الشيخ بدو
” تقولين سيدي! من الذى جعله سيدي؟ ومن أعطاه الحق في امتلاكي؟ إن هذا الأمر يقض مضجعي.ترى أي حق له علي وبم يمتاز عني. أنا انسان بقدر ما هو إنسان ” .جورج هاريس مخاطباً زوجته إليزا في رواية العم توم في لحظة “حُلول” نضالي خالدة.
هذا المقال سيكون عبارةً عن زقزقات حول التعاطي مع قضية الرق، من طرف رؤسائنا الثلاثة، الراحل والآب المؤسس المختار والعقيد هيدالة والعقيد ولد محمد فال.
إن التعاطي مع ظاهرة الرق من طرف رؤسائنا السابقين يمكن أن يقسم إلى ثلاثة مواقف:
1.موقف تحرري تقدمي، يرى أن الانسان مكرم لذاته ،ومن الاجرام استغلاله تحت أي مسمى، فلا الدين يمكنه استعباد البشر ولا الخالق سمح لهذا الاخير بذالك. يؤمن هذا الاتجاه ايماناً راسخا بحقوق الانسان، ومن الناحية الايكولوجية فهو مدني الخلفية والمنطلق. وهذا الموقف تمثله “الداداهية” (نسبة الى المختار داداه) عندما تتعاطى مع مشكل الرق.
2.موقف رجعي في جوهره، ، براغماتي في طرحه، ايكولوجياً يبدوا بدوي الخلفية،على مسافة شبه معدومة من المجتمع التقليدي و تجمعات السافانا،هذا الاتجاه محظريٌ في تبريراته الغير مقنعة.(لا يعني هذا أن المحظرة غير مفيدة في الجوانب الايمانية).لكنه بفعل الضغط الخارجي يبدأ في الحديث عن الحرية الممنوحة من طرف “ولي الأمر” التى تعوض للاقطاعي و لاتنصف المستعبَد.و هنا تبدأ المنظومة الحقوقية الغربية تفرض عليه نوعاً من التطور و المرونة. وهذا الموقف تمثله ” الهيدالية”( نسبة إلى هيدالة).
3.موقف عنصري و نعاموي في طرحه و انكاري للظاهرة من أساسها ويعتمد على بعض المفرقعات البهلوانية الشوفينية منتهية الصلاحية كإتهام من يتحدثون عن الرق بالمتاجرة تارة و العنصرية تارة و الحقد و الكراهية تارات اخرى . وهذا الموقف هو ما اسميه ب “العلاوية” نسبة إلى (اعلي محمد فال).
ستلاحظون ان الشارع الموريتاني “الآن” منقسم في موقفه من العبودية الى هذه المواقف الثلاثة. البعض تحرري و البعض رجعي و البعض إنكاري.
الداداهية :
إن الداداهية التى نجدها في مذكرات مؤسس الجمهورية تبين لنا أن قضية العبودية ليست قضية مستحيلة الحل،مستعصية الفهم.فهي بحسب الداداهية سهلة الحلحلة، لكن بشرط عمل حكومي لمنع الظاهرة النُكر، يقول المختار:”ولن يختفي هذا الداء الاجتماعي من مجتمعنا إلا إذا أصرت السلطات العمومية، بإرادة لا تتزعزع، على القضاء عليه بكل الوسائل الممكنة وباستقلال المعنيين اقتصادياً”. يبدأ الموقف الداداهي بالاعتراف الصريح بوجود العبودية قيقول : “الرق ما يزال موجودًا لدينا بوصفه مخلفا من مخلفات الماضى على الرغم من منافاته للإسلام الحقيقي ولمنطق التاريخ.
إنه مشكل جد معقد يمارس فى مجتمعنا منذ قرون عديدة كما يمارس فى العديد من المجتمعات العربية الإفريقية وغيرها. وهو جزء لا يتجزأ من التقاليد السلبية لمختلف مكونات شعبنا سواء فى قسمه البدوي أو قسمه الحضري.”.ثم يعترف المختار بجهوده و هل كانت ناجعة أو لا فيقول: “وإنصافًا للحقيقة، ينبغى الاعتراف أن هذه السياسة وتلك التعليمات لم تطبق على الدوام حرفيا لاسيما فى المناطق النائية من البلاد التى لا توجد بها سلطات الدولة، وحيثما وجدت تلك السلطات فإنها تتأثر أحيانًا بالوسط المحافظ، إن لم أقل الرجعي. أما على مستوى القيادة الوطنية، فليس هناك جدال فى الهدف المنشود المتمثل فى القضاء على هذا الجرح الناكئ فى مجتمعنا”.
إن الداداهية هي موقف عقلاني في جوهره، تحرري و تقدمي في تعاطيه مع الإشكال. و صحيح انها لم تكن شرسة! بل حتى عنيدة! بل كانت محتشمة و مقصّرة في تعاطيها مع القضية بإعتراف المختار نفسه ، لكنها كانت تنطلق من فكرة الكرامة و الحربة و مكسب الاعلان العالمي لحقوق الانسان بإعتباره المرجع في العلاقة بين مواطني دواة التعاقد الاجتماعي و العلاقات بين البشرية جمعاء. كانت الداداهية تنظّر لتطبيق اسلوب نضالي ،كذالك الذى قاد لاستقلال موريتانيا من مستعبدها الاصلي فرنسا وهكذا يبدوا ان الداداهية تأثرت بماضيها النضالي عندما ارادت مواجهة الواقع الاسترقاقي في البلاد.
إن الشيء المهم في الداداهية هو أنها شخّصت المُشكل و اقترحت حلولاً عمليةً، كانت ستكون ناجعة لو طٌبقت ساعتها، زد على ذالك انها كانت تسعى لحلحلة الموضوع ،وفق رؤية تستحضر كل حين كرامة الانسان و قداسة حقوقه، رؤية تنظّر لدولة المواطنة،دولة المساوات، بإعتبارها هي المطلب الاساس الذي سيذيب سيطرة القوى التقليدية على المجال العام و الخاص..دولة القانون.
الهيدالية :
فيما يتعلق بالهيدالية فإنها تتعاطى مع قضية الرق أو الاسترقاق على انه أمر جيد، لكن القوى الغربية شوهته و اطلقت عليه عبارة مشينة و متآمرة و هي: ” استغلال الانسان لأخيه الانسان”!! و لم تقدم لنا الهيدالية تعريفا للرق يناقض التعريف الغربي الذي تستنكره على مايبدوا!!! وهكذا فإنها تتعامل مع قضية الرق تعاملاً ولدانياً “غلمانياً” ، لايقيم وزناً لحرية الانسان لأنه انسان، وانما لأن استمرار ظاهرة الرق سيتسبب في ازمات دبلوماسية مع الغرب!! تقول الوثيقة الهيدالية المرسلة الى العلماء و المشائخ : ” إن مشكلة الرق أصبحت مطروحة في نطاق سيء (استغلال الانسان لأخيه الانسان) الأمر الذى يشكل دعاية سافرة ضد ديننا الحنيف في الحاضر و المستقبل.” ثم يدعوا لتصدي للخطر القادم فيقول ” مع الأخذ بعين الاعتبار الاخطار التي تهددنا كمسلمين، إن لم نوقف المد الذى نلتمسه لدى إحدى فئات شعبنا، و الذى تتراءى وراءه يد غريبة على الإسلام”.
العلاوية
أما العلاوية (نسبة الى اعل ولد محمد فال) فليست مهمة،لأنها لا تقوم إلا على الانكار و الهروب الى الامام تارة، والى الخلف تارة اخرى،انها تعلم ان الرق موجود و واقع ولكنها تنتهج اسلوبا ً نعاموي مفضوح ، فهي تُنكر أن هناك ملفاً يسمى “ملف العبودية” وهي تتهم كل من يتحدث في الموضوع بإثارة الفتن، ولا تقدم العلاوية تعريفاً ولو واحد، للفتنة!! ولكنها تطلق الكلام هكذا على عواهله، لكي يظل المسكوت عنه مسكوتا عنه الى الأبد.
يقول اعل ولد محمد فال في مقابلة مع جريدة الاتحاد الاماراتية في العام 2008عند سؤاله عن ملفات حساسة مثل العبودية والمبعدين فيقول : “هذه ليست ملفات حساسة وليست اصلاً ملفات ،هذه قضايا يتاجر بها البعض و يتشبثون بها من أجل مكاسب مادية لكن الواقع يختلف عن ذالك جداً “.
لقد قمت بهذا البحث معتمداً على مذكرات الرؤساء الثلاثة ،لأبيّن من خلاله بأن المواقف الحالية من هذه القضية ثلاثة:تحرري،رجعي، انكاري. ليست مواقف جديدة بل هي قديمة قدم الظاهرة! وأتمنى ان نتجه جميعاً نحو حلحلة هذا المُشكل، الموجود واقعاً لا خيالاً، وأن ندرك بأنها ليست قضية فئة عن اخرى ،أو لون عن لون آخر، بل هي قضية اخلاقية في المقام الاول،يمكن لكل منا أن يضيف فيها ولها الكثير، اتمنى ذالك.اتمنى ايضاً ان تغيروا زاوية رؤيتكم لها.
Filed under: موريتانيا, مرصد حقوق, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, أقلام التغيير
No comments:
Post a Comment