بعد رحلة تزيد على نصف قرن، هو عمر الدولة الموريتانية، من المنطقي أن نتساءل عن حصيلة الإنجازات وعن حجم ما تحقق على الأرض ونقارن بين حالنا اليوم وآمال الجيل المؤسس، لنتمكن من الحكم الموضوعي على مسيرة لم تكن دائما من صنعنا ولا كانت خطوطها العامة تعبر عن خياراتنا، مسيرة دشنت بتهميش المقاومين وازدراء تاريخهم، وغيبت خلالها هوية المجتمع وبرز عبر محطاتها المختلفة الإصرار علي اجتثاث حضارة الشناقطة من الوجود، بلد كان البناء فيه للمجهول، بفعل تغييب الخيارات الشعبية والأولويات الوطنية.
هكذا كانت المسيرة وهذه هي بعض تجلياتها الماثلة: بلد يناقض دستوره في كل شيء ويؤدي اليمين القانونية فيه حماة هذا الدستور باللغة الفرنسية، ليصبحوا بعد هذا القسم أفضل حراس لهذا الدستور ويكتب فيه الرئيس إلي مرؤوسيه باللغة الفرنسية ويوقع الإتفاقات الملزمة له بالفرنسية، بلد ينال المواطن فيه حظوته بمجرد إجادته للغة جلاد الأمس ومنتهك سيادة الحاضر، بلد يفاخر فيه ابن عميل الاستعمار بعلاقة “الوالد” بالمستعمر الغاصب لخيرات الوطن والمذل لعلية القوم والمتنكر لحقائق المجتمع والمسؤول عمليا عن التناقضات والتوترات التي نتجرع اليوم مرارتها بوتيرة تكاد تكون يومية.
فعندما أقسم أعضاء من المجلس الدستوري على نص قسم صيغ باللغة الفرنسية، فهمنا بعدها لماذا تمت مباركة هذا المجلس لعملية الالتفاف علي قراره اتجاه شرط التقدم في العمر لمن يشغل منصبا في اللجنة المستقلة للانتخابات الذي أفرزه “الحوار الوطني” والذي استفز شباب البلد وأشعرهم بالتمييز وبالتنكر لحقيقة أن “الخير كله في الشباب” وهو خيار قد يتحول إلى نقيضه عندما يصبح هذا الشباب أكبر معول للهدم ما دامت جميع الأبواب موصدة أمامه بإحكام داخل وطنه ومن طرف بني جلدته.
هذه إحدى المحطات التي استفزت أغلب المتابعين للشأن الوطني. ومن البديهي أنها لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة مادام شعبنا يستكين لهذه الملهاة التي يمتلك لمواجهتها كل الحق وهو قادر على أن يقلب الطاولة فوق رأس كل حاكم لا يحترم قيمه وحضارته ولا يقيم وزنا لمطالبه وخياراته التي ضمنها في دستوره وله الحق كذلك في أن يصرخ في وجه الجميع ويعلن أن هذه ليست هي موريتانيا التي نريد… وبدون هذا الخيار فإن كل مواطن سيجد نفسه في البداية والنهاية مسلوب الإرادة منتهك الحقوق، يعيش في بلد تزداد غربته فيه وسيكتشف متأخرا أنه صمم -على ما يبدو- لشعب غيره ولأجندة قد تخدم كل طرف إلا هذا البلد ومواطنيه.
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment