إن عقاب الكذاب ليس أننا لا نصدقه بل انه لا يصدق أحدا (ج. برنارد شو)
منذ أن بدأ الجنرال عزيز لزومياته وحولياته الخطابية والقضية هي إياها. ما إن ينتهي الجنرال من خطاباته- المُسهلة من قبل صحافة إما مداهنة أو غير قادرة على طرح الأسئلة الحقيقية (أحدهم سأله عن مالذي على المعارضة فعله)- حتى يرتمي عتاة المصفقين على الأرضية ويبدأون في ضربها بقبضات أيديهم بنشوة صوفية مطلقين أحكاما أعشوية من نوع : “إن رئيس الجمهورية كان صريحا ومصارحا وصراحا وصرحا” أو أنه كان “مقنعا و مقتنعا وقنوعا وقناعا”. هذا طبعا مع ترطيبات أخرى من نوع التأكيد على “البساطة” و “الضحك”، المُقدمَةِ على طبق إطنابي من أفعل التفضيل ولا النافية للجنس والاستثناء. وطبعا يغدو هذا في الأيام القادمة إلهاما لشعراء الحزب الحاكم الذين يسارعون إلى إطلاق قصائد يشبهون فيها الجنرال بالنبي والمعارضة بالمنافقين. ثم يأتي دور مفكري الاصداغ والإبهام ليعلنوا نهاية المعارضة بالدليل القاطع والمفحم أن الجنرال تلعثم.
ولكن هؤلاء ليسوا مشكلة. لقد قالوا تقريبا نفس التمجيديات في كل من حكم البلاد (أحد هؤلاء مدحه بأنه يتابع الأوضاع وعلى اطلاع بالملفات وكأنه لاعب غولف وليس ديكتاتورا متحكما في كل شيئ). ولقد ازدادت فرص صعودهم الطبقي دوما بفعل هذا. المشكلة في الجنرال. فقد نجح هذا الرجل في الاستفادة من انطباع لدى الكثيرين وهو أن الكذب لا يمكن أن يمر عن طريق السطحية. وبفعل هذا الاعتقاد السطحي تم السماح بأن يمرر خطيب نواكشوط كثيرا من الأحكام التي تفتقر للدقة ليس فقط في المعطيات بل في المنطق وتقديم المعلومات.
2
يبدأ جنرالنا الطيب بالاستفادة من انتقادات سابقة فيقوم أخيرا بشكر المواطن على تعاطفه معه. وهذه فرصة ليقوم مباشرة بالتذكير بإنجازاته وبأنه بنى حدائق بابل المعلقة ثم فجأة وفي غمرة الحماس يتذكر الانتقادات الماضية لخطابه في أطار بأن الغالبية الساحقة من هذه المشاريع ممولة دوليا ولا علاقة لها ببركاته. وهنا يخصص الجنرال نقطة لهذه المعضلة. يؤكد أن كثيرا من المشاريع ممول دوليا بالفعل ولكنه سرعان ما يعيده لدائرة الإنجازات الحكومية بالقول أن سبب زيادة التمويلات الدولية عائد إلى ثقة الممولين في تسيير الحكومة وأن بفضل هذا فإن الحكومة لم تتقدم بطلب تمويل أي برنامج إلا وحصلت على تمويله (مع أنه سيعود في آخر الحديث ويكذب نفسه بالإشارة إلى برنامج طلبت الحكومة تحويل تمويله إلى برنامج آخر فرفضه المانحون).
تنطوي محاججة الجنرال عزيز- كالعادة- على مغالطة. فهو يوحي بأن غرض المانحين من التمويل هو نجاح البرامج وليس إحقاق قرض وفرض تبعية وشروط وفتح أسواق، وكأن المانحين هم حاتم الطائي وليسوا شايلوك وهو يبحث عن فوائد، ولو بأخذها من لحم الشعب. (بنهاية ديسمبر ستصل الديون الموريتانية إلى قرابة المليار ونصف المليار دولار، حسب البنك الدولي). أما المشكلة الثانية في منطق صديقنا فهي أن المشاريع الممولة دوليا ظلت دوما تشكل رقما أساسيا من المشاريع الموريتانية. وليس في الأمر جديد بالمرة. ولقد حافظت موريتانيا منذ مطلع الألفية على نسبة الـ40 بالمائة من المشاريع المدعومة أجنبيا. بل وكانت من قائمة العشر دول الأكثر مديونية في العالم واستفادت من إعفاء ديون في 2006 ثم أعادها الجنرال عزيز إلى وضعية المديونية القاسية. لقد ظلت المشاريع الممولة أجنبيا قضية موريتانية منذ حرب الصحراء لعدة عوامل بعضها متعلق بسيطرة بريتون وودز وفرض تقسيم العمل الدولي على الدول النامية وبعضها اقتصادي أو إنساني محض.
الأمر الأدهى في “نظرية التمويل مقابل الثقة” هذه أنها لا تشرح غياب تمويلات أساسية في السابق كالتمويلات الكويتية واليابانية (الأخيرة وصلت في عامين طائعين إلى مليارين). ما هو أكثر إحراجا في هذه المحاججة هو أن عدم ثقة المانحين في موريتانيا هو ما سبب أحيانا وقف تمويل المشاريع كما هو الحال في برنامج Millennium Challenge Corporation الذي يسمح لها بدخول عتبة نظام المساعدات الأجنبية الأميريكة، والذي نجت موريتانيا من خلال شروط اقتصادية في الوصول إليه في 2007. ولم يتم إخراجها من هذا البرنامج إلا بعد- وبسبب- الإنقلاب الذي قام به الجنرال عزيز 2008.
3
لا يمل الجنرال عزيزمن تكرار أسطورة المساواة الأجرية مستفيدا من نقد قديم للامتيازات التي استفاد منها موظفون أيام ولد الطائع. ورغم أن الفوارق الأجرية زادت في عهد ولد عبد العزيز (مثلا تم التخلي عن امتثال الحد الأدنى من الأجور الذي تم الاتفاق عليه في 2006 وفي المقابل تمت زيادة أجور كبار الموظفين بالضعف من رئيس الجمهورية إلى الوزراء والأمناء العامون للوزارات ومفوضو الشرطة مع جمودها تقريبا بالنسبة للموظف العادي أومع زيادتها بالخمس وإلغاء أهمية هذه الزيادة بزيادة الأسعار). لقد برر الجنرال عدم المضي قدما في زيادة أجرية كاملة كما حدث ذات مرة بالقول أن تلك الزيادات كانت تتم على حساب الميزانية. الذي قال هذا هو الشخص الذي أغرق البلاد في الديون بحيث أن ديونها ستصل إلى قرابة مليار ونصف المليار دولار في الشهر المقبل، بعد أن قدم إلى حكم بلاد معفية من أغلب الديون.
وأكثر من هذا فإن المساواة الأجرية ظلت دوما وهما. فقد حصل الموظفون والمعلمون المنخرطون في الحزب الحاكم والذين خرجوا في مهرجان الجنرال عزيز الأخير على زيادات في الأجور لم يحصل عليها المعارضون (المواقع نشرت وثائق تؤكد الأمر). وحصل نفس الشيئ في التحويلات فقد تمتع أباراتشيكات الحزب الحاكم من معلمين وأساتذة من البقاء في مدنهم بينما رُمِيَّ بالأساتذة والمعلمين المعارضين إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم في تحويلات إدارية ستالينية. ولم ينكر الجنرال تسييس إبعاد الأساتذة بل تقريبا طالبهم في المقابل- إسوة بعادل إمام- بإنهاء التسييس لينهي هو التسييس. هذا إضافة إلى تسريع عشرات الموظفين من مناصبهم أو حرمانهم من ترقياتهم منذ 2008 لأسباب سياسية. إن المساواة الإدارية هي أحدوثة.
4
في إطار موجة الامتنان للجيش على عدم أخذه زمام السلطة في الفترة التي قضاها الإمام المستور في السرير تقدم الجنرال عزيز بإعفاء الجيش من تهمة التورط في السياسة أو الإستفادة منها. وتذكر عقيدا طائعيا كان مديرا للميناء فقال أن الأمر لم يعد يمكن الآن. إن تدخل العسكريين في الحكم في موريتانيا لهو الأقوى منذ اللجنة العسكرية للخلاص الوطني. وصحيح أن عقداء ظلوا بارزين في نظام ولد الطائع، ولكن نظام ولد الطايع فقد صفته العسكرية منذ منتصف التسعينيات وتحول إلى بيرونية ذات طايع قبلي-سياسي تأخذ شرعيتها من ولاء شيوخ القبائل ونظام المحاصصة في الحكم. ولم يعد الجيش إلى الواجهة كمؤسسة حاكمة إلا مع الجنرال عزيز بحيث أنه في فترة الشغور الجزئي للمنصب الرئاسي استلم الجيش زمام الأمور لحين عودة الجنرال عزيز (كان الجنرال غزواني يدير دفة الأمور بحيث أن الوكالات المقربة من السفارات الخليجية نقلت مفاوضاته وتوجيهاته لهم بشكل واضح. ويُعتقد أنه صاغ تفاهما مع قطر في هذا الإطار، هذا إضافة إلى فتح لقاءات أوامر واجتماعات علنية مع السياسيين والحكومة).
إن الحزب الحاكم- الذي شكرَ العسكر على وفائهم للسطة- لهو نفسه دليل على نفوذ العسكر. يتشكل هذا الحزب أساسا من ثلاثة مجموعات: إسلاميو الظل والكتلة القومية التاريخية ونظام النومنكلاتورا المتأسس من الطبقة الإدارية لولد الطايع (هذا إضافة إلى “موريتانيا الأعماق” من العمائم ومزارع البصل والعشائريين وامتداداتهم القبلية والزبونية هنا وهنالك). إن هؤلاء الإسلاميون هم الأضعف من بين هذه الكتل: لا يمتلكون ماض سياسي، لا يمتلكون كفاءة ولا علاقات ولا حتى طريقة تفكير سياسية، ولكنهم مع ذلك يديرون الحزب الحاكم لسبب وحيد: علاقاتهم مع العسكر. ويمتلك الجنرالات الكبار وزراء ومسؤولون محسوبون عليهم في كل مرفق حكومي ولهم تعييناتهم في كل اجتماع مجلس وزراء وفي كل البعثات الديبلوماسية، هذا إضافة إلى التسريح التاريخي الذي قاموا بها لعقداء الجيش الموريتاني الكبار لمجرد أنهم يختلفون معهم سياسيا. إن حكم الجيش لم يبدأ قبل الآن.
5
مازال الجنرال عزيز يستخدم نفس التكتيكات المنطقية الخاصة به. عندما يتم سؤاله عن إخفاء معلومات بخصوص رصاصة 13 اكتوبر فإنه يستشهد بالدليل القاطع أنه هو تكلم وأن وزير الإعلام تكلم. ولكننا نعرف أن ما قاله وزير الإعلام هو بالذات مما لا يمكن الاستشهاد به في صدقية خطاب الحكومة في قضية الرصاصة. قال الوزير أن الإصابة طفيفة (وهي إصابة عطلت رئيس الدولة ولم تسمح له بالعودة إلى موريتانيا إلا اضطرارا لتسجيل اسمه قبل نفاذ الأجل الدستوري لفترة الشغور الكلي ثم العودة للتداوي). لقد قال الوزير أيضا أن الأمر ليس أكثر من إصابة طفيفة في الذراع.
في قضية السنونسي ارتكب مغالطات أخرى. قال إنه تم تسليم السنوسي لليبيا بسبب أن انتخابات جرت في ليبيا ونجمت عن حكومة موثوقة. لقد نسي حجته في أطار منذ أشهر. منذ أشهر قال إنه لن يسلم السنوسي بدون محاكمة. منذ أشهر كانت الحجة تتعلق بموريتانيا. بعد أشهر أصبحت تتعلق بليبيا. يحدث هذا بسبب تغييب النوايا الحقيقية كالأب الذي كان يمنع ابنته من الخروج بحجة أنها صغيرة ثم أصبح يمنعها من الخروج بسبب أنها كبيرة.
لقد ارتكب عدة مغالطات أخرى. عندما تم سؤاله عن تجاهل النقابات في إعداد العلاوات قال أن الأمر جار إعداده، (مع العلم أن القرار تم إمضاؤه). قال أنه لا توجد أزمة اقتصادية بفعل وجود سيولة في البنك المركزي. الأزمات الاقتصادية لا تقاس بما تملكه الحكومات بل بما تنفقه. إن ما أنفقته الحكومة على برامج الفقر ليس أكثر مما تنفقه منظمات أجنبية إنسانية. ولقد حرص النقد الدولي على هذا. قالَ أن العدالة تحسنت. المؤشرات وتقارير المحامين تحيل إلى زيادة حالات الحبس التحكمي بالضعف، زيادة نسبة اكتظاظ المساجين، وخفض ميزانية إطعام المساجين إلى النصف، هذا إضافة إلى اختطاف المساجين من قبل الدولة.
6
إحدى أكثر المغالطات التي قام بها الجنرال كانت في شأن حرب الوكالة. و لا يتعلق الأمر فقط بقوله أن محاججة الحرب بالوكالة محاججة للقاعدة (فنحن نعرف أن القاعدة سرقت المصطلح من المعارضة بعد أكثر من ثلاثة أشهر على استخدام المعارضة له). لقد استخدم مغالطة تحرير الجارية وهي تغرق بإعلان أن موريتانيا لن تشارك في الحرب في شمال مالي في الظروف الحالية. هذا التصريح لا يخدع أحدا. صحيح أن دولة الساحل أعلنت عن المشاركة في تحرير عسكري لشمال مالي في 11 نفمبر. ولكن من الواضح أن حرب الغرب (وهي ما نسميه الحرب بالوكالة) ليست قريبة الإندلاع. إن تقرير بان كيمون ومن قبله تقرير رومانو برودي، المعد بتاريخ 20 نفمبر، يحيل إلى أن الحرب لن تنشب في شمال مالي قبل سبتمبر 2013. في غضون هذا يمكن للجنرال عزيز أن يطمئن الرأي العام أنه لن يُحارب في مالي. إن هذا إعلان جيد. ولكن ما عليه الطمأنة عليه هو أنه لا يتورط في غضون ذلك- كما تقول الصحافة المالية- من خلال دعم الحركة الوطنية لتحرير أزواد أو- وهذا أخطر- من خلال التفاهم مع أنصار الدين (هنالك من يتوقع انتهاء العداوات مع أصدقاء أنصار الدين الاقليميين قريبا).
إن كل شيئ يتحدد بتغيرات مواقف أصحاب حرب الوكالة. الجنرال عزيز ألمح إلى تعاون فرنسي قبل صدور تقرير الأمم المتحدة، المؤجِل للحرب. إن الجنرال عزيز متورط في مالي. وهو وساركوزي جزء من مشكلة شمال مالي. واليوم فإن لدينا من المعطيات ما يسمح لنا بالتشكيك في أنه يلعب دورا ازدواجيا تلتقي فيه مصالحه مع قطر ومع فرنسا ويتم فيه اتباع المخطط الفرنسي بشراء ولاء جماعات محاربة لقاء بقاءها في الشمال المالي ولعبها دورا بالوكالة نيابة عن موريتانيا وفرنسا. هذه هي مهمة الجنرال عزيز الآن، التي شكره عليها الرئيس الفرنسي وحصل منها على هدنة قطرية.
7
قال الجنرال عزيز أشياء مضحكة عن الأسعار. قال أن أسعار النفط تتصاعد دوما. ليس الأمر دقيقا، جنرالي. النفط هو أكثر الأسعار تضاربا في الأسعار. إن تضارب مؤشرات أسعار النفط كافية بإثارت الصداع في رأس فيل هندي فقد تراوحت في السنوات الماضية بين 30 و 145 دولارا ومازالت تواصل رحلتها البندولية جيئة وذهابا (أسعار برميل النفط في 2008 كانت 97 دولارا ثم صارت 53 دولارا في 2009 وهذا العام هي دولار93 في المتوسط).
قال أن الأسعار لا تنخفض. الحقيقة أن الاسعار انخفضت حتى في عهده هو أحيانا فمثلا انخفض سعر الأرز المعروف بـ”يبركَـ” من 8200 إلى 8000 أوقية ما بين 2009 و2010 (والآن ارتفع مجددا ليصل إلى 11800). ومثلا انخفضت أسعار المعكرونة من 2600 أوقية إلى 2600 ما بين 2009 و2010 (والآن هي 3200). بل إن بعض المواد انخفضت ما بين العام الماضي والعام الحالي كما هو حال الطحين (الفارين) والسكر، الذين انخفضا عن أسعار 2011 (الأول من 8775 إلى 8600 والثاني من 12159 إلى 11000).
ولكن في الحالة العامة تزايدت أسعار المواد الغذائية في الفترة التي حكم فيها الجنرال عزيز ما بين الـ17 بالمائة إلى الـ30 بالمائة وهي الأعلى في تاريخ البلاد والأكثر تقاربا. إن خداع الجماهير بأن الأسعار لا تنخفض ليس تبريرا للوضع القائم فقط بل هو تستر عليه، وربما هو إعداد للمواطنين لموجة ارتفاع أسعار كبيرة. إن النواكشوطيين يدركون بوضوح تساهل الحكومة مع المركنتاليين الكبار في المدينة والسماح لهم بالاحتكارات الكبرى مما يسمح لهم بالتواطئ فيما بينهم على زيادة الأسعار. إن هذه مشكلة طائعية أصلا (أحمد ولد داداه كتب مقالا مهما في الموضوع في اواخر التسعينيات ومازال غير متجاوز) ولكنها ازدادت مؤخرا بسبب ضيق دائرة المحتكرين الكبار.
إن السبب الأساسي في ارتفاع الأسعار هو أن الجنرال عزيز يذعن لبرجوازيته المحلية ويرفض القيام بإنفاق اجتماعي وإنفاق لتدعيم الأسعار عدا النكتة التي يسميها النقد الدولي بالإنفاق المستهدِف والتي تسمحُ بتمويل دكاكين تخفيضية بدل دعم الأسعار. إن أقل الوزرات إنفاقا لميزانيتهما في حكومة الجنرل عزيز لهذا العام هي وزارات الدعم الاجتماعي: وزارة الصناعة والتجارة والسياحية (أنفقت فقط 48.29% من ميزانيتها) وزارة الصيد والاقتصاد البحري (48.73%) ومفوضية الأمن الغذائي (43.57%) ووزارة الشؤون الاجتماعية والأسرة والطفل (49.36%). يعني هذا أن هذه الوزارات لا تنفذ حتى نسبة 50% من وعودها التي هي دون المأمول أصلا (ولكن إعلانها لتلك الوعود يسمح للجنرال وشعراء الحزب الحاكم في كتابة قصيدة من الحماسة ثم العودة خصم المبالغ المذكورة في الوعود).
8
لقد أعلن الجنرل عزيز عن أشياء جيدة مبدأيا: 1-إلغاء ضريبة الـITS. 2-المضي اتفاقية الصيد الأوروبية و 3-إعلان عدم التدخل في مالي. ولكنه سرعان ما فرغ هذه الأشياء من محتواها كالعادة وستبقى هذه النقاط بلا فائدة ما لم يتم ترجمتها إلى: 1-تحويل نظام الدكاكين المخصوصة إلى سياسة دعم الأسعار مما يساهم في خفض الأسعار المتصاعد. 2-جعل اتفاقية الصيد تقف على قدميها بإلغاء اتفاقية الصيد الصينية وإدماجها في نفس الشروط مع الاتفاقية الأوروبية (بما يعنيه ذلك من مرارة من خسارة بعض المال الذي دخل حرز الأصدقاء). 3-ترجمة سياسة الحياد الإيجابي في مالي إلى عدم تورط لوجستي أو استخباراتي أو تورط عسكري محدود في مالي.
يُحسب أيضا للجنرال أنه تجاوز قضية الرصاصة بينما المعارضة ما زالت تجعل منها قضية حاضرة. ولكن تفوقه هذا يُقابل أيضا بفشل في كونه يريد تجاوز المعارضة الأساسية والتاريخية في تنظيم مسار أحادي لأزمة ليست سياسية فحسب، بل دستورية (هنالك دستوري كبير وحيد هو ولد حرمة لا يعتبرها أزمة مع أنه يعترف أن الآجال القانونية للبرلمان انتهت. بقية الدستوريين الكبار من لوغورمو عبدول إلى ولد داهي لا يرون إشكالا في حالة عدم الدستورية. بالنسبة لهم هو واضح وبديهي). لا يمكن معالجة هذه الأزمة بدون إجماع وطني. إن التاريخ الموريتاني الحديث ينبئنا أن أي حل أحادي لقضية وطنية لن يحظي بالشرعية. إن شرعية العمائم وشيوخ القبائل وبساطير العسكر هي أمر زائل. إن الشرعية الحقيقية هي تلك التي تأتي من اتفاق في المنهج (وليس بالضرورة في حكومة الوحدة الوطنية) مع القوى السياسية الشعبية، المحترفة والمتمرسة-والمزعجة- سياسيا.
خطاب القصر/ أبو العباس ابرهام.
Filed under: موريتانيا, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, أقلام التغيير
No comments:
Post a Comment