Thursday 21 February 2013

موريتانيا: موسم الجنون


أشهر عديدة وانا أتبتل في محراب الصمت، أعيد قلمي لغمده كلما أراد أن يمارس لعنة الكتابة، لاشىء يغريني بالتوغل في مدائن الحرف، فعلى امتداد خارطة الوطن المتعب لا أحد يريد كلمات باردة ومملة بل كسرة الخبز وقطرة الماء وحبة الدواء، لا عجائز كنكوصه ولا أطفال اركيز ولا شباب نواكشوط المحطمين المحبطين يحتاجون إلى حروف بليدة…

أعلم حد اليقين أنني حين أكتب فأنا أمارس ترفا لايعني ساكنة أحياء الصفيح الذين امتحشت جلودهم من تبادل الحر والقر تحت أسقف بالية، وأعرف أيضا أن مترفي نواكشوط، أصحاب الكروش المستديرة، سيظلون غارقين في مهرجانات الجشع حتى ولو جلدناهم بالكلمات صباح مساء

لكن، هل أستطيع مواصلة الصمت حينما أرى لوحات عبثية يرسمها قادة وساسة مجانين على جبين وطن غارق في حزنه الكربلائي……………

يقهقه الشيطان ملأ شدقيه حين يرى معزوفة العبث تتواصل في موريتانيا الغالية، أحداث لا تفسير لها، منطقها اللامنطق، آخرها كان الأحدث الأبرز والأغرب، حين اكتشف “عزيز” الحاكم بأمر نفسه في بلاد السيبة أن صانع ملكه “بوعوماتو” مفسد ومتهرب من الضرائب فأوغل في ملاحقة ممتلكاته، وفجأة اكتشفت المعارضة الوطنية أن بوعماتو يلاحق لأنه رجل أعمال وطني له أيادي بيضاء تبدأ بـ”مستشفى العيون”، وربما تنتهي بمستشفى النعمة…….!!

مهرجان الجنون يواصل عروضه، فالحاكم عزيز يستقبل في قصره الرمادي سجينه “ولد الداده” الذي قضى في السجن شهورا عديدة وخرج ولم يعرف أحد لماذا خرج تماما كما لم يعرف لماذا سجن أيضا، وتماما كما غيب “مولاي” و”آكاط” في غياهب السجن حولين كاملين وأخرجا فجأة، تماما كم سجن في بداية العهد العزيزي “ولد انويكظ” بتهمة الفساد وأخرج فجأة ليصحب الرئيس في أول رحلة خارجية له………………أكاد أجن….

لن أنكأ جرح رصاصة “اطويله” وسيناريوهاتها سيئة الإخراج والألغاز الكبرى والحديث المتردد عن انقلاب يكون أو لا يكون، وصمت عتاة المناصرين عن الحديث طيلة تلك الفترة، إنها القصة الأغرب ولكن يبدو أننا دخلنا عهد الغرائبية والجنون…

فجأة، واستمرارا لمسلسل “اللامنطق”، يعود فرسان العهد الطائعي إلى الحلبة، يخرج ولد ديدي إلى سلطة النقل ممتشقا سيفه، ويعود السملالي إلى المفتشية ويواصل لمرابط سيدمحمود تحديه لذاكرتنا حينما يظهر قبل أيام متحدثا رئيسيا في مؤتمر حول الإرهاب، وهل ثمة إرهاب أخطر من إرهاب مورس على ساكنة المنكب البرزخي في سنوات طائعية بكينا منها وأخشى أن تجرنا “العزيزية” إلى أن نبكي عليها…

قادة معارضتنا الوطنية هم أيضا يبحرون في لجج الغرائيبة، يمارسون السياسة بعقلية “شباب الأزقة”، يبدلون المواقف ويضيعون الفرص ويبكون على اللبن المسكوب، يرفعون السقف حتى يوصلونه إلى سماء الرحيل، وفجأة يهبطون إلى مستوى الاكتفاء بالضمانات….

مؤسف جدا أن يجد المرء نفسه مضطرا لممارسة جلد الذات وجلد الأقربين، لكنني مضطر، فلاخير في حرف لم يستطع أن يكون فستانا لطفلة في “أدواب” منطقة “أفله”، ولاخير في كلمات لم تستطع أن تكون طريقا معبدا يوصل أهل “المذرذره” من دون الغبار والمشقة، ولا خير في قلم لم يستطع أن يكون وجبة “تشيبوجن” على مائدة أسرة في “سينكيم”، ولاخير إطلاقا في السياسة أو الكتابة إذا تحولتا إلى بغي مستباحة يتناهش لحمها العاري الفشلة والكذابون…

الأخبار.




Filed under: موريتانيا, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, أقلام التغيير

No comments:

Post a Comment