Sunday 26 August 2012

حينما يرمي طفل شقي مثقل لوحه في النار ‫#موريتانيا

[status draft]


اختنقت مثل غيري من الموريتانيين بدخان الكتب التي قدمها الناشط السياسي برامه ولد عبيدي قربانا إلى النار يوم جمعة؛ لكنني اختنقت أكثر بروائح النفاق تفوح من حكامنا وسياسيينا (في المعارضة والموالاة)، ومن فقهائنا أيضا.

قررت ألا أكتب وسط “الزعيق” الذي أثاره حرق الكتب المالكية التي طالما قدسها الموريتانيون واستخرجوا منها أحكام دينهم…

قلت لنفسي إن الكتابة ستكون صراخا وأنا أتابع ألسنة اللهب تلتهم ” الحطاب”، و”المدونة الكبرى” لابن القاسم، و”حاشية الدسوقي” و “مختصر خليل ” وشروحه، ومتونا “ابتدائية” عرفتها وأنا ما أزال طفلا، مثل” ابن عاشر”، و “ألأخضري”.

تأخرت في الكتابة لئلا أصف برامه بالأحمق، وفي البلد من هو أحمق منه؛واستحكام الحماقة فيه أكثر خطورة على الكل.. ولن يفيدني وصف الرجل بالفاسق بينما هناك من هو أفسق منه، ويحرق كل ما تدعو إليه كتب الدين والأخلاق آناء الليل وأطراف النهار؛ وفي مقدوره أن يجعل الفسوق فضائل..

لو لم يكن برامه يدرك أنه لا يقوم إلا بدوره في عملية حرق شاملة تجري في البلد لكل ما هو مقدس وجميل وعادل،لما أقدم على فعلته… ولو لم يكن واثقا من أنه يستطيع، لما جرؤ..

وربما يكون صمتي إلى الآن عائدا إلى استيقاظ الطفل في وإحساسه بقدر من الرضا وهو يرى برامه ينفذ له ما عجز عنه مرات.. فكم تمنيت أن أدس لوحي في النار الموقدة أمام الخيمة فأستريح منه، ومن لسعات عصي معلمي القرآن..

ولعل برامه بفعلته الشنيعة هذه لم يكن إلا طفلا شقيا عجز عن فهم ما هو مسطور في اللوح فدسه في النار ليرتاح من لسعات ماض هو واقع في سجنه.. وهو محظوظ لكون ناره لم تمتد إلى ما هو أقدس، وأسمى مكانة: كتاب الله…

ألقى برامه إلى النار بكتب فقهية تضم كلاما عن “العبد” والأمة” في الماضي السحيق… ولم يكلف نفسه عناء البحث في ما إذا كان المسلم ملزما بتلك الأحكام، أو مأمورا بإبقاء بواعثها قائمة (أي العبودية).

في القرآن الكريم آيات تتحدث عن “العبد” و”الأمة”، و”ملك اليميـن”…

هل قرأ مثلا الآية ( 178) من سورة البقرة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ

وليس المجال هنا للحديث عن الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، والقول إن:”الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.” جزء من الآية نسخته أخرى هي: “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” ” ( 45المائدة)، لكن أحيل القارئ إلى تفاسير “القرطبي”، و”ابن كثير”، و “الطبري”، و”البغوي”.

وأحيل القارئ وبرامه أيضا إلى هؤلاء المفسرين بشأن هذه الآية:

“وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ” (المؤمنون 6،5)

لا ريب في أن الفعلة الشنيعة والمتخلفة التي قام بها هذا الرجل أثارت الغضب والصدمة لدى كل الموريتانيين، غير أن سلوك كثيرين اتسم بالنفاق والانتهازية كالعادة..

وفي استغلال مشين للحادثة المشينة اندفع معسكر الموالاة ولفيف من الفقهاء في حملة مؤيدة للرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تبرأ بدوره من العلمانية، وأصدر ما يشبه الالتزام بتطبيق الشريعة الإسلامية في حين تحكم البلاد بقوانين مدنية، في دولة مدنية، و لا يتوقع أبدا أن تطبق فيها الشريعة –على الأقل- في عهد الرئيس الحالي.

والمعارضة هي الأخرى عادت إلى الاستغلال السياسي بعد الإدانات الواسعة والمطلوبة، حينما فطنت أن الرئيس عزيز يكسب نقاطا من خلال تقديم نفسه حاميا لشرع الله.

ولعل الفقهاء ( ولا أعمم) كانوا الأضعف أداء في هذه الأزمة ذلك أن “النتف” التي نشرتها منظمة “إيرا” من نص مختصر خليل كانت صادمة لكثيرين يجهلون أبسط أمور الفقه، ولم يسمعوا قط عن الرجل ولا عن كتابه. وهم ليسوا بالقلة.

وكان أحرى بفقهائنا أن يشرحوا للناس موضوع العبودية في الإسلام بدلا من الاصطفاف في هذه الجهة أو تلك…

إن نصوصنا المرجعية مليئة بتراث الرق ، وهي تقنن لممارسة كانت قائمة وكانت أهم أسس النظام الاقتصادي حينما نزل القرآن الكريم، ولم تخل منها فترة من فترات التاريخ الإسلامي.

وعلى الفقهاء (الموريتانيين) ألا يدسوا رؤوسهم في الرمل… عليهم أن يواجهوا الحقيقة، فإذا كانوا فعلا يعتقدون أن العبودية حق مشروع يجد السند في الرسالة السماوية التي نؤمن بها كلنا ونحتكم إليها فعليهم إعلان ذلك والدفاع عنه… وإذا كانوا يعتقدون أن استرقاق الإنسان للإنسان ممارسة بشعة ومتخلفة ولم يأمر بها ربنا؛ بل إن الإسلام – في الواقع- حاربها، وكان نصيرا للمظلومين، فإنهم هنا ملزمون بشن الحرب عليها وعلى من يمارسها… وعليهم التخلي عن تلك الفتاوى الخجولة التي تصدر في جنح الظلام…

على الفقهاء أن يشرحوا الآيات الواردة في القرءان عن الرق، وأن يضعوها في سياقها التاريخي… هذا إذا كنا نريد التخلص من هذه “اللعنة” التي تطاردنا أينما حللنا..وكنا نريد الحد من ظواهر “المتنطعين”، و”المتطرفين” و”المجانين”.

لقد مارس الغربيون العبودية في أبشع صورها… باعوا العبيد، واشتروهم، وقتلوهم، وعذبوهم، لكنهم استطاعوا التخلص من”اللعنة”، وهم الآن ملاذ برامه وأمثاله، وهم أصحاب الإحصائيات ” الكاذبة ” التي تتحدث أحيانا عن مئات العبيد في موريتانيا، وأحيانا أخرى عن الآلاف.

الشيخ بكاي


موقع جريدة بيس نيوزبيبر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment