Sunday 26 August 2012

‏الحصيلة السياسية لثلاث سنوات من المسار الديمقراطي في #موريتانيا


العنوان الأصلي: الحصيلة السياسية لثلاث سنوات من المسار الديمقراطي في موريتانيا


مقدمة: انقضت ثلاث سنوات من المأمورية الرئاسية للسيد محمد ولد عبد العزيز، لقد تجاوزت الفترة الرئاسية منتصفها وأصبح من الجائز النظر في الحصيلة وتقييمها والتعرف على ما تحقق من مكاسب سياسية، وسوف نحاول وبكل موضوعية عبر هذا المقال تتبع مختلف المحطات التي مر بها مسار الحكم وإلقاء حزمة من الأضواء الكاشفة تمكننا من رؤية ما تحقق من منجزات مادية ومعنوية مع التركيز على المناحي السياسية.



وقبل أن أمضي قدما في بسط الحديث في موضوع المنجزات، خليق بي استحضار الوقائع الماضية لمعرفة مختلف تجليات الأحداث وتأثيراتها على مجريات الأمور منذ مطلع شهر أغشت 2009 وحتى منتصف أغشت 2012، ذلك أن الأحداث تؤثر في بعضها فهي كموجات البحر لا تكف عن التأثير المتبادل.


استلم الرئيس محمد ولد عبد العزيز زمام الحكم في موريتانيا في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد، اتسمت بالتجاذب الحاد بين مختلف مكونات المجتمع السياسي الوطني، كما اتسمت بأزمة اقتصادية ومالية خانقة جعلت من أوكد الطموحات لدى المواطن العادي توفير الغذاء والتأمين من الخوف.


الداخل الجديد إلى القصر الرئاسي بنواكشوط لم تصبه الدهشة بل كان على علم مسبق بجسامة المهمة الملقاة على عاتقه، فبادر منذ أول يوم بتدشين مشروع مجتمع جديد ورسم له أهدافا واضحة ومتكاملة تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتراعي متطلبات العصر وتنسجم مع طبيعة الدولة والمجتمع.


فعلى الصعيد السياسي تم إحراز نتائج مكنت من زيادة ترقية المسار الديمقراطي وتوسيع فضاء الحريات، أما على الصعيد الاقتصادي فقد تم تحقيق معدل نمو جيد، وتمكنت الحكومة من إعادة التوازنات الاقتصادية الكبرى، وفي المجال الاجتماعي تحققت إنجازات على مستوى تطوير الإطار القانوني للمصادر البشرية وتحسين التجهيزات والبنية التحتية التعليمية والصحية وتم رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 30% لينتقل من 21.000 أوقية إلى 30.000 ألف أوقية.


وسوف أركز في معالجتي هذه على المكاسب السياسية نظرا لكون السياسة هي المحرك الرئيسي للتنمية بمختلف شعبها الاقتصادية والاجتماعية، ونظرا كذلك إلى أن شرعية الحكم في أي بلد من بلدان العالم تستمد من الإصلاحات السياسية المقام بها، وهو الأمر المتحقق في الحالة الموريتانية، فإلى جانب الشرعية الانتخابية التي يحظى بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أحرز في السنوات الثلاث الماضية شرعية الإنجاز على أكثر من صعيد.


أولا: دولة القانون


يقصد بمفهوم دولة القانون، خضوع الدولة لسيادة القانون حتى تتمكن المؤسسات الدستورية من الاستمرار في عملها دون تعطل وفي جو من الديمقراطية، وتحت فضاء واسع من الحريات، وهذا المفهوم عندما نحاول إسقاطه على الحالة الموريتانية في السنوات الثلاث الفارطة سوف نلاحظ اقتراب الوضع العام في البلاد من الحالة التي تكون فيها الدول دولة قانون، ولن أعتمد أسلوب الكلام المرسل، بل سأركن إلى دعم الحديث في هذا الموضوع بالوقائع والشواهد التي تخرج مقاربتنا هذه من حيز التوصيف النظري إلى التطبيق العملي لمبادئ وأسس دولة القانون في واقع الدولة الموريتانية على مدار السنوات الثلاث الماضية.


لقد قامت الحكومة منذ 6 أغسطس 2008، بتصميم برنامج متكامل يرقى إلى مستوى مشروع مجتمعي رتب الأولويات التي ينبغي التركيز عليها على المدى القصير والمتوسط على نحو يكون فيه المواطن الموريتاني هو المستفيد الأول والأخير من خيرات بلاده وبشكل يضمن عناية خاصة بمكونات الشعب الأكثر هشاشة والتي تعرضت للإهمال في الماضي والتلاعب بمصالح المواطن البسيط والشرائح الهشة حتى أصبحوا غرباء في وطنهم.


وتطلب إصلاح الوضع المختل سابقا في مجال إرساء دولة القانون الارتقاء بالممارسة الديمقراطية من مجرد وضع تسييري جامد إلى مستوى عال من الدينامية والانفتاح وإرادة الإصلاح والإجماع حول المصالح العليا للشعب الموريتاني.


ويدخل ضمن تعزيز دولة القانون إصلاح القضاء حيث تم رفد المؤسسات القضائية بطاقات جديدة ووسائل لم تكن متوفرة في الماضي عززت من استقلاليته وفعاليته حتى أصبح يلعب دوره بكفاءة ونزاهة واكتسب مصداقية لدى المجتمع وأصبح المتقاضي يعتز بقاضيه الطبيعي ويطمئن إلى أحكام القضاء.


وفي إطار الفصل ببن السلطات الذي هو مظهر كذلك من مظاهر دولة القانون، ننوه بما يقوم بع البرلمان من عمل يندرج في الوظيفة التشريعية، فقد أبان البرلمان الموريتاني عن قدرة فائقة في مجال مناقشة مشاريع القوانين وتعديلها عند الاقتضاء والمصادقة عليها، كما لعب دورا هاما في مجال مراقبة أعملا الحكومة ومساءلة الوزراء عن قطاعاتهم وتوجيه العمل الحكومي وإمداده بالأفكار والتصورات القابلة لأن تتحول إلى مشاريع تنموية مجدية.


وإلى جانب السلطة القضائية والسلطة التشريعية قامت السلطة التنفيذية عبر أداتها الفاعلة الحكومة بتنفيذ مشاريع وبرامج تستهدف محاربة الفقر ومكافحة الفساد وترشيد الموارد الوطنية وبذلك يكتمل الدور في أقطابه الثلاثة القضاء، البرلمان، الحكومة. وتنتظم حركة سير المؤسسات لتتكامل في أدائها وتعطي صورة مشرقة من صور دولة القانون بالمفهوم الدستوري.


ثانيا: الحوار والانفتاح


أعتقد أنه من المفيد قبل الدخول في موضوع الحوار والانفتاح الذي طبع المرحلة السابقة من حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، التعرض لمفهوم الحوار نظرا لعدم فهم بعض الأطراف السياسية الموريتانية لماهية وشكل الحوار على الرغم من شيوع استعماله والاختلاف في تحديد دلالاته.


إن المقاربات الموضوعية التي تناولت تعريف وتحديد مضمون الحوار ذهبت إلى أن المقصود بالحوار هو تبادل الآراء والأفكار بأسلوب سلمي وهادئ يجري بين طرفين، يسوق كل منهما من الحديث ما يراه ويقتنع به، ويراجع الطرف الآخر في منطقه وفكره قاصدا تبيان الحقائق وتقريرها من وجهة نظره.


لقد تبنت حكومة الدكتور مولاي ولد محمد لغظف، فكرة الحوار بعد أن لمست إرادة سياسية قوية لدى الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كتقبل الإصغاء إلى المعارضة من أجل تلاقح أفكار الأغلبية الرئاسية مع أفكار الفريق المعارض، واستفادة كل طرف من الآخر وهذا موقف منسجم مع التحضر والتمدن ويخالف التعصب وثقافة السيطرة والغلبة التي طبعت سلوك الحكام السابقين لموريتانيا.


ومن أجل تجذير الممارسات الديمقراطية في موريتانيا، نظم حوار وطني مابين 17 شتمبر 2011 و 19 أكتوبر 2011، وشاركت في هذا الحوار الأغلبية الرئاسية المدعمة من جهة، وأحزاب من المعارضة (التحالف الشعبي التقدمي، الوئام، حمام والصواب) من جهة أخرى، وقد جرى الحوار في جو من الحرية التامة، وبلا شرط مسبق أو محظور، وتناول مواضيع عديدة.


ولكي ندرك أهمية هذا الحوار، ينبغي لنا أن نتعرف على المواضيع التي تطرق لها المتحاورون ثم النتائج المتمخضة عن الحوار، حينها يتشكل لدينا تصور صحيح عن ما جرى ويسهل علينا تقييمه بموضوعية دون تحيز أو تحامل.


إن المواضيع المدرجة في جدول جلسات الحوار هي:


 سبل تعزيز الوحدة الوطنية وتمتين اللحمة الاجتمايعة؛


 ترسيخ دعائم الديمقراطية بما في ذلك مبدأ الفصل بين السلطات وتوسيع نطاق فضاء الحريات؛


 ترقية النظام الانتخابي على المستوى القانوني والمؤسسي؛


 تجذير ثقافة التناوب السلمي على السلطة وإعطاء مكانة تليق بمقام المؤسسة العسكرية مستمدة من تقاليد الممارسة الديمقراطية السليمة والأعراف المدنية؛


 تطبيق مبادئ الحكم الرشيد وعصرنة الإدارة؛


 معالجة القضايا الأمنية وما تطرحه من تحديات مثل مكافحة الإرهاب.


هذه المواضيع نوقشت من طرف ست مجموعات متخصصة وبعد الكثير من الدراسة والتمحيص، قدمت كل مجموعة تقريرا عن الورشة التي شاركت فيها وعرضت التقارير على لجنة للدعم من ثمانية عشر عضوا، وبعد دراسة التقارير تم جمعها في وثيقة لتكون بمثابة النتائج النهائية لحصيلة أشغال الحوار السياسي الوطني، وهي من وجهة نظرنا ترقى إلى مستوى اتفاق سياسي قابل لأن يتحول إلى برنامج وطني مجمع عليه مقبول ومستساغ عند الأغلبية العظمى من الفاعلين السياسيين الموريتانيين.


وعندما نقوم بقراءة سريعة لنتائج الحوار الوطني نستخلص عددا من القضايا الهامة التي تم الاتفاق عليها، والتي إذا ما طبقت ستكون بمثابة بلسم الشفاء لما تعانية بلادنا من صعوبات. من ذلك الفهم الصحيح لفكرة الوحدة الوطنية التي ينبغي أن تعزز انطلاقا من قيم تمليها طبيعة التعدد الثقافي لشعبنا والحق في الاختلاف، مما يتطلب إضافة إلى توطيد اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد تطوير وتنمية لغاتنا الوطنية، يضاف إلى هذا المنحى الثقافي للوحدة الوطنية ملف اجتماعي تدعمه إرادة سياسية قوية ويهدف إلى القضاء على مخلفات الرق وتوفير ظروف حياتية كريمة للطبقات الأكثر هشاشة من مجتمعنا وهذان المنحيان يتكاملان ويتناغمان ويشكلان شرطا لا غنى عنه للمحافظة على وحدة الشعب الموريتاني وتماسكه الاجتماعي.


ومن بين نتائج الحوار التي أعتبرها شخصيا معززة للديمقراطية ومرسخة لفكرة المشاركة وداعمة للشفافية والحكم الرشيد، اعتبار الحكومة مسؤولة أمام البرلمان. ولتجسيد هذه الفكرة يقوم الوزير الأول بعرض برنامج الحكومة أمام الجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهر واحد بعد تعيينه من طرف رئيس الجمهورية.


ويخضع برنامج الحكومة بعد نقاشات البرلمان وردود الحكومة لاقتراع لنيل ثقة النواب، وفي حال عدم حصول البرنامج على أغلبية أصوات النواب، يكون ذلك بمثابة ملتمس سحب الثقة من الحكومة.


ومن النتائج الهامة للحوار إنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وستكون بمثابة مؤسسة دائمة تشرف على جميع العملية الانتخابية وتتمتع بالاستقلالية التامة.


ومن ضمن نتائج الحوار التي تندرج في نطاق توسيع دائرة المشاركة السياسية في البلاد إدخال تحسينات على الإجراءات الانتخابية وحماية اللائحة الانتخابية المخصصة للنساء في انتخابات النواب عندما تم استثناؤها من قاعدة التناوب حسب الجنس.


وكذلك حظر الترشيحات المستقلة في كافة الاستحقاقات ما عدى الرئاسيات. وهذا الإجراء يعزز من مكانة الأحزاب السياسية التي هي دعامة الديمقراطية حيث يقول الفقيه الدستوري الفرنسي ديفيرجي “لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية”.


أما التعديلات الدستورية التي جاءت كثمرة من ثمار الحوار اليانعة فنكتفي بذكر النص على تحريم التغييرات غير الدستورية والانقلابات، وهذه المقتضيات الدستورية الجديدة من شأنها أن تجنب البلاد مخاطر عدم الاستقرار السياسي وتكرس ثقافة التناوب السلمي على السلطة، وترتقي بمستوى الحكم في البلاد إلى مصاف الأنظمة السياسية المدنية القادرة على مواجهة متطلبات التنمية وحماية مصالح الأمة.


خاتمة:


إن المرحلة الراهنة الممتدة ما بين أغشت 2009 وأغشت 2012 كانت حافلة بالنشاطات السياسية الهادفة إلى ترسيخ تقاليد الديمقراطية في موريتانيا والبحث الجاد عن آلية للتداول الديمقراطي للسلطة.


فخلال السنوات الثلاث الماضية عرفت موريتانيا مساعي موفقة لرسم الإطار الدستوري للنظام الديمقراطي في موريتانيا، ويمكن الجزم بأن القيم الديمقراطية التي أقرها دستور 20 يوليو 1991 والمعدل سنة 2006 وسنة 2011، قد تم رفدها خلال الفترة الماضية من حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بآليات ومؤسسات وفرت درجة من المشاركة لعدد كبير من المواطنين الراغبين في لعب دور إيجابي في الحياة الوطنية.


إن الإصلاحات السياسية التي قام بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز، مكنت من الحد من الفساد المالي والسياسي وغياب مظاهر الدستورية والديمقراطية وغيرها من المعوقات التي كانت السبب في الثورات الشعبية التي شهدتها بعض البلدان العربية.


لقد رسم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ملمحا خاصا في تغيير الأوضاع في موريتانيا، ينسجم مع طبيعة الشعب الموريتاني الميال للتسامح ونبذ العنف والتواق للحرية والعدالة والتضامن الاجتماعي. لذلك يتعين على كل غيور على موريتانيا المشاركة، بشكل أوسع في حقل السياسة والتنمية وخاصة النخب حتى نحصن بلادنا من تداعيات الثورات والقلاقل التي تعرفها في هذه الآونة بلدان عديدة من مغرب العالم العربي ومشرقه


p-89EKCgBk8MZdE.gif


aqlame.com





Filed under: موريتانيا, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, أقلام التغيير

No comments:

Post a Comment