الأحد 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2012
في مقابلة جريئة ومثيرة اجرها زعيم المبادرة الانعتاقية بيرام ولد الداه ولد اعبيد مع صحيفة “لوزافريك” المغربية ذات التوجهات الإفريقية، تحدث فيها عن الدوافع الحقيقية التي قادته الي المحرقة الرمزية لبعض الاراء الفقهية، مضيفا انه لم يحرق مؤلفات إسلامية لأنه مسلم مؤمن وممارس للشعائر الدينية، وان ليست لديه مآخذ على العلامة مالك بن أنس “الذي أكن له كثيرا من الاحترام بسبب تقواه وعلمه وميله للعدالة وزهده في الدنيا”.
موضحا انه قام بإحراق رمزي لنظم استرقاقية اختلقها البشر في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وهذه النظم توجد في تناقض صارخ مع روح التسامح والإنسانية والأخوة التي جاء بها القرءان وأكدتها السنة التي تعني أفعال وأقوال وإقرار النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
مؤكدا علي أن الكتب المعنية، “والتي تداولتها واستخدمتها المجتمعات المغاربية والأندلسية، خلال العصور الإسلامية الوسطى، لتبرير العبودية: أي المتاجرة بالرقيق السود، وبيع البشر، واختطافهم، واغتصابهم، هي نفس الكتب التي ما تزال تشكل مرجعية لعلماء اللاهوت في موريتانيا، ولخبراء القانون المكلفين بمدونة الأحوال الشخصية والمواريث، ولضباط الشرطة القضائية، وتقريبا لكل المنحدرين من الأسياد القدامى الذين ما انفكوا يحوزون عبيدا لدى أسرهم. إنهم هم من يعملون، إلى يومنا هذا، على ديمومة الممارسات الاسترقاقية بصفة هائلة ومتعددة الأشكال”.
في ما يلي تجدون أول مقابلة يجريها بيرام ولد الداه ولد اعبيد مع صحيفة منذ خروجه من السجن يوم 3 سبتمبر 2012. لقد أمضى رئيس المبادرة الانعتاقية أربعة أشهر داخل السجن بمعيـّـة بعض رفاقه على إثر الحرق الرمزي لبعض الكتب الممجدة للرق. وهنا خص بيرام الجريدة الإفريقية ولفرانكوفونية، “لوزافريك”، بهذه المقابلة التي نوردها لكم كاملة.
سؤال: السيد بيرام ولد الداه ولد اعبيد، لقد اعتقلت يوم 28 ابريل على خلفية إحراقك لمؤلفات دينية من المذهب المالكي. بعد أربعة أشهر من السجن، ها أنت طليقا، كيف تنظر إلى فعلتك وإلى العقوبة التي أخضعت لها؟.
بيرام: بادئ ذي بدء، أود أن أقدم هذا التصويب المهم؛ لأنني مدعو إلى تفكيك كل الدعايات والقذف والأكاذيب التي تكفلت القوى الرسمية وغير الرسمية، من المجموعات المهيمنة الاسترقاقية في موريتانيا، بنشرها خلال اختطافي وعزلي عن العالم الخارجي، دون أن تقبل هذه القوى منحي إمكانية وحق تفنيدها علنا.
أنا لم أحرق مؤلفات إسلامية لأنني مسلم مؤمن وممارس للشعائر الدينية، وليس لدي مأخذ على العلامة مالك بن أنس الذي أكن له كثيرا من الاحترام بسبب تقواه وعلمه وميله للعدالة وزهده في الدنيا.
بيد أنني قمت بإحراق رمزي لنظم استرقاقية اختلقها البشر في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. هذه النظم توجد في تناقض صارخ مع روح التسامح والإنسانية والأخوة التي جاء بها القرءان وأكدتها السنة التي تعني أفعال وأقوال وإقرار النبي محمد صلى الله عليه وسلم. إن الكتب المعنية، والتي تداولتها واستخدمتها المجتمعات المغاربية والأندلسية، خلال العصور الإسلامية الوسطى، لتبرير العبودية: أي المتاجرة بالرقيق السود، وبيع البشر، واختطافهم، واغتصابهم، هي نفس الكتب التي ما تزال تشكل مرجعية لعلماء اللاهوت في موريتانيا، ولخبراء القانون المكلفين بمدونة الأحوال الشخصية والمواريث، ولضباط الشرطة القضائية، وتقريبا لكل المنحدرين من الأسياد القدامى الذين ما انفكوا يحوزون عبيدا لدى أسرهم. إنهم هم من يعملون، إلى يومنا هذا، على ديمومة الممارسات الاسترقاقية بصفة هائلة ومتعددة الأشكال. إنهم يجدون في هذه الكتب التشجيع والقوة المعنوية لإعادة إنتاج الجريمة. بينما الذين يعانون من الرق ومخلفاته، على مدى عدة أجيال، مسلمون موريتانيون. إنهم مجتمع الحراطين الذي يمثل غالبية سكان هذا البلد. هؤلاء يعاملون على أنهم دواب، يوزَّعون، يتم تقاسمهم، إنهم منزوعو الاعتبار، فهم كالأشياء، كالأموال والأثاث، بالرغم من انضمام موريتانيا شكليا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإلى معاهدات دولية وإقليمية أخرى لحماية الكرامة الإنسانية.
الدولة الموريتانية، إذن، تخرق القوانين المناهضة للعبودية التي صوت عليها برلمانها. إن كل هذه الضوابط والمعاهدات بقيت فقط موجهة للاستهلاك الدولي، بينما ظل الانفلات من العقوبة عملا سائدا لدى القضاة وعمال الإدارة لصالح الإخوة والأقارب والحلفاء القبليين مرتكبي الأعمال الاسترقاقية، الجلية وغير المعاقبة.
إن أول مستوى من العبودية يكمن في قوة روابط التضامن القبلي ضمن عرق الأسياد القدماء؛ أي البيظان (العرب البربر) الذين يحوزون 90% من الهيمنة الاحتكارية المادية والرمزية والعسكرية والدينية.
إنني لا أعترف، إذن، لهذه الكتب بالصفة “الدينية” بسبب تناقضها الواضح البيّـن مع رسالة الخلاص التي حملها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والنواهي الربانية في القرءان الكريم بخصوص الحرمة البدنية والأخلاقية والمادية. إن النصوص المقدسة تحتم على المسلمين والمجتمع والدولة احترام تلك الحرمات. وإني لأرفض بشدة انتماء هذه النظم الاسترقاقية إلى الإرث العلمي والإسلامي للإمام مالك، لأن هذا الأخير لم يخلق شعائر، ويرفض أن تـُـعتبر تأويلاته وآراؤه الشخصية في الإسلام والنصوص الإسلامية مقدسة. فبالنسبة للإمام مالك كل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم. إذن لماذا لا يحق لنا أن نرفض تأويلات الشيخ خليل وابن عاشر والأخضري، الذين يعتبرون أنفسهم مالكيين، إذا ما علمنا أن مالكا نفسه يقبل أن نعترض عليه؟
سؤال: ما الرمزية التي تمنح لمثل هذا العمل؟ (إحراق كتب علنا).
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: في ما يتعلق بالعمل الذي قمت به، فهو ليس موجها ضد الإسلام؛ بل عكسا لذلك فهو موجه أولا لغسل الإسلام من الجرم البغيض الذي لا وصف يعبر عنه والذي تنسبـُـه له، على الربوع الموريتانية، الكتبُ المعنية والمجموعات المهيمنة الاسترقاقية التي أسست نمط حياتها على استغلال الكائن البشري محيلة إياه إلى درجة الحيوان أو الشيء.. العمل الذي قمت به يهدف أيضا إلى تعبئة الرأي العام الدولي المسلم حول حقيقة أن السلطات الموريتانية تجعل من مثل هذه الكتب مرجعية مستمرة، وهو أمر يساهم في حصر جرائم العبودية التي يعاني منها مجتمعي (الحراطين)، والتستر عليها، وجعلها تعيش الغربة عن الواقع، والإبقاء عليها في وضع سائب.
ويترتب على هذه الكتب تـتـفيه العبودية في المجتمع، والكبح شبه التلقائي لتطبيق القوانين والمعاهدات التي صوتت عليها موريتانيا وصادقت عليها.
العمل الذي قمت كان له وقع تحريري ضمن العديد من مجموعات العبيد والعبيد السابقين في موريتانيا. لقد عبأوا أنفسهم لأول مرة وفي وضح النهار وبصفة تكاتفية؛ لقد تضامنوا معي، وطالبوا بإطلاق سراحي، وتحدوا، بقوة لم يسبق لها مثيل، مجموعات أسياد العبيد الذين، على الرغم من تعبئة وسائلهم الإعلامية والمالية، بما فيها الإذاعات والتلفزات، حتى العمومية منها، لم يـُـقيموا إلا مظاهرات أحادية اللون، تـُـوجِّـهها المصالح الاستخباراتية عن بعد ضد شخصي. وبسرعة تراجعت حيويتهم، خلال أيام معدودة، طرديا مع تنامي كفاح أنصارنا.
لقد وضع الحرق العلني للأدب الاسترقاقي حدا لتراخي وخنوع مجتمع الحراطين. والحقيقة أن العبودية في موريتانيا، كانت، قبل العمل الذي قمت به، مرفوعة، على وجه غير سليم، إلى مصاف ركن سادس من أركان الإسلام، فيما لم يحدد الرسول صلى الله عليه وسلم غير خمسة أركان. مع الفعلة المتمردة التي قمت بها، نشاهد الآن في موريتانيا تحرير، ليس فحسب 50% من السكان، الذين ظلوا حتى اللحظة يعاملون على أنهم في مرحلة دون البشر، لكن أيضا تحرير عقيدتنا الحقيقية في الله تبارك وتعالى. فهنا، في هذه الأرض، العبيد لا يعبدون إلا أسيادهم.
بالنسبة للأحكام التي عوقبت بها، وتلك التي سأعاقب بها، على درب تحرير عقيدة العبيد، فليست سوى الثمن الذي يدفعه كل عمل جليل يهدف إلى التحرير وتحدي الاحتراس الخسيس والتراخي الكسول الهيـّـاب. إن سجني، ومحاكمتي المحتملة، هما نتاج كل كفاح من أجل العدالة، كما أنهما نتاج أدنى ميل لأن تكون عدلا ومتضامنا مع الآخر. انطلاقا من ذلك، أقبل – بتواضع وبتديـّـن- نصيبي من العبء الثقيل، لكن دون أن أتبرّأ البتة. إن كل عقوبة يـُـنزلها بي الجلادون ستعزز إصرارنا على أن نقطع، في موريتانيا، الروابط الحميمة بين الدين والهيمنة العرقية.
سؤال: كنت مسجونا على خلفية “المساس بالقيم الإسلامية للشعب الموريتاني”، إذا طلبنا منك تقديم مرافعة عن نفسك، ماذا ستقول؟
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: لقد اتهمت بأنني رفعت الستار الذي يخفي قضايا حقوق الإنسان في الدين الإسلامي، وعن حقوق الفرد غير القابلة للتصرف والتي أمر بها القرءان أو أقرتها السنة، كما الإرشادات التي يتستر عليها ويحرفها علماء يؤولون ويشرّعون ضد مقتضيات المصدرين الأساسيين للشريعة، وذلك لصالح الأقوى.
أؤكد، هنا، أن الكتب التي أحرقت لا تعكس جوهر الإسلام حول قضايا حقوق البشر. إنها مؤلفات كتبها بشر معرضون للخطإ مثلنا جميعا، والأدهى من ذلك أنهم ساروا بتناقض فاضح مع روح ونص القرءان والسنة. هذا النثر المبتذل الرجعي والعنصري تم إنتاجه تحت طلب مجتمعات ومجموعات مهيمنة استرقاقية في دول شمال إفريقيا خلال القرن الحادي عشر إلى الرابع عشر من بعد الميلاد.
إن هذه الكتب التي تبرر إخصاء البشر، وبَــتــْــر أعضائهم، واغتصابهم، وسوء معاملتهم، والإغارة عليهم، والمتاجرة بهم، وباقي صنوف استغلالهم واحتقارهم المهين، مازالت تدَرَّس في موريتانيا، في الدورات التدريبية للأئمة، والعلماء، والقضاة، والإداريين المدنيين، وضباط الشرطة القضائية، المكلفين اليوم، وربما غدا، بتسيير المساجد والإدارات والمحاكم والقوة العمومية.
هذا التناقض الجلي يشكل عائقا أمام استئصال العبودية والتمييز وأشكال أخرى من الجور الصارخ في موريتانيا. بيد أن الدستور في موريتانيا ينص على أن أول وأهم مصدر للتشريع هو الشريعة الإسلامية: ما يعني ضمنيا الكتب المعنية أعلاه. لهذا يرى القضاة وضباط الشرطة القضائية والأئمة والعلماء أن هذه الشريعة “الإسلامية”، تـُـلغي، في حالة نزاع أو تناقض، كل القوانين الأخرى. فأي تطبيق للقانون الوضعي العصري أو للمعاهدات المناهضة للرق والجرائم المشابهة لم يكن بإمكانه أن يرى النور في موريتانيا. من هنا جاءت الحاجة إلى إشعار الرأي العام، من خلال العمل الذي قمنا به، على استدامة العبودية عن طريق هذه الكتب.
سؤال: بالرغم من أن العبودية تم إلغاؤها منذ 1981، وبالرغم من أن الدولة الموريتانية اعتمدت، سنة 2007، قانونا يجرم الممارسات الاسترقاقية، ظل الانفلات من العقوبة سائدا.. فلماذا، حسب رأيك؟
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: الانفلات من العقوبة (أو اللاعقوبة) ظل سائدا بخصوص جرائم ممارسة الرق في موريتانيا. يمكننا أن نذكر العمل بدون عطلة وبدون راتب، اغتصاب النساء والفتيات والمواليد الإيماء، جعل الأشخاص حبيسي المكان، بمن فيهم القــُـصّر، منع الاستفادة من الإرث، فصل الأسر، عمل الأطفال، المنع من حق التعلم، وحق النظافة، وحق الزواج، وحق السفر… وباختصار، كل الممارسات التي تشكل ملامح العبودية الموغلة في القدم والتقليدية والموروثة كابرا عن كابر. كل هذه الممارسات التي ذكرت، وأخرى قاسية وهمجية كالإخصاء وبتر الأعضاء وتعريض العبد للموت، تجد ما يبررها وما يجعلها أمرا مألوفا في كتب الشيخ خليل والدسوقي والأخضر وابن عاشر: إنهم ذات المؤلفين المستهدفين بعملية الحرق الرمزي يوم 27 ابريل الماضي.
يتثمل أحد أهم مصادر الانفلات من العقوبة في كون هذه الكتب- التي تعتبر بمثابة رزمانة قوانين خاصة بالعبيد- ظلت المرجعية الأساسية للحقوق بنظر الكثير من الناس المدعوين لإجراء التحقيقات وتطبيق القانون، وبنظر الأئمة والعلماء والقضاء وضباط الشرطة القضائية والإداريين المدنيين. إن مثل هذه النصوص تم رفعها، من خلال تصور رجل الدين الموريتاني، إلى مستوى القدسية الذي يفضي إلى حالة المعتقد المطلق الحقيقة.
من جهة أخرى، فإن في ميثاق شرف المجموعات المهيمنة العربية-البربرية (في موريتانيا) يعتبر العمل الشاق، والعمل اليدوي، والعمل تحت لفح الشمس، وحتى العمل المنزلي، مهينا؛ فمثل هذه الانشغالات لا تليق بالأفاضل. لذلك فما لم تتغير مثل هذه العقليات، يكون من دواعي الحاجة لدى هذه المجموعات الإبقاء على اليد العاملة الخادمة لهم في حالة عبودية.
أخيرا، فإن العبودية فينا توفر راحة جسدية ومادية واقتصادية قطعية لصالح الطبقات العليا دون أن نهمل اختلاقها لنوع من المنزلة أو الحظوة. إذن هناك عدة أقفال تحول دون إنهاء العبودية وتمهد للإنفلات من العقوبة: إنها القوانين الدستورية، والبعد الديني، والأيديولوجيا المترسخة في العقلية، بالإضافة إلى البعد الاقتصادي. إن أيا من هذه الأقفال لم ينصرم حبلـُـه بعد. وهكذا فإن العمل الذي قمنا به يوم 27 ابريل الأخير يدخل ضمن طموحنا في توجيه ضربة قادرة على هز أركان الوضع القائم. إنه ما ندعوه “الهدم المحيل لانقلاب الأوضاع”، وهو نموذجنا للكفاح من خلال إبراز ثقافة مضادة واستفزاز سلمي لصالح إتمام وحوصلة المعاني السامية الدنيوية والزمنية للإنسان في موريتانيا.
سؤال: موريتانيا تتلكأ دائما كلما أثير موضوع العبودية. لماذا تستمر الدولة في إنكار وجود مثل هذه الظاهرة؟
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: الدولة الموريتانية جاثمة على مستوى إنكار العبودية التي تـُـعتبر جريمة وظاهرة شاملة ومتعددة الأشكال يعاني منها مباشرة 20% من سكان موريتانيا. إن العبيد الخدم، الذين هم بمثابة أقصى تجليات العبودية، ظاهرة اجتماعية وثقافية متجذرة في مدننا، وهي تسمم بشكل غير مباشر حياة وكرامة وطمأنينة قرابة 40% من السكان، أي المنحدرين من العبيد أو العبيد المعتوقين المدعوين الحراطين. الدولة الموريتانية، من خلال خطها السياسي والدبلوماسي المتمثل في إنكار الظاهرة، تبرهن أن النظام في بلادنا مُـصادر من قبل زمرة من الأشخاص والمصالح: فئة عرقية تستمد محصولها من استمرار الممارسات الاسترقاقية. هذا النظام الاجتماعي يحمي الاسترقاقيين ويحاول، في نفس الوقت، إقامة ومعالجة صورة الديمقراطية.
إنكار العبودية في موريتانيا شرط مسبق وحيوي لمواصلة نظام الهيمنة. وبأدنى اعتراف منه، سيتهاوى أمام تدفق الطاقات المحررة لجموع المظلومين.
سؤال: أليس هذا عائقا أمام تنمية البلاد بأسرها؟
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: نعم بالتأكيد، فدوام العبودية والممارسات المشابهة يـُـبقي الحراطين على هامش المجتمع، وبهذا يُبطئ وتيرة التنمية خاصة على مستوى الكيف. وبما أن هذا الهدوء البادي، إنما يحافـَـظ عليه بخدعة القوة، فإن السلم المدني يصبح كل يوم مهددا أكثر فأكثر بسبب انطلاق التطلعات إلى الحرية التي يعبر عنها الحراطين.
سؤال: لماذا المجتمع الدولي لا يتدخل، ويختار – بدلا من ذلك- الصمت في الوقت الذي يزعم فيه مناضلون أن 40% من السكان يقعون ضحية لكرب العبودية؟
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: أريد قبل كل شيء أن أصحح لكم؛ فالمجتمع الواقع تحت الخدمة والحراطين؛ أي العبيد والعبيد السابقين، يشكل تقريبا، وفي ظل غياب إحصاءات رسمية، نسبة 50% من السكان. 20% من هم يمثلون عبيدا مدجنين، تلادا، لا يستفيدون من أي حق، ويتعرضون لممارسة الملكية عليهم هم أنفسهم وأبناءهم. أما الـ 30% فتتشكل من العتقاء أو العبيد السابقين الذين يتعرضون، بضراوة، للتمييز الاقتصادي والاجتماعي والإداري. إنهم الأفضل حالا ضمن السكان ذوي الأصول الخدمية. والمجتمع الدولي لا يملك ردة فعل إلا مقابل عدد الموتى. إنها القاعدة الأكثر رصانة في الدبلوماسية المعروفة بـ”الوقاية”.
سؤال: كيف تتصورون مكافحة هذه الظاهرة؟ ما هي الأسلحة التي يمكن استخدامها وتوفيرها لإنهائها؟
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: في بلد هش كموريتانيا، متعدد الأعراق، أفقرته عقود من الدكتاتورية والعنف السياسي والعرقي، وتجوبه تيارات متعصبة، فإن مكافحة الظاهرة لا يمكن أن تكون إلا سلمية، غير عنيفة، وحسب ثوابت الشرعية الوطنية والدولية. لقد بدأنا بنزع الشرعية عن العبودية، ليس فقط من وجهة نظري قانونية، لكن أيضا من وجهة نظر دينية. يمكننا أيضا أن نقدم الأدلة الدامغة حول التهديدات التي يجعلها دوام العبودية تحوم بشكل خطير حول السلم المدني في موريتانيا. إننا نطور، أيضا، ملاحظات حول استحالة كل تنمية اقتصادية أو اجتماعية، يركن لها، في ظرف يتسم بالتــَّــوْرَثة العرقية.
سؤال: لقد اختــُــطفت بصفة غير قانونية عدة مرات، كيف ستتحاشى وتــُـحاشي مناضليكم هذا النوع من العنف مستقبلا؟
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: إذا كان تحاشي السجن، والاختطاف، والتعذيب، يعني التخلي عن الإلتزام الشرعي والقانوني والسلمي لصالح الأشخاص الخنوعين، أو الإرغام على ترك البلاد لأسكن في المنفى، فهذا لن أركن إليه إطلاقا.
سؤال: لقد قدمتم في بيان لكم اعتذاراتكم عن كونكم “عملتم على المساس بالمفاهيم المقدسة للإسلام”، هل نفهم من ذلك أنه إذا ما توفرت ظروف تكرار تلك الفعلة الاحتجاجية فلن تكرروها؟
بيرام ولد الداه ولد اعبيد: لم تحصلوا على المعلومات الدقيقة بخصوص التصويب الذي قمت به من داخل السجن، فأنا لم أمس من المفاهيم المقدسة للإسلام. وعكسا لذلك فالعمل الذي قمت به يهدف إلى تبييض الإسلام من الممارسات الهمجية المتناقضة مع رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وكانت رسالة موجهة لأصحاب العقيدة السليمة من المسلمين الذين لفــَّـــتهم الدعاية الكاذبة للدولة الموريتانية خاصة الركائز الاسترقاقية التي تقودها. أحيلكم إلى قراءة رسالتي التي اعترفت فيها بالجدال الذي يمكن أن تؤديه طريقة إحراق الكتب، إذن الشكل. لكنني، بخصوص عمق القضية، فأنا أظل وسأبقى كما كنت مقتنعا أن هذه الكتب تضم بين ثناياها قوانين خاصة بالعبودية ورزمانة نــُـظم خاصة بالعبيد وغير إنسانية بفارق زمني كبير مع روح الإنسانية والتسامح والعدالة التي يطفح بها القرءان والسنة.
أنا مسلم ناقد مثل العديد ممن سلفوا من الفلاسفة والعلميين والفنانين وأصحاب الأقلام وخبراء القانون الذين عرفوا كيف يوفقون بين الدين ومتطلبات الإنصاف بمعاييره العالمية.
مقابلة اجرتها سنا الطالب
15 اكتوبر 2012
الرباط – المغرب
Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment