Sunday 26 August 2012

‫#موريتانيا‬‏ أطار: الدرس الصارخ

لقد أبرزت النسخة الثالثة من “لقاء الشعب” والمنظمة يوم 5 أغشت 2012 في عاصمة ولاية آدرار، أسلوب الرئيس عزيز في تسيير الشؤون العامة. كما كشفت عن الصعوبات التي تواجه بعض الفاعلين على الساحة السياسية-الإعلامية الوطنية، في ما يتعلق بالاستغلال المسؤول للحريات الديمقراطية.


أطار: الدرس الصارخ

تفويض منسقية المعارضة الديمقراطية



لقد كانت المخاوف السياسية سائدة، عشية 5 أغشت 2012، في أوساط منسقية المعارضة الديمقراطية لدرجة أنه سقط في أيدي رموز الفساد الذين ينضوون تحت أحزابها، فلم يستطيعوا أن ينقضوا بشكل مقنع الأرقام التي أدلى بها الرئيس عزيز حول المؤشرات الإيجابية. إن مستأجري هذا المنتجع السياسي الحقيقي المسمى منسقية المعارضة الديمقراطية لم يجدوا أفضل من اللجوء إلى المراهقين السياسيين؛ حيث أرسلوا حفنة من الشباب العاطلين عن العمل لتشويه وجه عاصمتنا الفتية بالقيام بكتابة مثيرة للضحك على الجدران، في وقت لم تكن فيه حرية التعبير في البلد قط أكثر شمولا مما عليه اليوم ولم تكن فيه وسائل الاتصال أكثر قابلية للولوج إليها وأكثر تنوعا وعصرنة مما هي عليه الآن. ولا شك أنه يحق لمالكي هذه الجدران، الخصوصيين والعموميين، الحق في تقديم شكوى بسبب الإضرار بممتلكاتهم ضد "حركة الشباب الموريتاني" المعروفة اختصارا بـ "MJM" (أو "محمد جميل منصور").



المنسقية انتدبت كذلك -وعلى وجه السرعة- عناصر لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة، ينتمون كلهم لـ "الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا" الذي يشكل زائدة فطرية لحزب "تواصل"، من أجل تحويل مسار القافلة الرئاسية المصممة أكثر من أي وقت آخر على المضي قدما. لقد تلاشت، في أسرع من طرفة عين، صيحات الأمينين العامين السابقين لقسمي الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا في كلية العلوم والتقنيات وفي كلية الآداب والعلوم الإنسانية، السيدين محمد أحيد ولد محمد ومحمد سالم ولد أحمد محفوظ، وكذلك الناشط السابق في الاتحاد والمراسل الخاص لجريدة "السراج" في المغرب السيد مصطفى (الذي دخل الملعب ببطاقة مهنية من مؤسسته الصحفية)… تلاشت صيحات هؤلاء، إذن، أمام الاحتقار الذي واجههم به الجمهور الذي يقدر عدده بثلاثين ألف متفرج. ويؤكد هذا الحادث ما ذهبت إليه أغلبية ساحقة من الطلبة والمواطنين: إن الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا ليس له من صفة النقابية إلا الاسم، وهو يمثل رأس حربة النضال السياسي الذي يقوم به "الإخوان" للوصول إلى السلطة. إن الاتحاد الوطني وصورته الرمزية (حركة الشباب الموريتاني MJM) ومن يقفون وراءهما معروفون بفظاظتهم وميلهم للتحريض على العنف في الشارع، ويؤكد حادث أطار هذه الحقيقة بدون أدنى شك. وربما كان يجدر بهؤلاء السحرة-المتدربين أن يفكروا في التأثيرات التي قد تتسبب فيها استفزازاتهم المتكررة، خصوصا أن تعاليم القرآن الكريم واضحة في هذا الصدد حتى مع غير المسلمين: "ولا تجادلوا أهل الكتاب (اليهود والنصارى) إلا بالتي هي أحسن".



إن منسقية المعارضة الديمقراطية، التي تستوحي توجهاتها من الإخوان المسلمين المحليين، لا تزال تصر على نشر خطاب يتميز بالكراهية الحشوية والفوضى والعنف المدني في وجه أغلبية ساحقة من الموريتانيين، في محاولة للتشكيك في خيارهم الديمقراطي الحر في بلد معروف عنه أنه مسلم بنسبة 100%.



لا يكترث "تواصل" بالقانون المنظم للاحتجاجات العامة ولاحترام آراء الآخر؛ إنه -باختصار- غير مكترث بالخصال الديمقراطية الحميدة ومقتضياتها. ورغم حصيلته البائسة التي لم تتجاوز 4.76% في استحقاقات سنة 2009، يعتقد هذا الحزب امتلاكه لحقيقة كل شيء وضد الجميع ! لقد نجح في "تسكيع" نظامنا التربوي من خلال تسييسه المفرط. وهو يحاول الآن "صعلكة" ديمقراطيتنا الفتية بالمزاوجة بين وسائل غير مشروعة (كتابات على الجدران، مظاهرات غير مرخص لها، تشكيك في الانتخابات العامة لسنة 2009 وتحريض لعصيان مدني في أطار) وأخرى مشروعة (نظام الحزب المعترف به، استجواب الحكومة في البرلمان، المداخلات عبر وسائل الإعلام العمومية، والاحتجاجات المرخص لها). إن على حزب "تواصل" وغطائه، منسقية المعارضة الديمقراطية، أن يختارا -وبشكل نهائي- بين العمل السري الاستبدادي والشرعية الديمقراطية. اليوم يستفيد المنطق المشوش والقروسطي لحزب تواصل من تجربة "الإخوان" الكارثية في تونس؛ حيث لا يخفي البعض حنينه إلى عهد بن عالي القاتل… وتعيش مدينة سيدي بوزيد من جديد فورانا وغليانا؛ لأن القضاء على البطالة في صفوف الشباب في القرن الحادي والعشرين لا يمكن أن يتم بمجرد التعاويذ والتمائم. والدة البوعزيزي تقبع في السجن؛ والكوليرا، الذي اختفى من تونس قبل ثلاثين سنة، ظهر فيها من جديد، بينما يتم التحرش بالإنجازين الأكثر أهمية في تونس الحديثة واللذين لا يمكن إنكارهما، وهما النظام التربوي الرائع ومدونة "الأحوال الشخصية" المواتية لتحرر المرأة، على خشبة التعصب الظلامي. الليبيون يواصلون "تلويهم" وفق خطوط انقسام قبلية وعرقية، و"الإخوان" تعرضوا في هذا البلد لهزيمة انتخابية مدوية وخصوصا في طرابلس. ومصائب مرسي الغريب الأطوار في مصر تثير الضحك تحت تأثير "شوكة الحلق" التي تعرفها سيناء… إن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها مصر هي ذات طبيعة اجتماعية-اقتصادية. وما إن ينتهي موسم الابتهاج بعد الخطب (الطويلة) الطنانة، في ظل عدم وضوح يائس، حتى يدرك المصريون … أن العلة التي نبحث عنها لا تكمن هنا ويستأنفوا، كما هو الحال في تونس، سعيهم الحثيث من أجل الكرامة، في الوقت الذي تتهدد فيه تدفقَ النيل آفات خطيرة منها بناء سدود ضخمة في إثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا، وفي الوقت الذي تعاني فيه صناعة السياحة في البلد، رغم أنها ظلت دائما مزدهرة إلى حد كبير، اختناقا بسبب التعصب وانعدام الأمن. لم تعد "هبة النيل"، مصر، تحت حكم الإخوان، تمتلك الوسائل الدبلوماسية والعسكرية الكفيلة بالرد بشكل رادع على "الصفعة" التي تتعرض لها عند مصب النهر، دفاعا عن "كوتاتها" الحيوية.



إن الأعراف السياسية في موريتانيا فريدة من نوعها؛ حيث يمكن لحزب سياسي أن يعترف -بشكل قاطع- بهزيمته الانتخابية ويسعى إلى التحالف مع الفائز في الانتخابات من خلال إعداد لوائح مشتركة للترشح، قبل أن يتبنى خطا ثوريا، وينتقل إلى النضال السري دون أن تجد وسائل الإعلام "الحرة" ما تقوله عنه، ودون تدخل من القضاء ودون أن يشعر ضميرنا الديمقراطي الجمعوي بالإساءة إليه. في موريتانيا قد تطلب جهة سياسية، بشكل مكتوب، تأجيل الانتخابات للسماح بتنظيم حوار وطني، قبل أن تتراجع عن المشاركة في هذا الحوار عند انطلاقه، وتعارض عبثا تنفيذ نتائجه وتحتج على تأجيل… الانتخابات دون أن تجد وسائل الإعلام "الحرة" في الأمر ما تنتقدها به ودون أن يصدم ذلك وعينا المدني الجماعي. في موريتانيا، يمكن لمراسل خاص لوسيلة إعلام "حرة" هي "السراج"، في إطار تغطيته لنشاط رسمي، أن يهاجم -علنا- رئيسا منتخبا بصفة ديمقراطية دون أن تقوم أي منظمة مهنية بالرد على هذه البلطجية الناشطة في هذه السنوات التي تنورها الأخلاقيات الصحفية. إن هيمنة التضليل والنضال السياسي-الإعلامي، إلى جانب ظهور نفاق يعود لزمن آخر، ليست جزءا من الصفات الأساسية لتسيير عام ناجح. بل على العكس من ذلك…



فالرئيس محق أكثر من ألف مرة عندما أكد في أطار، وبهدوء، أن الحوار مع المحرضين العنيدين "يمر حتما بصناديق الاقتراع". وفي سنة 2009 لم تمنع حكومة الوحدة الوطنية الموسعة بعض الخاسرين من الحديث عن "أشياء غامضة"، مثل السحر والشعوذة، لتبرير هزائمهم الساحقة، عندما قررت الجماهير الفقيرة في هذا البلد، بعد تكدسهم طويلا في التهميش، أن تصوت لصالح المرشح عزيز. لقد نقمت المنسقية على عزيز؛ لأنه قرر "إغلاق الحنفية"، بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة، أمام قادتها بعد أن استنزفوا موارد البلاد على مدى الخمسين سنة الماضية، مانعين من الغذاء والماء والدواء والكهرباء الغالبية العظمى ممن لا صوت لهم في حين كانوا يتبجحون بوقاحة بترفهم.



اعتقد "كهول" الثوريين الموريتانيين أن التوقيع، في 3 أغشت 2012، على وثيقة أوموفوبيا يعتبرونها برنامجا سياسيا مشتركا، سيحقق هدفا ثلاثيا يتمثل في الاستحواذ على رأي عام وطني كان -حينها- مشدودا بشكل كامل إلى الحدث السياسي-الإعلامي الذي شهدته أطار، وفي التأثير سلبا على حسن سير هذا الحدث، وفي محاولة لإبعاد شبح الانقسام الذي يخيم على المنسقية. فبعد الفشل الواضح في المسيرات المرخصة والتي أعد لها بشكل كبير، تحتم على المنسقية أن تفعل شيئا ما تحت طائلة ابتلاع المرارة والغرق في موجة الصدمة الآتية من أطار. بيد أن تصريحات أعضاء نافذين في المنسقية، إضافة إلى الاستفزازات العبثية لثلاثي الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا (=حركة الشباب الموريتاني= تواصل) خلال حفل أطار، والتوقيع -عشية الحفل- بالأحرف الأولى على "اتفاق" غبي، والتصريحات التي أدلى بها خلال الحفل السيد بيجل ولد هميد، زعيم الائتلاف من أجل التناوب السلمي… كل ذلك يؤكد سقوط المنسقية المدوي وغير القابل للمقاومة، على المستوى السياسي.

مأثرة معادة



حققت النسخة الثالثة من "لقاء الشعب" نجاحا باهرا بسبب نوعية الفكرة ذاتها، وبسبب الإعداد الجيد له وكذلك بسبب الحصيلة الرائعة لرئيس الجمهورية.



كانت الفكرة مزيجا رائعا وناجحا بين مقتضيات المؤتمرات الصحفية والمهرجانات الشعبية. فكانت الأبواب الثلاثة لملعب القرية المهمشة "امباركه أعماره" مفتوحة أمام الجمهور، بما في ذلك للمستفزين المحتملين، الأمر الذي يحيل إلى مهرجان شعبي؛ لكن وجود منصة فنية وصفين من الصحفيين يقول لنا إننا أمام مؤتمر صحفي حقيقي. كان جزء من الجمهور جالسا على الأرائك وحتى على الأرضية، وذلك من خصائص المهرجانات، بينما جلس جزء آخر على كراسي، مشيرا إلى أننا في مؤتمر صحفي. وهذه المزاوجة بين الخيام اللينة والجدران الصلبة تعكس كذلك ازدواجية المصنف وغير المصنف. وهو مفهوم يتجدد في مزاوجة أسئلة الصحفيين و-في الوقت ذاته- الجمهور الحاضر والمشاهدين الذين تدخلوا عبر الهاتف والإنترنت. كما أن استخدام الرئيس لحاسوب محمول من أجل تمرير منحنيات وجداول ورسوم بيانية أضاف بصمة تربوية مهمة وأضفى مسحة من الحداثة ومن الدقة في التصريحات.



ولم تُتْرَك للصدفة الاستعدادات لهذا الحدث، ابتداءا من اختيار مدينة سياحية مرموقة كأطار واختيار ملعبها الثاني الواقع وسط حي شعبي في غاية الروعة. وإعادة القيمة للسجادة القليدية بجعلها إحدى عناصر ديكور المنصة، للسنة الثانية على التوالي، تم تعزيزها هذه السنة بإضافة الحصائر المحلية الجميلة إليها. يتعلق الأمر بإعادة الاعتبار لميزة هامة من سمات ثقافتنا وصناعتنا التقليدية الجميلة بشكل استثنائي، والتي يتم تسويقها -أحيانا- وبشكل غير عادل تحت مسميات مختلفة في الدول المجاورة. كانت إضاءة المكان مريحة لآلاف العيون الموجهة نحو المنصة، بشكل مباشر أو عن بعد. وتم نصب شاشات عملاقة في الموقع لمنع أن يحد الزحام بالقرب من المنصة من متابعة الحدث بالكامل. وفي إشارة إلى ضيافة سكان أطار، كان النخيل المثمر يحرص، بحنان، على ترتيب جيد للحفل كله. وأرعبت الخيام الجميلة والهشة المضروبة في الموقع، السماءَ في هذه الليلة من الخريف المبكر. ولم تترك "الفأرة" التي كانت تقفز على مكتب حاسوب الرئيس عزيز و"الراصد" الذي كان يلاصق المكتب، من شك في تحديد العصر الذي يشهد ميلاد الحدث: نحن نعيش بحق وصدق عصر الثورة الرقمية ! وبإقناع كبير، استعرض الرئيس عزيز أرقاما لقياس التطورات الهائلة للاقتصاد الموريتاني. فاحتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الموريتاني، بعد أن انخفض في الماضي كثيرا ملامسا مستوى الصفر، يبلغ اليوم 717 مليون مليون دولار؛ أي ما يعادل ستة أشهر من الاستيراد. أما سندات الخزينة العامة، والتي كان "يتم إفسادها" لتصل نسبة فائدتها إلى14%، لم تتراجع فائدتها إلى أقل من 2.7% فحسب، وإنما صارت الدولة لا تلجأ إليها إلا لدعم النظام المصرفي؛ وموريتانيا تحتفظ، اليوم، بودائع مريحة من هذه السندات تصل إلى 52 مليار أوقية. وفي قطاع الصيد الواعد والحيوي جدا للبلاد، زاد التعويض المالي بموجب اتفاق الصيد الأخير مع الاتحاد الأروبي من 84.5 مليون إلى 113 مليون دولار أمريكي، وهو اتفاق يغطي عامين فقط بدلا من أربعة أعوام في الاتفاق السابق. وتضاعفت إلى أربعة أضعاف الحصة الخاصة بالعمالة الموريتانية لتصل إلى نسبة 60% بدلا من 15%. ولحماية الموارد، تم استثناء رأسيات الأرجل في الاتفاق الجديد وتم دفع مناطق الصيد المسموح بها بعيدا إلى الداخل؛ على الأقل 13 ميلا بحريا. وسيكون التفتيش اعتبارا من الآن عن طريق الفضاء وآنيا، بدل عبور الشحنات عبر قواعد لوجستية منصوبة في الخارج، كما كان يحدث في الماضي. وأخيرا وليس آخرا، فإن التفريغ سيكون بالكامل في نواذيبو وسوف توجه 3% من الكميات المفرغة إلى محاربة الفقر.



وارتفع الناتج الداخلي الخام بنسبة 50% لينتقل من 850 مليار أوقية سنة 2008 إلى 1239.9 مليار أوقية سنة 2012. ومما يثير استياء المواطنين غير الملتزمين مع الضرائب، فقد ارتفع التحصيل الضريبي بشكل كبير: 37.720.155.421 أوقية خلال النصف الأول من سنة 2010 مقابل 95.997.572.875 أوقية خلال نفس الفترة من سنة2012. وهذا التحسن في التحصيل الضريبي يؤكد الأداء الجيد للاقتصاد الموريتاني في ظل انكماش عالمي. وكانت البنوك الموريتانية الأولية أعلنت، في سنة 2010، عن تسجيل أرباح تراكمية وصلت إلى 234.191.275 أوقية؛ ونفس البنوك أعلنت، سنة 2011، عن تسجيل أرباح وصلت إلى 6.225.387.462 أوقية. وهو مؤشر آخر على تحسن مناخ الاستثمار وعلى صحة الاقتصاد الموريتاني. وساهم قطاع المعادن في ميزانية الدولة سنة 2011 بمبلغ 107.660 مليون أوقية مقابل 44.970 مليون أوقية لسنة 2009. وأعلنت شركات الاتصال عن تسجيلها، سنة 2011، أرباحا بلغت 22.121.830.060 أوقية، مقابل 7.775.020.622 أوقية سنة 2010. وبلغت عائدات التنقيب عن النفط على الخزينة العامة حوالي 28.1 مليون دولار أمريكي خلال الفترة 2009-20012، مقابل 5 ملايين دولار فقط للفترة 2005-2009.



إن أي ديناميكية للتنمية الاقتصادية-الاجتماعية، جديرة بهذا الاسم، تتطلب -أساسا- توفر الأمن وتوافر الموارد المالية (عصب الحرب)، وسلامة الخيارات الإستراتيجية والدقة في المتابعة والمراقبة.



في 25 نوفمبر الماضي، وفي حمية عيد القوات المسلحة والأمن، أعربت الغالبية العظمى من الموريتانيين عن اعتزازها عقب تنظيم مسيرة كان الإعداد لها جيدا ومحكما؛ حيث سنحت لهم الفرصة بالاطلاع عن قرب على المعنويات المرتفعة للرجال المسؤولين عن حماية البلاد، وبالاطمئنان على معداتهم اللوجستية. وفي أطار كشف الرئيس عن معطى يثير القشعريرة وطلب الشهادة عليه من رجال أعمال كانوا حاضرين: إن الجيش عندما أراد أن يرد على عدوان لمغيطي الهمجي لم يستطع التعويل إلا على بعض سيارات "سوفوموك المتهالكة" وسخاء بعض الخصوصيين الذين يملكون شاحنات ومستودعات وقود. واليوم تحسب وسائل الدفاع عن البلد "بأقسام كاملة مجهزة تجهيزا جيدا" بالإضافة إلى "وسائل جوية". و"سيكون هناك شيء جديد في نهاية السنة…" وعد الرئيس.



إن موريتانيا في ظل حكم الرئيس عزيز، وهي تقع في سياق أمني إقليمي شديد التقلب وتخضع لضغط مهاجر متزعزع، وهي بحاجة إلى إجراء انتخابات غير قابلة للطعن فيها، قد بدأت مشروعا طموحا لتقييد سكانها وفق المعطيات البيومترية الأساسية. لقد بادر المتطرفون العنصريون، من قبيل لا تلمس جنسيتي، بالقول إن هناك من يتعرضون للعنصرية والإقصاء حتى قبل معرفة تفاصيل هذا المشروع. فبالنسبة لهؤلاء يجب أن تظل موريتانيا بلدا يأتيه الأجنبي ويحصل منها في نفس اليوم على جواز سفر بثمن بخس، ويستفيد في اليوم التالي من عدم الحاجة إلى تأشرة للسفر، ويسافر بعد يومين إلى شمال أفريقيا ثم يتسلل إلى أوروبا التي يطالب فيها بحق اللجوء السياسي على أساس أنه ضحية لعنصرية بلده الأصلي موريتانيا ! وفي أطار أعلن الرئيس أن 1.252.000 مواطن موريتاني و10 آلاف مقيم أجنبي قد استكملوا إجراءات تسجيلهم وأن الناس يتفقون الآن على "مراكز استقبال المواطنين" التي يعتزم فتحها في داخل البلاد.



والإنتاج من الكهرباء تجاوز حاجز 44 ميغاوات الذي كان يوجد عنده سنة 2009 ليصل إلى 128 ميغاوات بعد ذلك بثلاث سنوات. وقد وصل عدد المشتركين لدى الشركة الموريتانية للكهرباء (صومولك) إلى أعلى مستوى له؛ حيث ارتفع من 106.830 مشتركا سنة 2009 إلى 153.929 مشتركا سنة 2012. يعتبر توافر الكهرباء بمثابة المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي وللحد بشكل دائم من الفقر والبطالة في صفوف الشباب. وازدادت الشبكة الطرقية؛ حيث تم في غضون ثلاث سنوات بناء وتأهيل 778 كم، ويتم حاليا تنفيذ1381 كلم أخرى وتمت برمجة 613 كلم آخر ستنطلق قريبا. وقد أنشئت شركة للطيران هي "الموريتانية للطيران الدولي" وتجري الأعمال في بناء عدة مطارات في البلاد؛ وأعرب مواطنون موريتانيون أخذتهم على غفلة منهم أحداث مأساوية في كوت ديفوار وليبيا، ومؤخرا سوريا، عن شعورهم وهم يرون طائرات ترفع العلم الموريتاني خفاقا تسحبهم من هذه المحنة. وجابت باصات شركة النقل العمومي شوارع مدينة نواكشوط التي خلت لفترة طويلة من وسائل النقل العام.



وتم إنجاز مشاريع كبيرة لتزويد البلاد بمياه الشرب، ولا يزال العمل ببعضها الآخر جاريا. يتعلق الأمر، من بين أمور أخرى، بآفطوط الساحلي (220 كلم) وآفطوط الشرقي (400 كلم) واظهر (240 كم) ومكطع لحجار (110 كلم). إن شبكة تزويد المدن والأحياء بالماء الشروب ستسهلك ما مجموعه 1100 كلم من الأنابيب، وستستهلك شبكة نواذيبو 101 كلم منها. أما شبكات توزيع مياه الشرب فقد ارتفعت من 350 سنة 2009 إلى 665 سنة 2012، محققة زيادة قدرها 90%.



أما قطاع الصحة فقد كان "الطفل المدلل" للسلطات العمومية خلال النصف الأول من المأمورية الحالية للرئيس عزيز؛ حيث ارتفع عدد المستشفيات المتخصصة من 3 سنة 2009 إلى 7 سنة 2012. وتم بناء مركز للحالات المستعجلة و150 نقطة صحية إضافية. وتضاعف عدد وحدات غسيل الكلى ثلاث مرات (من 30 إلى90). وازداد عدد سيارات الإسعاف بـ 64 وحدة. وازدادت أسرة الاستشفاء من 1450 إلى 2350.



خلال عشر سنوات من عمر الدولة (من سنة 1999 إلى سنة 2009) كان متوسط ما تستصلحه الدولة سنويا لغرض الزراعة 3229 هكتارا. وفي سنة 2010 تم استصلاح 5776 هكتارا و9679 سنة 2011. ومكنت إعادة تأهيل 2302 هكتار من دمج 185 من حملة الشهادات العاطلين عن العمل. وبفضل هذه الجهود، ارتفعت التغطية المحلية لحاجيات البلد من الأرز من نسبة 35% في المتوسط خلال الفترة 1999-2009 لتبلغ 53% سنة 2010 وتصل إلى 56% سنة 2011. وهكذا تم جمع الكميات اللازمة لخطة "أمل 2012" من هذه المادة الأساسية من حقول الأرز في البلاد؛ وهو ما يعني 157.187 طنا. وتم إدخال مادة القمح، السلعة الإستراتيجية الأخرى في مجال الأمن الغذائي، في الزراعة المروية في موريتانيا، سنة2011، بـ 28 صنفا؛ وللمرة الأولى فإن غلة الهكتار الواحد من زراعة هذه المادة مشجعة للغاية: 4 من هذه الأصناف أنتجت ما معدله 4 أطنان للهكتار الواحد، متجاوزة المعدل العالمي المتمثل في 3 أطنان للهكتار الواحد. إلى ذلك مكنت عملية ضخمة، استغرقت 2360 كم من السياج، من تسييج وحماية 49 ألف هكتار من الحيوانات السائبة، وهو ما يفيد السكان المهمشين في المقام الأول. وفي إيديني أنشئت مزرعة نموذجية بسعة 200 بقرة، وشمل التلقيح الاصطناعي 104 بقرة من مجموع ما في المزرعة النموذجية.



في أطار كان الدرس رائعا من حيث التواضع والدقة والشجاعة السياسية.



يمكن للمرء، عن حقد أو عدم نزاهة أو عن كسل فكري، تجاهل هذه الحصيلة الرائعة وتشجيع حفنة من شباب الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا (= MJM) على رفع شعار "ارحل" في سياق كوميديا محاكاة مشوهة، ولكن سجل الإنجازات الملموسة للرئيس عزيز يتعزز يوما بعد يوم.


استخدامات جيدة وسيئة للحرية



وبقدر ما قرر الرئيس اعتماد الشفافية بدون مراوغة وعدم إهمال أي سؤال مهما كان غير محترم للإتيكت، بقدر ما كانت المداخلات، في معظمها، استفزازية وغير متسقة ومنحطة. وجاءت انفعالات ثلاثي الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا وتواصل لتقنع الموريتانيين أن القيم الديمقراطية، مثل التسامح واحترام مؤسسات الدولة واحترام الخصوم السياسيين والذائقة العامة، هي أمور فارغة في نظر الأقلية الموريتانية المعارضة (منسقية المعارضة الديمقراطية). أما أسئلة الجمهور، المباشرة أو عن طريق الهاتف أو الرسائل النصية القصيرة أو البريد الإلكتروني، فقد بدت، في كثير من الأحيان، أقرب إلى تعليقات طويلة (جدا) وشخصية. وكان ثلاثة من بين الصحفيين الستة الموجودين على المنصة مثيرين للسخرية؛ فبدل أن يكونوا أصواتا للمواطنين أو يناقضوا، بالأدلة القطعية، الحصيلة التي قدمها الرئيس، اختاروا عمدا أن يتحولوا إلى صدى الأوهام والسبر والذاتية. وفي هذا الصدد لفتت مراسلة الجزيرة انتباه الجميع إليها بفكاهتها؛ حيث سألت الرئيس عما إذا "كان مستعدا لترك السلطة" وداست بقدميها على الإرادة الحرة لـ 53% من الموريتانيين الذين أعربوا عنها يوم 18 يوليو 2009 في انتخابات جرت في ظل حكومة تشكل منسقية المعارضة الديمقراطية ثلثي أعضائها وبإشراف مباشر من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات التي كان نصف أعضائها من المنسقية ! وربما ستجد مراسلة قناة "الدمار الشامل" صعوبة أكبر في طرح نفس السؤال في بلدان عربية أخرى لا يزال فيها الاقتراع العام من التابوهات، ولا تزال فيها المرأة تئن تحت وصمة العار والرفض بحيث لا يحق لها أن تسوق سيارة أو تعبر عن رأي قد يغضب. ولكن لأن الحرية شاملة في موريتانيا، فعلى مراسلة الجزيرة أن تتمتع بها لتسويق الإثارة في هذه الأيام التي تنقص فيها الديمقراطية في الخارج، والإساءة إلى غالبية الموريتانيين.



وجاء صحفي آخر تم تكوينه فورا بفكرة سيئة تمثلت في إعادة طرح مسألة "قمع" الاحتجاجات؛ حيث شرح له الرئيس أن النظام الحالي لم يرفض أي طلب ترخيص بالتظاهر، لكن بعض الفاعلين السياسيين يوفدون بعض الشباب، سرا، للكتابة على الجدران وتلطيخها تحت جنح الظلام وتجييشهم للتظاهر بعنف (بدون ترخيص) في معهد ابن عباس. إن قوات الأمن بقدر ما كانت تمتنع من الحضور إلى الأماكن التي تعرف مظاهرات مرخصا لها، فإن عليها واجب منع تنظيم المظاهرات غير المرخص لها؛ وهذه هي القاعدة في هذا المجال، بما في ذلك في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية العتيدة. فحين لا يتم تطويقها بالمسؤولية، تصبح الحرية حاملة معها بذور الفوضى.



أما الصحافي الثالث فإنه لم يطرح إلا مشاكل "فئته" الاجتماعية، ونسي أنه كان عليه تبني القضايا الوطنية وأنه باستمراره في حشر نفسه في الفئوية الضيقة ينطلق من تقسيم وهمي للبلد بدلا من المساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية. إنه ليس من المعقول أن نطالب بالشيء وبنقيضه. وإذا كان الصحفي عن "والفجر" قد أثار، محقا لدرجة كبيرة، مسألة تراجع السياحة في آدرار، فإن الصحفي عن "لو رينوفاتير" ربما كان من الأجدر به، على سبيل المثال، توجيه سؤال حول الانقسام السياسي وخطورة "عدم قابلية الحكامة" والذي يعصف بالبلاد.



لقد توسع مجال الحريات العامة بشكل كبير في البلاد تحت قيادة الرئيس عزيز، بيد أن قوى سياسية رجعية، مثل تواصل، لا تزال تستمر في الاقتراض من سجل الحالة الاستثنائية، باللجوء إلى مظاهرات فوضوية، مع الاستغلال المفرط لجميع الجبهات التي يتيحها السياق الجديد للأحداث، عبر رفع شعارات مضادة للديمقراطية ! وتواصل بعض أجهزة الصحافة "الحرة"، مثل alakhbar.info، ترويج الشائعات وتلميع أحزاب سياسية معينة وشن حملات تشهير ضد خصومهم، كما في ثقافة "تراكتات" في الأيام الخوالي، مع استفادتهم على نحو غير ملائم من الدعم العمومي ومن شبه حصانة قضائية. إن للصحافة "الحرة" بالتأكيد حقوقا، ولكن عليها أيضا التزامات أخلاقية ومهنية وفي إطار ثقافة المواطنة في سياق التغير المتسارع الذي يعرفه المجتمع الموريتاني. إن الاستخدام الحسن للحرية يوفر فرصة السلامة من الرداءة. أما سوء استخدامها فيمكن أن يكون مرادفا للجحود.


سيدي ولد أحمد (خاص بنور أنفو)





noorinfo




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment