قادة “تواصل” وشحنوهم بأفكار هدامة، مستغلين براءتهم وحداثة سنهم ثم رموا بهم إلى الشارع في مواجهة قوات مكافحة الشغب، بهدف جعلهم “ترسا” و “درعا بشريا” يقيهم مسيلات الدموع؛ فيما دفعوا بالطلبة في المعهد العالي وجامعة نواكشوط على المصير ذاته؛ محطمين بذلك آمال مئات العائلات في إكمال دراسة أبنائها، ومدمرين مستقبل هؤلاء من خلال إضاعة سنة دراسية ومعها كل جهود الدولة وهيأة التدريس والطلبة والأهالي، المادية والبشرية والمعنوية، في بناء جيل قادر على ضمان مستقبل موريتانيا وإخراجها من براثين التخلف والجهل التي كبلها بها ـ طيلة عقود من الزمن ـ من يرفعون اليوم شعارات “الثورة” و “الرحيل” و “التغيير”…
وفي أحدث فصول المسرحية، خرج علينا القوم ببدعة “نضال” (منسقية نساء المعارضة) في مغالطة جديدة تستهدف تضليل الرأي العام مرة أخرى، ومحاولة إيجاد قناع من نوع آخر بعد أن سقطت جميع الأقنعة وانكشفت اللعبة تماما.
ومثلما كشفت مسرحية “مشعل” عن مستوى التناقض في الطرح والخطاب لدى قادة ومنظري منسقية المعارضة، جاءت “نضال” تتويجا لمسيرة هذا الفشل والإفلاس السياسي المتسارع، خاصة وأن لجوء “ثوارنا الجدد” من المسنين إلى فئة الشباب تارة، ثم إلى النساء ثانيا، يشكل أبلغ اعتراف بفشلهم وانسداد أي أفق أمامهم للعب على عقول المواطنين ومشاعرهم.
ولعل استباق حزب “تواصل” مسيرة المنسقية بمهرجان خاص به مؤشر حقيقي على الشعور بالفشل، ودليل آخر على تجذر حالة التناقض داخل مكونات المنسقية.. تناقض يتجلى ـ بصورة أوضح ـ من خلال رفع الحزب شعار “بشائر الرحيل”، بينما تعتمد المنسقية (وهو ضمنها) شعار “حاشد”، مما يؤكد دخول المنسقية في مرحلة الإحباط والتشتت والانشطار الحتمي.
وبالعودة إلى موضوع منسقية النساء (نضال)، لا بأس بالتذكير بأن نضال المرأة الموريتانية في مختلف مراحله ظل يقوم على تمكينها من تبوؤ المكانة اللائقة بها إلى جانب أخيها الرجل، خاصة وأنها تشكل أزيد من نصف المجتمع.. كانت وما تزال تناضل في سبيل انتزاع حقوقها كاملة في الولوج لدوائر صنع القرار ومواقع المسؤولية التنفيذية والتشريعية..
ولا مراء في أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز حقق للمرأة أغلب ما كانت تطمح إليه، من خلال منحها مناصب وزارية محورية، منها وزارة سيادية، وفرض لها نسبة تمثيل معتبرة في المجالس التشريعية والبلدية، من خلال اعتماد لائحة وطنية خاصة بالنساء تتكون من 22 مقعدا في الجمعية الوطنية، بما يعزز حصتها الراهنة في المؤسسة التشريعية..
منحها حق الاستفادة من علاوات الضمان الاجتماعي حتى وإن لم تكن موظفة.. وفي عهده أصبحت المرأة تقود الطائرات وتنافس الرجال في أعمال استخراج واستغلال المناجم، وفي ورشات البناء والأشغال العامة.. وجاء نداء رئيس الجمهورية، التاريخي، من مدينة نواذيبو بإطلاق مسيرة النساء “إلى الأمام”، لتؤكد صدقية هذا التوجه الذي لا رجعة فيه؛ تماما كما هو الحال بالنسبة للشباب الذي لم يجد ذاته في أي من الأنظمة المتعاقبة على السلطة في البلاد قبل تولي الرئيس ولد عبد العزيز مقاليد الأمور قبل ثلاث سنوات.. واليوم يحظى الشباب والنساء في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بمستوى متساو من الحضور الفاعل والفعال، وبنفس الاهتمام ضمن البرامج والسياسات التي يقوم عليها برنامج الحزب وخطابه الوطني البناء.
في المقابل لا تجد المرأة لدى قادة “المنسقية” غير الازدراء والتهميش والاستغلال السياسي الظرفي، وفق أجندات رعناء تتغير وفق الأمزجة الشخصية لأصحابها..
ومن المثير للشفقة حقا أن تخاطب برلمانيات المنسقية، تحت يافطة “نضال” المرأة الموريتانية ويطلبن منها أن تنزل للشارع، في حين لم يسمع من إحداهن ـ مرة واحدة ـ أي طرح لمشاكل المرأة وهمومها تحت قبة البرلمان!
من المثير للشفقة أن تطلب نساء “نضال” من الموريتانيات رفع شعار “رحيل النظام” الذي ما زالت إنجازاته للمرأة الموريتانية ماثلة للعيان وبعضها قيد التجسيد، فيما لم يقدم لها “زعماء الثورة” الجدد غير الدعايات والأباطيل والشعارات الجوفاء المفلسة!
لم يبق أمام منسقية المعارضة ـ قبل انهيارها الوشيك ـ غير اللجوء لأطفال الحضانات والرضع، لتشكيل “منسقية” فرعية جديدة، تطلق عليها تسمية “الحبو نحو الرحيل”، لم لا؟
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment