رغم تزايد الانتقادات الموجهة إلى شركات الاتصال في موريتانيا، تارة بسبب رداءة خدماتها وأحيانا بسبب تجنيها على المواطنين من خلال التنصت على مكالماتهم وكشف خصوصياتهم؛ وطورا بسبب التشويش على الخطوط…
إلا أن الهيئة المعنية بتنظيم قطاع الاتصالات ورقابة أنشطة هذه الشركات، أي سلطة التنظيم، لم تحرك ساكنا لوقف تلك التجاوزات المتكررة والخروقات المتعلقة بدفاتر الالتزامات التي وقعت عليها وحصلت بموجبها على رخص استغلال شبكات الهاتف الخلوي والثابت والإنترنت..
بل تبدو هذه السلطة وكأنها شريك لتلك المؤسسات في تجاوزاتها وخروقاتها التي عمت بلواها الوطن والمواطن معا؛ من خلال الصمت المريب والمستمر على تلك الانتهاكات الصارخة لدفاتر الشروط ومواثيق العمل المتعارف عليها في هذا المجال.
شركة “موريتل”، على سبيل المثال، والتي تختلف عن منافستيها، “ماتال” و”شنقيتل”، حيث قامت على أنقاض شركة الاتصالات الحكومية، بفعل نظام الخصخصة وحصلت ـ بالتالي على بنية تحتية متكاملة وعلى طواقم عمالية متمرسة، باتت تشكل تهديدا حقيقيا لأمن البلد ومواطنيه، ومعقلا حقيقيا لاستغلال العمالة الموريتانية أبشع استغلال، وشبكة لنهب ثروات البلد وإفقار مواطنيه..
عمال “موريتل” يطالبون ـ منذ سنوات ـ بمراجعة نظامهم الذي يشوبه الكثير من الظلم والغبن، خاصة فيما يتعلق بالتقدم في السلم الوظيفي والرواتب والعلاوات؛ حيث يتسع الفارق في هذا المجال بين عمال الثابت والنقال، قبل الاندماج..
كما يزيد عدد العمال الوافدين من المغرب على العدد المنصوص عليه، إذ تنص الاتفاقية المنشئة للشركة على أن يكون منصب المدير العام والمدير المالي من نصيب الشريك المغربي، إضافة إلى 10 موظفين آخرين على الأكثر، دون أن يتولوا مسؤوليات، بل كخبراء دعم فقط.. ومع ذلك يوجد اليوم في الشركة 7 رؤساء مصالح فضلا عن رؤساء الأقسام ومواقع المسؤوليات الأخرى..
تتكفل الشركة بالعمال المغاربة (المسكن، الغذاء، السيارات، النقل والوقود)، كما يتقاضون رواتب من الشركة في نواكشوط ورواتب من شركة “اتصالات المغرب” في الرباط، فضلا عن علاوة البعد. ويتوفر المغاربة على سيارات جديدة تم شراؤها من المصنع، بينما منحت لقلة من الموريتانيين سيارات قديمة متهالكة رغم أن بعض هؤلاء يتولون وظائف أهم من زملائهم المغاربة.
الأدهى من كل ذلك أن شركة “موريتل” باتت تدار مباشرة من طرف شركة “اتصالات المغرب”، لدرجة أنا تحولت إلى ما يشبه وكالة تجارية تابعة لهذه الأخيرة، وأصبح المدير العام للشركة الموريتانية يمضي 20 يوما من الشهر (معدل) في المغرب على اعتبار أنه يعمل رسميا في الرباط، بينما يقتصر عمله في نواكشوط على متابعة “وكالة موريتانيا” خلال الأيام العشرة المتبقية.. هذا إلى جانب قيام جميع إدارات “موريتل” بإعداد تقارير أسبوعية مفصلة يتم إرسالها مباشرة إلى الرباط.
وفي ذات السياق تقلص عدد المزودين ورجال الموريتانيين والشركات الموريتانية الذين كانت تتعامل معهم “موريتل”، وحل المغاربة وشركاتهم محل أغلب هؤلاء.. فعلى سبيل المثال، تم تهميش مجموعة “أهل انويكظ” المالكة لبنك موريتانيا الوطني، والذي كان الشريك الأول لـ “موريتل”، وذلك منذ دخول “التجاري بنك” المغربي إلى موريتانيا.. وشمل ذلك الصفقات المحدودة من قبيل طباعة ونشر الوثائق والإعلانات الإشهارية والملصقات الدعائية؛ فتم اعتماد شركة “كازا نت” المغربية التي تحقق رقم أعمال بمليون يورو.
ولضمان تمرير هذه العملية الالتفافية اعتمد الشريك الإستراتيجي على ثالوث من المدراء الموريتانيين، ومكن لهم في المؤسسة مقابل امتيازات خاصة وسلطات واسعة في مجال التعامل مع الموردين وإبرام الصفقات…
وينظر على هؤلاء المدراء، في أوساط العمال الموريتانيين، على أنهم “مافيا” اكبر فساد تعرفه “موريتل”، حيث يتندر هؤلاء بمبالغ خيالية يقدرون بها ثروات المعنيين التي تكدست في فترة قياسية أقرب ما تكون إلى لعبة اليانصيب!
ويستمد هذا الثلاثي قوته من القدرة على مساعدة الطرف المغربي في السيطرة على المستخدمين الموريتانيين ومنعهم من القيام بأي تصعيد مطلبي أو نقابي قد يعكر صفو مزاج الإدارة او يعيق مسيرة نهب جيوب المواطنين وثروة البلد من العملة الصعبة والعملة المحلية على حد سواء..
تم تقليص هيكلة الشركة على ثلاث إدارات فقط، يحتفظ الشريك المغربي بإحداها، مما يقضي على اية فرصة للتقدم الوظيفي للعمال؛ علما بأن الشركات الفرعية المماثلة التابعة لشركة “اتصالات المغرب” في إفريقيا تضم أكثر من ثلاث إدارات والعديد من الأقسام. ويشكو العمال الموريتانيون في “موريتل” من الكثير من المشاكل، من أبرزها انعدام التكوين، تدني الرواتب مقارنة بزملائهم في الشركتين المنافستين، غياب أي مشروع للمساعدة الاجتماعية في ظل وعود عرقوبية بمنحهم قروضا للسكن وبإقامة نظام للمؤونة الداخلية؛ مما جعل النقابة تخطط لصيف ساخن من الاحتجاجات والإضرابات.. كما يشكو العمال من واقع يعتبرونه ظالما جدا، يتمثل في قيام كل موريتاني بعمل يفترض ان يقوم به خمسة أشخاص.. وبدلا من اكتتاب عدد كاف من العمال، تعتمد الشركة سياسة ممنهجة لتقليص عمالها عبر تشجيع التسريح الطوعي ونقص العمالة..
وعلى غرار بعض شركات الاستغلال المنجمي، تنتهج “موريتل” سياسة الاكتتاب عن طريق مقاولات وسيطة، وهو ما جعلها تستخدم عمالا خارج إطار القانون (بلا ضمان اجتماعي، بلا تأمين صحي، بلا ضرائب على الأجور…)؛ ومن ذلك مثلا تعاقدها مع مؤسسة “إنترلينك” التي تتولى تسيير مركز المكالمات..
ومع أن القانون ينص على امتلاك العمال لنسبة 3% من رأس مال الشركة، أي ما يناهز 000 30 سهم، فإنهم لا يملكون في الوقت الحالي غير 2000 سهم بينما اشترت شركة “اتصالات المغرب” باقي أسهمهم.. ولا يوجد غير عامل واحد يمتلك 1000 سهم، فيما لا يملك اغلب العمال سهما واحدا، ولا يستطيع أي منهم شراء سهم..
تتولى تسيير تلك الأسهم جمعية تدعى SOCIPAM ، ويتولى رئيسها إدارة “الموريتانية للاتصالات الدولية” (السيد جاكانا) التي تشرف على كابل الألياف البصرية البحري، في انتهاك صارخ للقانون، إذ يجب أن يكون مدير SOCIPAM موظفا عاملا لدى “موريتل”. ويتقاضى عمال هذه الجمعية رواتب ضخمة إلى جانب رواتبهم في “موريتل”، وهو ما ولد استياء واسعا في أوساط العمال..
من جهة أخرى بدأت الإدارة العامة لشركة “موريتل” مؤخرا في استصدار وثائق الملكية العقارية للمواقع التي توجد بها مختلف مصالحها المركزية والفرعية في نواكشوط وفي الداخل، والتي لا تملك وثائقها العقارية لأنها ملك للدولة الموريتانية ولم تتنازل عنها قط..
وفي هذا السياق أوكلت الشركة مهمة استصدار تلك الوثائق العقارية لسيدة أعمال موريتانية نافذة، يساعدها موظف رفيع في وزارة المالية؛ وذلك مقابل مبلغ مالي مغري جدا..
وطبقا لمصادر في الشركة، فإن هذه العملية تهدف ـ أساسا ـ إلى رفع حصص الشريك الإستراتيجي ومنع إمكانية استعادة موريتانيا لرخصة الاستغلال التي تنتهي مدتها سنة 2015، نظرا لأنه سيكون من شبه المستحيل تعويض تلك الحصة.
تجدر الإشارة إلى أن شركة “موريتل” تتصدر شركات الاتصالات العاملة في موريتانيا من حيث رقم الأعمال، وتملك حصة 65 % من سوق الاتصالات في البلد.
موقع السفير
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment