الزميل المهدي ولد لمرابط كاتب القصة المستبعدة |
حجبت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية “الهابا” جائزة الصحافة لحقوق الانسان التي تقدم لها الزميل المهدي ولد لمرابط بقصة صحفية تعالج مأساة طفلة من ضحايا العبودية.
وعزا لمصادر من داخل اللجنة المكلفة بمنح الجزائز قولها إن رئيس لجنة صندوق دعم الصحافة احمدو ولد امبيريك اعترض علي نص الزميل باعتباره يعالج قضية العبودية التي لم تعد موجودة في موريتانيا وتهدد السلم الاهلي.
وهدا نص القصة الصحفية التى تم استبعادها لأسباب سياسية بلعيدة عن المهنية:
“البـيـكـه”: تــريـد أباها
أحيت قصة الخادم “امباركه منت أساتيم” وبناتها في العبد “المين” مأساة إخوته الثمانية. ولم يكن وهو يخطو خطواته الأولي نحو الحرية متأكدا أن حلمه سيتحقق.. سمع الكثير والكثير.. وأن هناك عبيدا –مثله- تحرروا…..
فالطفلين “سعيد” و”يرك” ما عادوا رعاة يسيرون خلف قطعان “الإبل”، ولم يعودوا مجبرين علي التجوال في الفيافي بحثا عن الكلأ.. إنهم يدرسون، ويلعبون مع أقرانهم ويمرحون..
اما الخادم “منت أساتيم” فقد تخلصت من أسيادها الجبارين.. الذين تبادلوا علي اغتصابها في ريعان شبابها.. وضربها في ربيع عمرها، وحرمانها من كل شيء.. حتى الصلاة لم تكن تؤديها..
تأكد “المين” من غايته، وقرر الترجل نحو هدفه، والرحيل من مكان الي آخر.. حتى رست به سفينة أحلامه الي شاطئ الحرية..متسلحا بالعزيمة.. طاردا الخوف من مخيلته…
لم تكن احتياجاته كثيرة، و لم تكن معقدة ..فكل ما يسعي إليه هو تحرير إخوته… عندها حمل حقيبته اليتيمة…عاقدا العزم علي أن “لا تراجع ولا استسلام”..
***
كانت “البيكه” التاسعة من إخوتها ولا يصغرها إلا المختار الذي يبلغ من العمر خمس سنين.
لم تختر هذه الطفلة مصيرها، حيث عاشت طفولتها في جحيم العبودية، علي يد أسياد تخلصوا من مشاعر الإنسانية والصفات الآدمية، فهي في مقتبل عمرها.. تسع سنين…كأنها وردة تفتحت بين الأشواك..
تعود جذور مأساة “البيكه” إلي حوالي ربع قرن من الآن، عندما رفض الأسياد ذهاب أمها الخادم مع زوجها أمبارك ولد لقظف إلي مكان عمله الجديد علي الحدود الموريتانية المالية، بمنطق أن العبد بعض من متاع سيده، فعلي “أمبارك” إذا الاختيار بين أن يظل مع زوجته عند مرابع أسيادها أو الذهاب وحيدا كما جاء.
قرر أمبارك الرحيل بعد معاناة طويلة، تاركا وراءه أبناؤه الستة (محمد الأمين، زينب، الطالب جدو، الشيخ عمارو، محمد المختار، عينه).
بعد رحيل الزوج ورفيق الدرب في الشقاء، جنت الزوجة، وظلت علي إثره هائمة في الفيافي، وفي حقول النخيل وبساتين الخضروات…
اتخذت الخادم الأم في أوقات عافيتها، من الخضار والفل مؤنسا لها في وحشتها وغربتها، بعد أن أجبرت علي ترك الحبيب.
وبقيت مزرعة يغرس فيها السيد وأهله شهواتهم الجنسية التي أثمرت (عيشة، البيكه، المختار)، وعاشت مع أطفالها حياة مزرية في ظروف صعبة داخل مسكن متواضع (تيكيت.)
ولما لا فالخادم وأبناؤها التسعة عبيدا لأسيادهم بحكم أنها ملك يمين، وهو ما يمنحهم تلقائيا لقب العبودية الموروثة، “وهو اللقب الوحيد لديهم”.
هكذا عاشت “البيكه” بعضا من طفولتها الأولي في خدمة ملاكها، حيث عملت مربية لأطفالهم –بالرغم من حداثة سنها-، وراعية لأغناهم، إضافة إلي بعض الأعمال المنزلية، “كانت آخر من ينام وأول من يستيقظ”.
ما زالت “البيكه” تتذكر معاناتها بعد أن تحررت، وتتدفق الدموع من عيونها البريئة، وهي تتذكر أيام الشقاء وحال والدتها المجنونة.
تشعر “البيكه” في تلك اللحظات بالخوف من المستقبل وما تخبئه لها الأيام، فلا هي تعرف أباها، ولا هي راشدة حتى تتدبر أمرها أو تساعد والدتها في إعالة أخويها الصغيرين: عيشة ذات السنوات السبع والمختار ذو الثلاث سنوات، “بعد أن تفرق الإخوة التسعة”، الكبار تسلمهم والدهم، أما “البيكه” وشقيقيها فهم ما زالوا في رحلة البحث عن من يستضيفهم مع أمهم.
تدرك “البيكه” الآن أن هناك فرقا بين حياتها السابقة واللاحقة، فهي سعيدة بحريتها، إلا أنها حزينة لمصريها، حيث يحاصرهم الأسياد عقابا لهم علي حلمهم بالحرية والعيش كباقي البشر.
“هل حقا سأذهب للمدرسة وأتعلم كبقية الأطفال، وأشاهد المسلسلات وقت الظهيرة، ولن استيقظ فجرا لتأدية الواجبات المنزلية “. بهذه الكلمات نطقت “البيكه” ونحن في صالون بمدينة العيون انتظارا لنهاية فصول قضيتها وإخوتها.
وتتابع “البيكه” وهي تجول ببصرها في فضاء الغرفة بحثا عن ما هو خارج أسوارها، والدموع تنهمر من عينيها، ” أكثر شيء يحزنني هو كيف ستبيت أمي الليلة، فهي لا يغمد لها جفن إلا وأخي الصغير المختار في حضنها، ستبكي طوال الوقت وليس بجانبها من يواسيها، فكلنا هنا، وكما تعرفون فأمي مجنونة”.
ترقرقت عيون الحاضرين متأثرين بكلام الطفلة، الذي يبدو ككلام كهل بلغ من العمر عتيا. حاولت شخصيا بعد هذه اللحظة العاطفية أن اشغل الطفلة عن التفكير خوفا من أن يلحق بها أذي، فأخذت جهاز التحكم عن بعد (تلكوماند) وغيرت محطة التلفزيون الي أخري للأطفال، كان لحسن الحظ أن ساعتها كانت تبث المسلسل الكرتوني الشهير “توم وجري”، فتفاعلت “البيكه” مع المسلسل تاركة هموما وراء ظهرها ولو للحظة”.
المهدي ولد لمرابط
Filed under: موريتانيا, مرصد حقوق, أخبار Tagged: موريتانيا, مرصد حقوق
No comments:
Post a Comment