العيادات الخاصة استنزاف ممنهج لجيب المواطن البسيط ..
تلك هي خلاصة زيارتي هذا المساء لإحداها … تخبرنا إحدى النساء في حديث من أحاديث قاعات الانتظار أن كلفة إخراج قطعة من الورق من أنف ابنها الصغير كلفتها ما يزيد على 100000 اوقية في أكثر من زيارة ..استغربت جدا من الأمر ولم يطل استغرابي فقد بادرتها أخرى قائلة لم لجأت إليهم رغم بساطة الأمر قالت إن قسم الحالات المستعجلة بالمستشفى الوطني كانت جهة استغاثتها الأولى .. وعجزوا عن نزع قطعة الورق تلك ..
تعود بي الذاكرة وهي تحدثنا… الى هناك .. الى قصة عشت تفاصيلها المؤلمة … لن أنسى فصولها ما حييت .. ابن خالي ..طفل في عامه الثالث أدخلناه بأيدينا الى بؤرة الموت تلك التي تسمى المستشفى الوطني لإستئصال اللوزتين … اشترينا الرداء .. استلمنا الملابس الصغيرة والأحذية الحبيبة … سلمناه الى أيد ظنناها أمينة…. يطول الوقت… نتوجس خيفة من وجوههم البائسة التي تعاقبت على غرفة العمليات .. يخرج إلينا أحدهم “العملية ناجحة ونحن بانتظار استيقاظ الصبي من وقت لآخر …..”..يعود بعضنا الى المنزل ليطمئن الاخرين ممن لم تسمح لهم صحتهم بالتواجد معنا في المستشفى ويبقى الباقون وأنا من ضمنهم ..تبلغ القلوب الحناجر بعد تأخر استلامنا لولدنا وتأخذ وساوسنا في التفاقم ، مالأمر… ؟..لنتبين بعد حين أنهم … قتلوه .. نعم قتلوه بجرعة زائدة من المخدر .. وعند الغسل كانت المفاجأة العملية لم تجر أساسا … لعبوا على عواطفنا … استغلوا ألمنا و مصابنا ولفقوا قصة العملية ونجاحها …
انشغلنا في الدفن والعزاء ولم نتابع ملف الجريمة النكراء .. كان الرضى بقضاء الله .
تشدني حركة الطفل على مقعد الانتظار ..تعود بي الى جو العيادة وأحاديث قتل الوقت .. انظر الى ضمادته الأنفية واحمد الله سرا أن أمه فضلت خيار القطاع الخاص ..
ذاك إذن هو واقع قطاع الصحة في وطني بميزانيته الضخمة ومعداته المستوردة وأطباءه سيئوا الطباع ..العاجز عن نزع قطعة ورق من انف صبي .. فكيف بعملية جراحية معقدة كانت أو بسيطة كلي يقين ان قصص مفزعة عن تركهم لبعض المعدات في جوف هذا ودماغ ذاك وأخطاءهم التشخيصية قد وصلتكم وأن بعضكم عايش تلك القصص عن قرب كما حصل معي ..
ينقسم شعبنا _صحيا_ الى قسمين .. وعلى فكرة شعبنا دائما ينقسم الى قسمين ..
الأغنياء وتلك فئة لا تستأصل اللوزتين هنا فكيف … برصاصة
وفئة “الأغلبية” .. الأغلبية فقرا .. الأغلبية جهلا ..الأغلبية مرضا وجوعا وقهرا
والأخيرة هي ضحية سماسرة الدم الباحثون عن الثراء على حساب الضعفاء ..
ليبقى المواطن أمام خيارين “لهما ثالث”..إما أن يفقر جدا أو يمرض جدا ..
وإما وهي حاله يفقر جدا ويمرض جدا … ليستحق أن ينضوي تحت لواء “رئيس الفقراء …. المرضى”
تحياتي ..
Filed under: موريتانيا, مرصد حقوق, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, مرصد حقوق, أقلام التغيير
No comments:
Post a Comment