Sunday 4 November 2012

الحضور الإيراني في غرب إفريقيا | ‫#موريتانيا أخبار

يرجع الحضور الإيراني في القارة الإفريقية إلي بداية الستينيات من القرن العشرين , وذلك مع ظهور كيانات الدول الإفريقية المستقلة حديثا ,من خلال العلاقا

الدبلوماسية بينها وبين إيران الشاهنشاهية ,في تلك الفترة لم تكن لدي إيران طموحات توسعية ,تتجاوز الحدود الجغرافية لمنطقتها ,بل كانت محسوبة في ظل نظام الثنائية القطبية علي المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ,ومع نجاح الثورة الإيرانية سنة 1979 , تغيرت أولويات السياسة الإيرانية ,وطمحت إيران الجديدة للعب دور مؤثر علي الصعيد العالمي ,وكان للقارة الإفريقية نصيب الأسد من هذا التوسع الإيراني ,سواء في صورته الاقتصادية ,أو في بعده المذهبي ,هذا الحضور الإيراني شهد تصاعدا كبيرا في غرب إفريقيا خصوصا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين , من خلال المنظمات والهيئات الأهلية ,والمراكز الثقافية ,والمشاريع الاقتصادية , والعمل الدبلوماسي ويرجع الكثيرون الاهتمام الإيراني بغرب إفريقيا إلي حاجة إيران إلي المواد الخام التي تزخر بها هذه المنطقة من القارة ,وكذلك خلق أسواق جديدة وواعدة للصادرات الإيرانية , في ظل الحصار الاقتصادي الذي تتعرض له إيران بسبب برنامجها النووي ,في حين يذهب بعض المحللين إلي أن الدافع إنما هو مذهبي يتدثر بدثار من الاقتصاد والسياسية والدبلوماسية ,سنتناول في هذا المقال البعدين (الاقتصادي والمذهبي ) في العلاقات الإيرانية الإفريقية , في محاولة متواضعة جدا ,لتتبع مسار كل منهما .

مواد خام ..أسواق..استثمارات..


تزخر القارة الإفريقية بمخزون هائل من الثروات ,يؤهلها لأن تكون المورد الأساسي لصناعات العالم في المستقبل القريب ,ذلك أن معظم القارات( عدا إفريقيا ) تعاني من نضوب في مواردها الطبيعية فعلي سبيل المثال تنتج إفريقيا 22 بليون متر مكعب من الغاز يوميا وتملك 477 ترليون قدم مكعب من احتياطي الغاز في العالم ,أي 7% من احتياطي العالم منه,كما أن 75 بليون برميل من احتياطي العالم من النفط يوجد في إفريقيا ,كما تنتج 7% من إنتاج العالم من الذهب ,و33% من إنتاج العالم من النحاس ,76% من إنتاج العالم من الكوبالت , و95 % من احتياطي الماس في العالم ,وتنتج 50% من معدل إنتاج العالم منه , كما تنتج 75 % من إنتاج العالم من البلاتين ,و 90% من احتياطي هذه المادة,وتنتج كذلك 9% من إنتاج العالم من الحديد , وتستحوذ هذه القارة علي نسبة في حدود 30 % من احتياطي العالم من معادن الحديد , الفوسفات , اليورانيوم , المنجنيز ,وبخصوص الطاقة الشمسية تمتلك القارة الإفريقية أكبر مخزون لها ,من خلال وجود أكبر الصحاري بها .

هذه الموارد الهائلة جعلت من إفريقيا ساحة لصراع وسباق اقتصادي محموم بين الدول , للظفر بصفقات تؤمن لها موارد من المواد الخام تكفل لها الاستمرار,وكانت الصين هي أول من شعر بأهمية الموارد والسوق الإفريقية فقفز حجم التبادل التجاري بينها وبين الدول الإفريقية خلال عقد واحد إلي عشرة أضعاف ليصل 107 مليار دولار ولتصبح أكبر شريك تجاري للقارة , كما قام الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا بست رحلات للقارة شملت 16 دولة ,وارتفع حجم التبادل التجاري بين البرازيل , وإفريقيا من 3,1 ملياردولار سنة 2000 ,إلي 26,3 مليار دولار سنة 2008,كما قفز حجم التبادل التجاري بين الهند وإفريقيا من من 5,2 مليار دولار عام 2002 إلى نحو 39,5 مليار دولار في عام 2009

لم تكن إيران وهي الطامحة للعب دور قوي يتجاوز حدودها لتبقي بعيدة عن المشهد الإفريقي فالواقع الفعلي يسجل اعترافا بالنجاح الذي حققته إيران في إفريقيا ربما كأحد الحلول للفكاك من عزلة دولية تعاني منها منذ قيام الثورة عام 1979، تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بسبب برنامجها النووي وتم تجسيد هذا الاهتمام الإيراني الجديد بإفريقيا في فترة حكم الرئيس رفسنجاني حيث قام عام 1996 بزيارة لست دول إفريقية صحبه خلالها وفد رفيع المستوى,واستمر هذا التوجه الإيراني نحو دعم العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا في ظل حكومة الرئيس خاتمي ,وقد تصاعدت اهتمامات الدبلوماسية الإيرانية الموجهة لمنطقة غرب إفريقيا مع وصول احمدي نجاد للرئاسة, ففي عام 2009 سجل المسؤولون الإيرانييون أكثر من عشرين زيارة لإفريقيا,كما نظمت إيران مابين عام 2002-2006 حوالي 32 معرضا تجاريا في إفريقيا.

لقد وضع الإيرانيون نصب أعينهم فتح آفاق جديدة للاستثمار والتجارة الإيرانية فى منطقة غرب إفريقيا,والعمل على تنسيق السياسات الاقتصادية مع دول هذه المنطقة ,ومن أمثلة ذلك السعى لتأمين الاحتياجات الإيرانية من القطن والذهب الذى تنتجه مالى، وتكثيف الاستثمار فى قطاعات الزراعة والطاقة والكهرباء فى كل من السنغال, وسيراليون,وبنين,ومالى، والتنسيق مع نيجيريا فيما يتعلق بتحديد أسعارالنفط ، وتفعيل منظمة أوبك .

وقد عبر الرئيس احمدي نجاد بشكل صريح عن المطامع الإيرانية في الفوز بنصيب من الثروة الإفريقية الكامنة بقوله في كلمته أمام القمة الثانية عشرة للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا عام 2009 (أفريقيا قارة تعج بالقيم البشرية والثقافية وقدرات كبيرة في مجالات مختلفة، وفي المقابل تتمتع إيران بقدرات هائلة تمكنها من الدخول في تعاون عملي ومربح مع القارة الأفريقية ) وفي تصريح آخر يقول نجاد (إن القارة الإفريقية هي الأكثر غني إذ تحتوي أفضل أنواع الموارد الطبيعية من البترول واليورانيوم والغابات الشاسعة وأفضل الموارد البشرية والفلاحية) وخلال زيارته لجمهورية مالي يوليو 2010 .صرح نجاد : (توفر مالى مقومات جيدة للتعاون، حيث تملك مساحات شاسعة من الأرض الخصبة والأنهار والأيدى العاملة الجادة) وإيران في سعيها لإقامة علاقات اقتصادية مع إفريقيا تروج لمفهوم جديد لا يسعى لاستغلال دول القارة بحثا عن مكاسب اقتصادية قصيرة المدى وإنما ترغب في شراكة متساوية تتحق فيها الفائدة للطرفين معا, يقول منوشهر متكي :( نحن لانرغب في نهب إفريقيا كما يفعل الغربيون والاستعماريون , نحن نسعي إلي بناء علاقات اقتصادية ثنائية مفيدة للطرفين) وقد زار نجاد دول غرب أفريقيا خمس مرات منذ توليه الحكم، وكان آخر هذه الزيارات فى 2011 لموريتانيا .

مع ازدياد العزلة السياسية والاقتصادية التي يفرضها المجتمع الدولي على إيران بسبب برنامجها النووي ، تزداد حاجة إيران لبناء علاقات وثيقة مع دول غرب إفريقيا في محاولة لصد التحركات الدبلوماسية التي تفرضها الأمم المتحدة وللتوسع في البحث عن أٍسواق جديدة. يقول البروفيسور المساعد سنام فاكيل، المتخصص في السياسات الإيرانية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة التابعة لجامعة هوبكينز:(إن الإيرانيين في ظل العقوبات الاقتصادية، يعانون من سيولة محدودة ووصول مقيد للأسواق المالية و اقتصادهم يخضع لقيود متزايدة ) لم تتأخر إيران كثيرا في وضع رجلها علي بداية طريق تعاون اقتصادي وثيق مع دول غرب إفريقيا الواعدة ,فقد باشرت في السنغال ببناء مصنع لإنتاج سيارات (سامندس) لشركة خودور الإيرانية بتكلفة تقدر بـ 80 مليون دولار، حيث تعتبر شركة خدورو أكبر شركة إيرانية فى صناعة السيارات، وستشارك هذه الشركة بنسبة 60 % فى إنتاج السيارات فى السنغال، فى حين ستشارك الحكومة السنغالية والقطاع الخاص بالنسبة المتبقية، وفي مجال الطاقة وعد المجلس الوطنى الإيرانى لتكرير النفط وشركة التوزيع بتوسيع مصفاة النفط فى السنغال من 1.2مليون طن سنويا إلى 3 ملايين طن, ويتضمن الاتفاق مشاركة إيران بحصة 34% فى المصفاة وتوفير النفط الإيرانى الخام للسنغال وشهد التعاون الاقتصادي بين السنغال وإيران تناميا كبيرا فقد صدرت إيران 16 مليون دولار إلى السنغال فى عام 2009، أى بزيادة 3.600 % عن صادرات إيران للسنغال عام 2000 ، وتتطلع إيران إلي احتياطي النيجر من اليورانيوم , والذي يحتل سادس مرتبة في العالم ,وفي أغسطس 2004 قام وزير الخارجية الإيرانى كمال خرازى بزيارة النيجر لتطوير التعاون بين البلدين فى مجالات المياه والصحة والهندسة والطرق. و أكد أن هذا التعاون سيضع الأسس لولوج الشركات الإيرانية إلى أسواق النيجر ، وقد أكد النائب الأول للرئيس الإيراني برويز دائودي في يونيو 2008 أن : (إيران تعتبر أن الأمن والتقدم فى النيجر جزء من الأمن والتقدم فى إيران) وفى نفس الشهر والسنة اجتمع وزير الزراعة الإيرانى مع نظيره النيجيرى وتم الاتفاق علي التعاون بين الدولتين للاستثمار في الأمن الغذائى مثل تربية الماشية وبناء مصنع للجرارات فى النيجر. ومع بداية 2010 شرعت إيران فى قطف عائدات استثماراتها فى النيجر ، وارتفعت الأشكال الأخرى من الصادرات الإيرانية , فخلال عام 2009 قامت النيجر باستيراد 4.7 مليون دولار بضائع من إيران، محتلة المرتبة الثالثة بين دول غرب أفريقيا فى قيمة الواردات الإيرانية , و سوف تستمرإيران فى التعامل مع النيجر كمصدر للموارد المحتملة , وعلي الاخص لرغبة إيران فى زيادة إمدادات اليورانيوم

وفق ما ذكره خبير منع الانتشار النووى ديفيد ألبريت، تحسبا من أى عمل عسكرى أو فشل فى عملية التخصيب.أما بخصوص نيجيريا والتي تعتبر أكبر قوة بشرية , واقتصادية بغرب إفريقيا , فقد حظيت باهتمام مبكر من قبل إيران يعود إلى سنوات قبل رئاسة احمدي نجاد. ففي 2005 قام الرئيس الأسبق محمد خاتمى بزيارة نيجيريا ووقع على مذكرة تفاهم مع الرئيس النيجيرى الأسبق أولوسجون أوباسنجو. كما وقع بنك تنمية الصادرات فى إيران اتفاقا بقيمة (38 مليون دولار) مع وزير الطاقة والصلب النيجيرى، وذلك أثناء زيارة خاتمى , وفي فبراير 2006 وخلال زيارته لإيران عبر وزير خارجية نيجيريا عن أهمية أن تعمل إيران علي تطوير الاستثمار في مجال صناعة الطاقة فى نيجيريا، وقد عرضت إيران علي نيجيريا قرضا بقيمة بليون دولار سنة 2011 تحدد نيجيريا المجال الذي ترغب في استخدمه فيه ,يذكر أن حجم التبادل التجاري بين البلدين حقق سنة 2011 رقما بلغ 50 مليون دولار محققا قفزة كبيرة حيث كان سنة 2007 قد بلغ 1,5 مليون دولار،يشار إلي أن آخر اجتماع للجنة الاقتصادية المشتركة لنجيريا وإيران عقد بطهران بتاريخ 16/04/2012, إن بلدا بحجم نيجيريا سيقدم لإيران سوقا واعدة في منطقة غرب إفريقيا هي في أمس الحاجة إليه في ظل الحصار الذي يزداد عليها يوما بعد يوم.

لم تتأخر إيران في اقتناص الفرصة التي سنحت لها ,عندما قامت موريتانيا بطرد السفير الإسرائيلي من نواكشوط , حيث عملت على الدفع بوتيرة العلاقات مع موريتانيا نحو آفاق متنوعة، وقد قامت إيران ببناء مستشفى فى العاصمة الموريتانية نواكشوط كان يبني بتمويل من الحكومة الإسرائيلية واللجنة اليهودية الأمريكية, وعندما زار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز إيران فى يناير 2010 نوه المرشد الأعلي للثورة على خامنئى بقطعه للعلاقات مع إسرائيل، كما شكره أحمدي نجاد أيضا علي الدعم الذى تقدمه موريتانيا لإيران على الساحة الدولية. وأسفرت الرحلة عن وضع ترتيبات للتعاون بين البلدين فى مجالات التعدين، والبنوك وخدمات التأمين , وتتطلع إيران إلي سوق تصديرية جديدة فى موريتانيا وتطوير التعاون بين البلدين لمجالات اقتصادية متنوعة ففي تصريح للسفير الإيراني لدي موريتانيا محمد رضا قرباني أشار إلي أن (إيران تتطلع إلي تطوير العلاقات مع موريتانيا في عدة مجالات منها، النفط والطاقة والمالية والزراعة والتجارة والصناعة) علي أن العلاقات الإيرانية الموريتانية تحتاج إلي وقت لترجمة أطر التعاون الاقتصادية إلي واقع ,فهي حديثة نسبيا قياسا علي محيطها , كمالي التي زارها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في يناير 2005 وقد عبر عن رغبته فى زيادة التعاون معها, ورد عليها الرئيس المالي بزيارة مماثلة في يونيو من نفس السنة , وأشار إلى أنه يأمل فى أن يبدأ المهندسون الإيرانيون فى بناء سد ومصنع للطاقة في بلاده، وقد استكمل النائب الأول الإيرانى بارفيز دائودي هذا الطموح والتقى بوزير المعادن والطاقة والموارد المائية المالى أحمد صو فى فبراير 2008، وفى مارس 2009 أعرب وزير الخارجية الإيرانى السابق منوشهر متكى عن رغبة حكومته بناء سد فى مالى.

وقد أكد الرئيس أحمدي نجاد خلال زيارته فى يوليو2010 على أهمية التعاون الاقتصادى مع مالى حيث قال(لقد أجرينا محادثات ووقعنا على العديد من مذكرات التفاهم فى المجالات المختلفة؛ لتوسيع التعاون، حيث توفر مالى مقومات جيدة للتعاون، لتوفرها علي مساحات شاسعة من الأرض الخصبة والأنهار والأيدى العاملة الجادة ) وتسعي إيران في جهد حثيث لدفع علاقاتها مع هذه الدولة الصغيرة في سبيل تأمين مواردها من الذهب والقطن وخلق سوق ولو صغير لسلعها ,شأنها في ذلك شأن غينيا التي لديها اكبر احتياطى من البوكسيت فى العالم، بما لا يقل عن ربع إجمالي الاحتياطي العالمى، وكذلك هوالحال مع غينيا بيساو ,وساحل العاج والتى شهدت تصاعدا فى الإنتاج المحلى من النفط الخام أخيرا, وقد احتلت فى عام 2009 المرتبة الثانية (من بين دول غرب إفريقيا) فى قيمة الواردات الإيرانية والتى قدرت بـ 7.9 مليون دولار, كما وافقت جامبيا على استيراد عربات تجارية من مصنع خدورو الإيرانى لاستخدامها فى قطاع النقل العام فى جامبيا. وفى يوليو 2010 أنشأت إيران لجنة استثمار مشتركة مع غانا، وقد تبع إنشاء هذه اللجنة زيارة مجموعة من رجال الأعمال الغانيين لإيران. أما فى السيراليون فتنشط الشركة الإيرانية أفريقيا سيباهان .

في سعيها للعب دور اقتصادي في غرب إفريقيا ,تكون إيران قد قطعت أشواطا بعيدة , فقد بلغ حجم صادرات النفط الإيرانية إلي إفريقيا جنوب الصحراء سنة 2010 قيمة 3,60 مليار دولار ,بالمقارنة مع 1,36 مليار دولار عام 2003.

تطمح إيران من خلال العلاقات الاقتصادية مع دول غرب إفريقيا , إلي زيادة الدعم لبرنامجها النووى، وزيادة فرص ولوج الشركات الإيرانية إلى الأسواق، وتأمين الحصول على المواد الخام, وتختار إيران أهدافها بعناية فائقة ,فدول غرب إفريقيا ذات أغلبية مسلمة، واقتصادياتها متخلفة ولإيران خبرة جيدة في مجال بناء السدود وإنتاج القمح والسكر تصنيع الاسمنت ، وتصنيع الاجهزة والمعدات الطبية وتجميع العربات والجرارات، ويمكن أن تستفيد منها هذه الدول.


التشيع …ملا لي إفريقيا


مع قيام الثورة الإسلامية في إيران(1979) ومع مشروع الخميني الداعي لتصدير الثورة , توجهت أنظار الإيرانيين إلي إفريقيا ,باعتبارها مجالا لنشر الأفكار و مقارعة الخصم السني وقد استطاعت إيران طيلة ثلاثين سنة من العمل الدءوب والمنظم,من خلال المنظمات والهيئات الأهلية ,والمراكز الثقافية ,والمشاريع الاقتصادية ,والعمل الدبلوماسي ,والإعلامي ,خلق حواضن وجيوب(للفكر الشيعي الإثنا عشري) في منطقة غرب إفريقيا تتفاوت في قوتها من دولة لأخري ,مع صعوبة الخروج بنسب واضحة لهذه الحواضن ,حيث يعمد المناهضون للتقليل منها ,والمناصرون إلي المبالغة فيها. كما تحيطها السلطات في هذه الدول بسياج من السرية يرقي إلي المحظورات الأمنية القومية , يضاف إلي ذلك دثار (التقية) الذي يتلفع به أفراد الطائفة ,والذي يعتبر من صلب العقيدة بالنسبة لهم,علي أن هذا الحضور الشيعي يرقي إلي حد الظاهرة التي لا تخطؤها العين في غانا ونيجيريا والسنغال وكوت ديفوار, مستفيدا من بعض الظروف المتعلقة باللحظة الوطنية والإقليمية والعالمية.

النطاق الجغرافي والبشري… تساؤلات تاريخية

إن منطقة غرب إفريقيا تمثل إقليما شاسعا حيث يمتد هذا الإقليم جغرافياً من موريتانيا غرباً وحتى النيجر شرقاً، ومن موريتانيا شمالاً وحتى ليبيريا جنوباً، ومن ليبيريا غرباً حتى نيجيريا و يشمل 16 دولة (موريتانيا .السنغال ,غامبيا ,الغابون ,غينيا بيساو ,غينيا كوناكري , ساحل العاج ,مالي , بوركينا فاصو ,غانا ,نيجيريا ,النيجر,سيراليون .التوجو,ليبيريا ,بنين , والرأس الأخضر ) تمثل ثقلا سكانيا كبيرا , يزيد علي 250 مليون نسمة , يمثل أكبر كتلة إسلامية في القارة الإفريقية، فالإسلام هو الدين الرسمي لأغلبية السكان.

ولقد دخل الإسلام أول مرة لهذه المنطقة بشكل مبكر في القرن الهجري الأول وخلال الوجود الإسلامي بهذه المنطقة ساد مذهب فقهي سني مالكي لم يجد له منافسا ولا نظيرا حسب معظم المؤرخين ,ونحن لا نريد الدخول مطلقا في جدل تاريخي ليس هذا محله , ولكن سيكون مقالنا هذا ناقصا دون أن نعرج علي ما يزعمه الشيعة , من أن الإسلام دخل عندما ما دخل لهذه المنطقة بثوب الإسلام الشيعي ,بل إن أول دولة إسلامية قامت في منطقة شمال إفريقيا علي زعمهم كانت دولة شيعية خالصة هي دولة الأدراسة؟ وكذلك الدولة الشيعية الفاطمية بتونس؟

ويرد المؤرخون علي هذا الزعم بكون التشيع عند الأدراسة لم يمكن له طابع عقدي وديني ,ولم يتجاوز الدعوة السياسية بأحقية الطالبيين بتولي الخلافة والسلطة , فالمولي إدريس لم يكن شيعيا إلا بمفهوم الانتماء السياسي , وذلك بين من إسناده القضاء في دولته لقضاة المالكية,ولهذا لم ينشر المولي إدريس في المغرب إلا الدعوة السنية النقية ,ولهذا اسماه بعض المغاربة بالفاتح الثاني للمغرب , يقول الأستاذ عبد الله كنون : (فعمل إدريس على إبلاغ الدعوة الإسلامية خالصة من الزيغ والانحراف إلى الجميع ، واستنقذ الذين استهوتهم البدع والأهواء من الضلال ، ووحد كلمة المغرب وقلوب أهله من يومئذ على مذهب السنة والجماعة ، فلم يمل عنه بعد ذلك حتى يوم الناس هذا)

أما بخصوص الدولة الفاطمية فلا يجادل عاقل في كونها دولة شيعية خالصة نشأت فعلا في شمال إفريقيا ودعت لمذهبها محاولة نشره والحكم علي أساسه , والغريب أنها هي من قامت بإسقاط دولة الأدراسة وذلك سنة 305 للهجرة , ولوكانت دولة الأدارسة دولة شيعية لما حاربتها ,أو حاربت هي نفسها الدولة الفاطمية ,والأغرب من كل هذا أن الدولة الفاطمية ,كانت دولة شيعية علي المذهب الإسماعيلي , و الشيعة الاثنا عشرية تكفر الشيعة الإسماعيلية ، وتعتبرهم من جملة الكفار المخالفين للحق ,وهذه الحقائق التاريخية كفيلة بإحداث قطيعة تاريخية بين التشيع الإثنا عشري والتشيع الإسماعيلي المذهب الرسمي للدولة الفاطمية ,وبالتالي يظهر تهافت هذه المزاعم ,إن شمال إفريقيا الذي هو الرافد العلمي والعقدي لغربها لم يقبل أبدا التشيع , ولم يستسغ هذه العقيدة ,وإنما ظل سنيا مالكيا لايحيد عن ذلك علي مر الحقب وتقلب الأحوال ,بل إن الدولة الفاطمية لم تستطع الاستمرار في شمال إفريقيا نتيجة للمقاومة الشرشة لها من طرف أهل هذه الأصقاع , مما دفعها للمغادرة نهائيا صوب مصر سنة 361 للهجرة , يقول المعز في رسالة لأحد المقربين منه : (وقد ابتلانا الله برعي الحمير الجهال ، فإنا لم نزل نتلطف في هدايتهم ، ومسايرة أحوالهم إلى أن يختم الله لنا بالحسنى ، والخروج من بين أظهرهم على أحمد حال).


غرب إفريقيا…. حوزات… وحسينيات


ساهم الوجود المكثف لأفراد من التجار اللبنانببن الشيعة في السنغال في انتشار المذهب الشيعي داخل هذه الدولة السنية المالكية , وقد كان للشيعة وفي وقت مبكر افراد و مؤسسات ناشطة بهذا الخصوص في السنغال ,ففي سنة 1978 وقبل قيام الثورة الإسلامية بإيران تمكن أحد تلامذة الخميني عبد المنعم زين من إنشاء المعهد الإسلامي بدكار وقد وصل هذا الرجل للسنغال سنة 1969 موفدا من موسي الصدر ومحمد باقر الصدر للترويج للمذهب الشيعي في المنطقة ,وقد شهدت فترة الثمانينات تدهورا للعلاقات الإيرانية السنغالية تم خلالها إغلاق السفارة الإيرانية بدكار ,إلا أن ذلك لم يؤثر مطلقا علي المشروع الشيعي في السنغال ، ومع عودة العلاقات السنغالية الإيرانية ,أخذ المد الشيعي زخما وبعدا متطورا داخل السنغال مستفيدا من تحسن العلاقات فتم تشييد حوزة علمية في العاصمة قرب جامعة داكار تسمي حوزة الرسول الأكرم صلي الله عليه وسلم ، وتمت إدارتها والتدريس فيها من طرف رجل الدين الإيراني محمد رضوان الشاهدي ، مع بعض الشيعة السنغاليين المتخرجين حديثا من قم بإيران وهذه الحوزة تمنح الطالب شهادة تعادل الثانوية العامة ,ويتم ابتعاث الطلبة بعد ذلك لإيران لإكمال دراستهم الجامعية , أما مؤسسة المزدهر الدولية ، فتنشط في تشييد المساجد والحوزات الشيعية ,وطبع الكتب وإنتاج وبث البرامج في الإذاعة والتلفزيون ومقرها في دكار ومؤسسها محمد عالي الشريف حيدر واصله من موريتانيا,بالإضافة لكلية الزهراء المتوسطة في العاصمة دكار أيضا,ويتم تدريس جميع المراحل بها, خصوصا العقيدة الشيعية واللغة الفارسية ,دون أن ننسي المؤسسة الإسلامية الاجتماعية قرب سوق صندكا بدكار والتي تضم مسجدا كبير، وقاعة محاضرات ومكاتب ، كما فتح قسم للفارسية بجامعة دكار فى عام 2003 ، هذا الوجود المكثف والحضور القوي والممنهج من قبل دعاة التشيع ومؤسساته في السنغال ,تمخض عن نتائج ملموسة وفعالة ,حيث شيد الشيعة ما يزيد علي 120 وحدة مابين حوزة ومسجد ومركز , وذلك علي امتداد السنغال ,لتستوعب هذه الوحدات آلاف السنغاليين , ويقدر عدد الشيعة في السنغاليين بنصف مليون شخص علي أن بعض المتابعين للموضوع يعتبرهم أقل من ذلك.

وعلي أن الجهود الإيرانية في السنغال قد منيت بانتكاسة كبيرة مع اكتشاف شحنة الأسلحة القادمة من إيران باتجاه غامبيا ، بهدف تزويد متمردي الجنوب السنغالي بالسلاح.حيث قطعت كل من السنغال وغامبيا علاقاتها مع إيران,وهو ما أثر بدون شك علي مشروع المد الشيعي في المنطقة.

وفي مالي كانت سنة 1992 هي الانطلاقة الحقيقية لحركة التشيع في هذا البلد ,ففي هذه السنة بادر الشيعة بمالي من خلال دعم الشيعة الكويتيين بشراء أرض في العاصمة باماكو لتأسيس مركز جمعية أهل البيت , وللشيعة في مالي العديد من المؤسسات كمدرسة بقية الله للعلوم الإسلامية بمدينة سيقو ,وكمكتبة فاطمة الزهراء ببامكو,وكمكتبة وثانوية الغدير لأهل البيت بمدينة كاي ,كما ينشط كذلك المركز الثقافي الإيراني بمالي ,حيث تتبع له حوالي 13 مدرسة في مختلف نواحي البلد, وتتضارب المعلومات بشأن عدد الشيعة بمالي فحين تشير ؛إحصائيات المجمع العالمي لأهل البيت إلي أنهم يمثلون نسبة 1% من مجمل عدد السكان البالغ 12 مليون ,يذهب المطلعون إلي اعتبار ذلك الرقم مبالغا فيه ,والحقيقة أنه في ضوء غياب أي إحصائيات محايدة لا يمكن الجزم بعدد معين ,علي أن الحضور الشيعي في مالي لم يصل قطعا لحد الظاهرة كما هو في السنغال ,أوكما في نيجيريا التي يوجد بها أكبر تجمع للشيعة في غرب إفريقيا ، وقد عرف النجيريون التشيع مع قدوم التجار اللبنانيين الشيعة في حدود سنة 1940 ,إلا أن المد الحقيقي لحركة التشيع كان بعد قيام ثورة الخميني عام 1979 ,فقد تمكن الإيرانيون في الثمانينات من خلال دعمهم لرجل دين شيعي من نيجيريا يدعي آية الله زقزاقي من بناء قاعدة إيرانية للمرجعية الشيعية بنجيريا تحت مسمي الجماعة الإسلامية وهم يتركزون في ولاية كادونا ، وفى مناطق من جنوب البلاد, وقد تمكن الشيعة في نيجيريا من بناء العديد من المؤسسات كالحركة الإسلامية ومقرها زاريا ولاية كادونا والمدرسة الفودية ولها فروع كثيرة في سكتوا وقراها,وتصدر مجلة الميزان,ومجلة مجاهدة وهي مجلة تعني بشؤون المرأة,تصدر بإشراف شيخ الشيعة في نيجريا إبراهيم بن يعقوب الزقزقي ,ومكتبة أمان الأمة الإسلامية ,ومؤسسة الزهراء للإغاثة ,ويمثل شيعة نيجيريا أكبر حاضنة للشيعة في غرب إفريقيا,حيث يقدر عددهم ب 5 ملايين حسب بعض التقديرات الشيعية ,في حين يعتبرهم بعض المتخصصين أقل من ذلك ,إن الاهتمام الإيراني بحركة التشيع في نيجيريا منقطع النظير , حيث تُطبع في إيران مجلة بلغة الهوسا هي الرسالة الإسلامية ,وشرعت إيران أبواب جامعاتها ومعاهدها للطلبة النيجيريين ووفرت لهم منحاً دراسية ، وتغص مدينتي النجف وقم بمئات الدارسين النيجيريين في مختلف المجالات .وتراهن إيران علي المخزون البشري الإسلامي بنجيريا من أجل قلب المعادلة لصالحها مذهبيا في منطقة غرب إفريقيا.

علي أن نجاح تجربة إيران في المد الشيعي لم تكن مقتصرة علي النموذج النيجيري,فلقد حققت نجاحا باهرا كذلك في كل من كوت ديفوار وغانا فقد عرفت كوت ديفوار وجودا قديما للتشيع من خلال الجالية اللبنانية التي يبلغ عددها 100 أ لف شخص ,وقد بلغ التشيع أوجه في العقد الأول من القرن الحالي ,ويوجد الشيعة اليوم في أغلب مناطق ساحل العاج مثل العاصمة وبندوكو وبواكي وأمباتو,وقد تمكنوا من بناء العديد من المدارس والمساجد والحسينيات كمسجد الاثنا عشرية ومسجد كانكاكورا في ابيدجان , ومن أهم مراكزهم في ابيدجان مدرسة أهل البيت ومدرسة الاثنا عشرية ومركز الشباب والمركز العربي الافريقي , كما توجد مؤسسة الامام الصادق في مباتو, وتقوم هذه المراكز و المدارس بتكوين الآلاف من حملة الفكر الجعفري.

وحركة التشيع بكوت ديفوار من أخطر حركات التشيع المدعومة من إيران,فقد صرح زعيم الطائفة في حديث خاص لجريدة (كل الاخبار)العراقية)العدد 161 بتاريخ 12/8/2010 ( ان التشيع في ساحل العاج يسير بخطط منتظمة ووفق دراسة زمنية تجري متابعتها من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران ) بحيث يكون التشيع المذهب المسيطر في كوت ديفوار خلال 10 سنوات.

وفي سنة 1984 أقامت غانا علاقة دبلوماسية مع إيران , وفور افتتاح السفارة الإيرانية بأكرا ,تم تدشين مركز خاص للملحق الديني , وقد بدأ هذا المركز فورا بممارسة نشاطاته المتمثلة في نشر المعتقد الجعفري بين مسلمي غانا من السنة ,ومع مرور الزمن تمكنت إيران من خلق جيب شيعي في غانا وصل حسب آخر التقديرات لمليون شيعي ,يتوزعون في معظم الأقاليم كالعاصمة أكرا وتامالى وكوماسى ولهم الكثير من المراكز والمعاهد والمساجد والمؤسسات التعليمية بما فيها الجامعات , منها مكتب الخمينى ومعهد أهل البيت العالى للدراسات الإسلامية, ومؤسسة الكوثر ومؤسسة الإمام الحسين فى العاصمة أكرا ,و مجمع الإمام المهدي للدراسات العربية والإنجليزية فى أشا من, مسجد الرسول الأكرم صلي الله عليه وسلم في أكرا, ومسجد أهل البيت, وفى تامالى مسجد الإمام السجاد, والجامعة الإسلامية (غانا ) .

هذه هي أهم حواضن المد الشيعي الإيراني في منطقة غرب إفريقيا , علي أن ذلك لا ينفي وجود نشاط شيعي في بقية الدول الأخرى من منطقة غرب إفريقيا,إلا أن ذلك النشاط لا يرقي إلي حد الظاهرة ,كما في الدول السابقة ,ففي موريتانيا كمثال يعتبر الحضور الشيعي حديثا جدا,حيث اعتنق متزعم التيار في موريتانيا بكار بن بكار المذهب الشيعي سنة 2006 , ومع ذلك فهم في محاولات جادة وحثيثة لبناء كيانهم الخاص(من آخر نشاطاتهم احتفالهم بذكري عيد الغدير ليلة الجمعة 02/11/2012 بنواكشوط – الميناء , تحت رئاسة زعيمهم بكار بن بكار) ,لكن وجودهم مازال ضئيلا جدا,بل لا يكاد يلاحظ , وجل ما يروج له هو من باب الدعايات والمبالغات لكن ذلك لا ينفي طموح مشروعهم وإمكانيات نجاحهم في المستقبل القريب أو البعيد.

تلكم هي استراتيجية إيران في منطقة غرب إفريقيا ,استراتيجية مبنية علي رافعة اقتصادية , ورافعة مذهبية هي مربط الفرس ,وهي مكمن الخطورة ,ذلك أن المصالح الاقتصادية والمنافع التجارية مصالح مؤقتة تزول وتنضب وتتحول مع الوقت ,أما الوجود المذهبي والعقدي فمستقر في القلوب والنفوس ,مع مر الزمن وتعاقب الحقب,لقد تمكنت إيران من التأثير حتى الآن وبشكل خطير علي التماسك المذهبي السني في منطقة غرب إفريقيا وبشكل ينذر بالخطر , مالم تتحرك مراكز القرار السني والفعاليات الشعبية , فستخسر مع الوقت مناطق أكبر لصالح المد الشيعي المنظم والذي برهن مع مرور الوقت علي أن له استراتيجياته المدروسة والمؤسسة.




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment