Wednesday, 4 July 2012

‫#موريتانيا‬‏ يوميات البادية: خيمة الرك





يقال في المثل: اتسرتيح الكلام، ما يبني الخيام .


يوم العرس ضمن النهارات الكبيرة ,تتجدد به دورة الحياة ,لتنكسر عادة الزمن الميت وتجري دماء حمراء جديدة في عروق الوقت ،فتتراقص لحظاته نجوما مرحة توزع العطر و الأحلام الآمال و الهتافات و الدعوات الكريمة بين ربوع الطلح و الثمام والدوم وسلاسل الكثبان المنفرجة عن واحات نخل ترتوي بفيض سرمدي من ماء التاريخ .


يقال في البادية : اليوم صكة أهل فلان ، أو طبل الفلانيين .


و المقصود العرس ، إذ تتداعى نبضات الحياة وتنحصر الدنيا جميعا في بؤرة الزواج .


و الأسرة التي ستتزوج إحدى بناتها يصبح طنب خيمتها محط أنظار الجميع ، و أخبارها مطلب الكل ، ويكون جملهم الفحل مزهوا بتهداره وشدة اسوداد كفله .


الأصل أن يكون الزواج بقلة تنمو ببطئ وصبر ،منذ صغر الفتاة أو صباها البعيد ،ووصول الرجل إلى عمر الرشد الأربعيني ،فتكون هناك مسافة بعمر جيل نسور بين الزوجين ،لأنهم يقولون :المرأة لا يكفلها إلا ضريب جدها .


عندما تتربع النجوم على عروشها آمنة خسف القمر ،مصيرة الوجود طبقا أسود مغطى بزجاجة مبرقعة بالأنوار ،تنبلج حلكة الأفق عن نار كبيرة يشتهي منظرها التائه ، ويأمن برؤيتها الخائف ، يبصرها بعض القاصدين فيهتف مبشرا :


ــ تلك نارهم


ويطمئن آخر رفيقه المتأسف على تجشم عناء المشي :


ــ طبلهم الليلة .


قد تكون بداية قصة هي لقاء الرجل المؤهل بصبية (فصلت) أي لبست الجديد وعند ئذ تعلق صورتها الطفولية المترعة بفؤاده الراشد العميد فيمر طعم الدنيا لديه ويكرر مع الشاعر قوله بعد أن ينصفه :


+++ خالك حد اكبيل فصل شفتو مره تاك


درتو من لخلاك ينصل +++ وآب من لخلاك


يفضي الكبير بشاعره الخاصة مغلفة بالحياء إلى أمه فدولة الأمهات مختصة بمثل هذه الشؤون ،تقوم أمه بزيارة أم الصبية فتمدح أمامها ابنتها مسندة إليها خصال الظرافة والطرافة و البرور وتبقى عبارة جميلة معلقة بين العبارات و يختم المسعى بعقد ( السلك ) وهو الخطوبة الأولى .


و أي بنت في مرحلة ( عقد السلك ) سيعمل على تسينها باللبن و الطعام المملح و اللحم والدقيق و الكسكسي .


ويقولون للمرأة التي لم تتزوج قط لم يزغرد عليها شيئ أبدا .


بعد العصر ينكسر غيظ الشمس الخريفية و يتدغدغ الهواء و يزحف ظل الخيمة شمالا خلفها تنفصل عن الخيام مجموعة الفتيات وتسرن نحو الشمس واحدة تعلق على كتفها قدوما و الأخريات متوشحات بالحبال


يرتقين التل حطابات كالعادة و أمنيتهن ألا تبعد مسافة البحث و الجمع طويلا و القانون الذي يحكم خرجتهن هو لزوم الرجوع قبل أوان الغروب .


لم تكن الخيام كما تركنها منذ ساعة حركة غير عادية ونشاط مريب لقد حضر إلى الحي غائبون و ها كتلة من الرجل تغص بها خيمة هناك تدل دراريعهم الناصعة البياض و جمالهم المقيدة التي رسم العرق على ظهورها ما تراكم الآن في ساحة بين الخيام من أمتعة و صناديق .


كانت هذه المظاهر تدل على انطلاق عرس زينب وهي إحدى الحطابات التي ينغرز بعض الشرك في الحطب اللحظة في رأسها، و تشمر عن أقدامها وها هي الأم تعاجلها قبل أن تصل دافعة بالحطب عن رأسها و الإسراع بدخول الخيمة في خفروارتبك وتوارت تحت أعمدة الهودج بينما انهمكت الأم بمد أروقة الخيمة وتدارك ابنتها بملحفة معطرة وبعض الزبد الذي يدعك الجلد .


سوف تشتعل المناجاة وتقوم على أشدها تلك الليلة بين أفراد من أهل العريس و أهل العروس ، ويتم الإتفاق على عقد القران فيشاع .


يقال:( الجبدية تعكب اعلى الجماعة)


سيجتمع الشيوخ بعد العشاء أمام خيمة أهل العروس،تكون هي جامدة كالمريضة ومخفية كالفضيحة، سيعقدون قرانهما ويتلون الفاتحة،سيكون أحد الرجال صحبة بندقية مختبئ خلف الخيمة،عند إعلان العقد يطلق ثلاث طلقات احتفالا يهرب لصوتها الأطفال جزعا إلى أحضان الأمهات ، النساء يطلقن الزغاريد بقوة حتى تتموج أصواتهن على سطح القمر،تنسحب هيئة الوقار و الرشد تاركة المجال للهرج والعبث.


هنا يباح الكلام المسكوت عنه ، و يخرج الكل عن طوره بلسان إباحي جارح ، و يتصدر للغناء الفاحش متخصصون يتجمهر حولهم الفتيان والفتيات و النساء و الأطفال ، يغنون و يرقصون بفرح وجنون حتى الهزيع الأخير من الليل.


على مسافة قصيرة من المكان يسلم الولي للولي المهر.


في اليوم الموالي تبنى على مسافة خيمة ( الرك ) لتكون مستقرا للعريس و أصحابه وحزبه ويتداعى الناس من كل صوب ليشهدوا الطبل وتكل الأيدي من التصفيق حول (الرزام ) الذي يتعاقب على ضربة كل ذي ساعد خبير مقدام .


يقدم اللحم و الشاي و المذق بجود و إسراف و يزدهر سوق الغزل بين الفتيان و الفتيات الكاسيات ملحفة ( النيلة ) الفوارة .


بلال ومحمد يتطاحنان في مبارزة العصي كالجملين المتوحشين،وبعض الحضور النزق لا يجد مشاغبة ملهية غير إهراق كؤوس الشاي وأقداح المذق على جيرانه.


تقاد شاة سمينة لطلاب العلم في المحظرة.


أم العروس الكريمة توزع الكسوة على المرتادين وكذالك الأقداح و الوسائد و الأمشاط و المرائي، الناس سواسية في الطمع لكن هناك من يتجمل بالصبر و المواراة ومن يطلب بكل إسفاف وجرأة .


يدخل شيخ أبيض اللحية حلقة الرقص إنه من الكبار الذين لم يلحقوا بهم لسذاجته و ميله للدعابة و العبث يقول بصوت أجش:


ــ هذه الدراعة كنت أحتفظ بها ليوم الطبل.


ويغرق الحضور بالضحك .


إبنه فاق الماجنين جنونا،إنه قادم على ظهر جمل مسرع يستحثة بعقبه وعصاه تلوح له نساء بأطراف ملاحفهن يبلغ الجمل مداه و عماه فيلتحم بخيمة الطبل يحفزه راكبه على الإندفاع لمحاولة إسقاطها و إخافة من بها ولكن الجميع يتصدى له حتى لا تسقط الخيمة على رؤوسهم لا بد من أحد أصحاب العريس لملازمة العروس في كل حركاتها وحتى لا تهربهاصويحباتها الماكرات.


و إذا حل الليل حانت لحظة الزفة (المروح )


تعطر العروس وتتوج، وتلبس ملحفة من النيلة و تنزع عن كفيها ورجليها الحناء على رغمها و غالبا ما تحاول افساد حناءها حياء و توقع عليها الأم بعض الدعوات و تدفع بها إلى الموكب حيث يستقبلها العريس دائرة سوداء يلتحم بها بياض ناصع .


لقاء العريسين قد يكون لأول مرة،فيتم به التعارف الأولي في الحياة بين قاصر وكهل.


يقال أن رجلا تزوج فتاة صغيرة دون عمر الملحفة فلما زفت إليه وخلى بها انخرطت في بكاء متواصل فلم يجد إلا أن يحملها على كتفه يهدهدها حتى تنام،ويستحب للرجل أن يبرهن على فحولته البالغة أما المرأة فواجبها الإغراق في الحياء .


يقال في المثل : (فظاحة خديجة )


وخدوجة عروس ذهبت مختفية من زوجها حياء ثم وجدت تضع الغنم .


العروس البدوية في ذهن الرجل نموذج عال لا يعلق به دنس.


تزوج رجل مشهور بالأنفة فتاة عذراء،وقبل أن تزف إليه بقليل أعطتها أمها شيئا من العصيدة وعندما حصلت الخلوة بينهما أراد تقبيلها فوجد فيها رائحة العصيد فاشتد غضبه و تأنفه وطلقها قائلا:

ــ اذهبي إلى أهلك فأنت لا تصلحين للزواج،فكانت مطلقة بسبب العيش.


.

قيل بأن تيبة أرادت أيضا كالفتيات أن تتزوج ،فقالت لأهلها :لا أرعى الغنم بعد اليوم ما لم تزوجوني ،فنزلوا عند رغبتها و أرادو تلقينها درسا ، فلبس أخوها مسوحا واتخذ عصيا و تربص لها في قبة الزواج وظلت تيبة تحمر وتصفر وهي تنتظر بجذل الإنتقال إلى قفص الزواج ، و أخيرا أدخلوها إلى البنية عروسا متلهفة مشغوفة ، فأمسكها أخوها وربطها إلى العمود و طفق يجلدها بالعصي حتى الصباح.


في الصباح استباحت تيبة لرعي الغنم ، فأماطت عنها زينة العروس ، و التقطت عصاها قالت للغنم : ــ تك . ابتلاك الله بالزواج .


أما في زمن العري ، وهو فترة ندر فيها القماش وغلا سعره فتتحدث النساء يوم الغسيل عن حكاية رجل كان عنده ملحفة يتزوج بها ، إذ يقدمها مهرا لامرأة في المساء ، وينتزعها منها عند الصباح لتكون مهرا لأخرى مع أول مساء أخر .


وينظر العريس حوله في أول صباحاته ، إنه أصبح كبير قوم ، وستضرب له قبة وبعدها خيمة ، فلا يملك زمام السعادة طربا ، ويتوهم أنه قد جنى فعلا (خريفة بلا جعارين) .



أقــــلام حرة




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment