Sunday 4 November 2012

المرضى الحقيقيون | ‫#موريتانيا أخبار


الأحد 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012









بقلم: امبارك ولد بيروك، إعلامي وكاتب موريتاني

يحكي لنا التاريخ الكثير عن أمراض الحكام. فكثيرا ما تجمع أطباء ومشعوذون وسحرة حول سادة هذا العالم، مستجْدين مساعدة السماء والشياطين ومهاراتهم، ومحيطين مرضاهم الشهيرين بأعظم الأسرار. وقاد العالمَ حديثا مرضى شهيرون، دون أن يحكوا -بالطبع- عن أي شيء من أوجاعهم التي بقيت سرية.


فقد قام الرئيسان الفرنسيان جورج بومبيدو وفرانسوا ميتران بإبلاع تقارير طبية فانتازية لمواطنيهما، في حين كانت الإصابة قد بلغت منهما كل مبلغ. وكان روزفلت، الذي وصل مرحلة عدم إمكانية إخفاء ضعفه، يتحدث عن “إصابات طفيفة” تَبَينَ فيما بعدُ أنها كانت أكثر خطورة مما كان يتصوره الأمريكيون. ولم يُعرفْ شيء عن أمراض ماو تسي تونغ وجمال عبد الناصر، وعُرِف القليل جدا عن أمراض الحسن الثاني. وكان الأمر أكثر سهولة عند التتر؛ حيث كان يُقطع رأس كل من تسول له نفسه التشكيك في قوة جنكيز خان.


يبدو أن الموريتانيين يريدون أن يُظهروا أنهم أكثر تطلبا من الشعوب الأخرى. فهم يريدون أن يعرفوا كل شيء عن مرض الرئيس، وعلى الفور. ومن الواضح أن هذا ليس مطلبا جريئا للغاية. لكن المشكلة تكمن في أن لرؤساء الدول حياة خاصة يريدون عدم المساس بها، حتى وإن تنازلوا عن خصوصيتها في بعض الأحيان إن كان ذلك يمكن أن يخدمهم. ويبقى من المؤكد أنه لا يوجد أحد يريد نشر حقيقة آلامه العميقة أمام الجميع. كما أن وصول مرض رئيس الدولة إلى درجة معينة يمكن أن يؤثر بشدة على مصير بلد. لكن عليه أولا أن يصل إلى هذا الحد. ومن ذا الذي بإمكانه أن يخبرنا أنه قد تم الوصول، أو لا، إلى هذا الحد؟ إنهم أطباء “الزعيم”، وفقط أطباؤه. وهم ملزمون بعدم إفشاء السر المهني وسر الدولة.


لذلك ليس من المفيد في شيء البحث عن حقيقة صحة رئيس الدولة. المهم أنه -وهذا باتفاق الجميع- لم يفقدْ لا العقلَ ولا الحياةَ، وأنه سيعود إلى بلاده عندما يرى هو نفسه أو أطباؤه أن بإمكانه القيام بذلك. غدا؟ بعد غد؟ في ظرف أسبوع؟ خلال شهر؟ لا ندري. وعلى كل حال فإن عجزه، وفقا لكل من واصلوه، ليس دائما. فلماذا، إذن، هذا الذعر الذي يبدو أنه اجتاح بعض الأوساط؟ ثم إننا كثيرا ما ننسى أنه حتى في غياب الرئيس، يجب على الدولة أن تستمر، وعلى المؤسسات أن تعمل. وننسى كذلك أنه إذا كان غير قادر على استئناف مهامه -وهو ما ليس حتى الآن مُدْرَجا على نقاط البحث- فإن الدستور ينص على آليات بديلة.


الواقع أن السياسيين، من جميع المشارب، قد فقدوا بوصلتهم؛ فلم يعودوا يعرفون كيف يستفيدون، إلى الحد الأقصى، من هذا المعطى الجديد. إنهم يريدون إحداث أثر في غد لا يعرفون بعدُ ألوانه. لذا فهم يدورون في حلقة مفرغة؛ لا يعرفون أين هم ذاهبون ولا ماذا هم فاعلون. وربما يكونون -هم- المرضى الحقيقيين.


ترجمة: نور أنفو


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment