Sunday, 2 September 2012

طريق تيندوف-شوم: التفكير بمنطق استراتيجي | ‫#موريتانيا أخبار

لقد انتهت الدراسة الجدوائية لطريق تيندوف-شوم التي يصل طولها إلى حوالي 850 كلم والتي ستربط الجزائر -بريا- بموريتانيا، ولم يتبق إلا إعلان موريتانيا عروض المناقصة ليتسنى للجزائر -رسميا- إعلان تمويل وتنفيذ المشروع. هذا ما تم الحديث عنه على نطاق واسع، الأسبوع الماضي، عقب اجتماع عقده السفير الجزائري في نواكشوط عبد الحميد الزهاني مع وزير التجهيز والنقل الموريتاني يحي ولد حدمين.


طريق تيندوف-شوم: التفكير بمنطق استراتيجي

حساسيات متجاوزة



جاء الإعلان عن نفخ الروح في المشروع الذي يعود التفكير فيه إلى أواخر السبعينيات، قبيل زيارة قام بها وزير التجهيز المغربي عزيز الرباح لبحث وبلورة "إطار إستراتيجي للتعاون". وتبين أن مهمة الرباح لم تتأثر بإعلان الجزائر عن رغبتها في بعث الطريق من جديد، رغم أن المملكة طالما عبرت عن تحفظها من إنجاز هذا الطريق.



إن "التفهم" المغربي للطريق قد يقرأ في إطار أنه يمنح الجزائر إطلالة على الأطلسي، مما قد يجعلها تتخلى مستقبلا عن نصرة البوليزاريو أو تقبل -على الأقل- منح الشعب الصحراوي منزلة بين المنزلتين.



وقد ترى الرباط، التي تميز النظام فيها مؤخرا بالكثير من الواقعية السياسية، في طريق تيندوف-شوم بديلا عن طريق تيندوف-لعيون الأكثر إثارة لحساسياتها.



وقد يكون المغرب رأى في اختيار مسار الطريق (تيندوف-حاسي السبطي-عين بنتيلي) تطبيقا لمبدأ الحياد الذي قطعته موريتانيا على نفسها من نزاع الصحراء الغربية. فلم يشأ إثارة "التهور" الدبلوماسي الموريتاني الذي قاد السفير الموريتاني في الرباط، الشيخ العافية ولد محمد خونه، إلى زيارة "الأقاليم الجنوبية". وفي هذا الصدد لم تصر الرباط على "جر" موريتانيا لبلورة اتفاقية في مجال النقل البري رغم تسجيل الطرفين "أنه لا يرقى لتطلعات البلدين، خاصة في غياب إطار تنظيمي للنقل الطرقي"؛ إذ أن إبرام مثل هذه الاتفاقية اعتراف بسيادة المغرب على الأقاليم التي تشملها.

اتحاد المغرب العربي الاقتصادي



لقد أملت "الثورات" العربية على مسؤولي الدول العربية أن يجعلوا الاقتصاد والحريات أولوية أولوياتهم. وهذا ما جعل القادة في الدول المغاربية يسعون، من جانبهم، إلى إعادة إحياء هذا الإطار الموحد، مستأنسين بالتجرية الأوروبية في مجال التضامن والعمل الاقتصادي المشترك.



وقد اتفق رؤساء الدول المشكلة للاتحاد أثناء وجودهم في تونس للاحتفال بسقوط بن علي، على اعتماد التعاون الثنائي والمشاريع الاقتصادية والاستثمارية في مرحلة أولى في انتظار أن تعيد هذه الدولة (خاصة تونس وليبيا و-إلى حد ما- المغرب) ترتيب شؤونها الداخلية. وأصر ولد عبد العزيز حينها -حسب مصادر دبلوماسية شديدة الاطلاع- على عدم جعل المواقف من الصحراء الغربية عِصِيا في دواليب مسيرة الاتحاد، مذكرا في الوقت ذاته بالموقف الموريتاني القائم على الحياد في هذا الصراع.



وقد لوحظ منذئذ موقف موريتاني قريب -لحد التطابق- من الموقف الجزائري بشأن الإشكالات الأمنية والجيوستراتيجية -وحتى الاقتصادية، دون أن يثير ذلك حساسية المغرب الذي وضع الأمر في إطاره العادي، مكتفيا بالعمل على الاستفادة من الروح الجديدة في العمل المغاربي المشترك.



ومن المتوقع أن تتكلل المساعي الاقتصادية والاستثمارية المغاربية بالإعلان، قبل نهاية السنة الحالية، عن بدء شركة ألمانية مختلطة عن أضخم مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم سيبدأ استغلاله سنة 2025 (بعد 13 سنة فقط) وتستفيد منه المغرب وموريتانيا والجزائر. ويتوقع من المشروع أن يحل -بشكل شبه كامل- مشكلة الطاقة في هذه الدول. ويكتسي الأمر أهمية قصوى بالنسبة للجزائر والمغرب بحكم أنهما شبه صناعيتين، وهو ما حتم عليهما تخفيض نسبة التوتر والشد بينهما.


الحسابات الجزائرية



تعتبر الجزائر أكبر دولة في المنطقة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وبشريا. وهذا العملاق، الذي وصل فائضه في ميزانية 2011 إلى 40 مليار دولار، لا يكاد يرى أفقا لمصالحه الإستراتيجية خارج الشمال الموريتاني بسبب عدم الاستقرار الذي تعرفه منطقة الساحل.



إن أول تحد يواجه الجزائر هو التلويح بشن حرب في مالي، مما قد يغير شكل رقعة الشطرنج السياسية في المنطقة (قيام دولة على أساس عرقي هي أزواد و/أو سيطرة شبكات الجريمة و/أو وجود عسكري دائم لتأمين المنطقة….) خصوصا أنها لا تعرف المدة التي قد يستغرقها حسم المعركة.



وتعرف الجزائر الصناعة النووية منذ أواسط الثمانينيات، مما يعني أن مفاعلاتها تستهلك كميات معتبرة جدا من اليورانيوم. وفي ظل إغلاق شركة آريفا لأبوابها في النيجر عقب اختطاف عمالها نهاية سنة 2010، فإن العملاق النووي يحتاج إلى سوق بديل للتزود بالمواد الأولية لصناعة الغيار وباليورانيوم لاستخدامها في إنتاج الطاقة (السماح لإيران بامتلاك الأسلحة النووية سيكون له -بالتأكيد- انعكاس إيجابي على الطموح النووي الجزائري). وقد تجد الجزائر في موريتانيا الشمالية الغنية بالمعادن هذا السوق البديل. وفي أسوأ الاحتمالات يمكن أن تكون طريق شوم-تيندوف مسار هذه المواد الأولية القادمة من أسواق أخرى (عبر ميناء نواكشوط أو نواذيبو على سبيل المثال).



ينضاف إلى ذلك الإعلان، قبل أشهر قليلة من الآن، عن إنشاء دولة قطر لشركة للصلب في الجزائر من الجيل الثالث برأسمال يبلغ 2 مليار دولار ستبدأ العمل بعد سنتين. وذلك يتطلب الحصول على كميات كبيرة جدا من خام الحديد، وهو ما يمكن أن يوفره السوق الموريتاني و/أو يمكن أن تكون طريق شوم-تيندوف مساره.


قطوفها دانية



أما موريتانيا فلم يصدر عنها موقف واضح من التوجه الجزائري، باستثناء ما تحدثت عنه الوكالة الموريتانية للأنباء من "تثمين" وزير التجهيز والنقل يحي ولد حدمين لـ "هذا المجهود الذي قامت به الجمهورية الجزائرية الشقيقة" و"تأكيده" على أنه "سيتم الرد بسرعة على هذه الدراسة".



ومع ذلك فإن كل شيء يوحي بأن الجانب الموريتاني تلقى (وتلقف) المقترح الجزائري بكثير من الارتياح؛ فالطريق التي يصل طولها إلى 843 كلم تمتد كلها على أرض موريتانية باستثناء 50 كلم، وإنجاز الطرق يعتبر من أهم رهانات النظام الحالي. ومن المفترض أن تتخذ الطريق مسارا من 5 مقاطع: تيندوف-حاسي السبطي (50 كلم) حاسي السبطي-عين بنتيلي (13 كلم) عين بنتيلي-بير ام اكرين (180 كلم) بيرم ام اكرين-ازويرات (420 كلم) وازويرات-شوم (180 كلم).



لا يمكن لموريتانيا أن تتحفظ على العرض الجزائري بإنجاز الطريق بالكامل-إذا تأكد الأمر-، إلا إذا كان بدافع الرغبة في استفادة أكبر أو للإيحاء للجزائر بالتواري لإيهام الرأي العام الوطني أنها من إنجاز النظام الحالي (قابلية التسويق السياسي تتناسب عكسا مع ظهور الأجنبي) أو للخشية من كمين تدسه الجزائر في المشروع. فأي إنجاز لأي طريق أو بنية تحتية يعتبر مكسبا لا يمكن التنازل عنه، خصوصا أن الأنظمة الشبيهة بنظام نواكشوط كثيرا ما تركز على البناء بدل النماء؛ إذ أن الأول لا يتطلب أكثر من وسائل مادية وعضلات بينما يحتاج الثاني إلى أدمغة وعقول.



إضافة إلى ذلك، فإن طريق تيندوف-شوم ستفتح الباب أمام الموانئ الموريتانية لتمر عبرها الواردات والصادرات الجزائرية، مما يُعدد زبائنها، خصوصا أن ميناء انواكشوط المستقل المعروف بميناء الصداقة قد يتأثر بإطالة أي حرب قد تندلع على الشريط الواقع بالقرب من الحدود المشتركة مع مالي، وذلك يعزز من حظوظ ميناء داكار.



وتسعى الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم) إلى الرفع من إنتاجها ليصل في أفق سنة 2018 إلى 25 مليون طن سنويا، بفضل "الإطار الإستراتيجي للتنمية" التي اعتمدته وبفضل البدء في استغلال "كلب العوج" و"الكلب رقم 2"، مما يعني أنها ستبحث عن سوق جديد للتسويق. وقد تتيح لها الطريق الجديدة مزيدا من الخيارات في اختيار هذا السوق.



وفي نفس السياق أعلنت شركة توتال الفرنسية، في نفس اليوم الذي قدمت فيه الجزائر لموريتانيا دراسة جدوائية الطريق، عن وجود احتياطات ضخمة للغاز والنفط (أوف-شور) في حوض تاودني. ووجود هذه الطريق -كبنية تحتية سالكة- ستضفي مزيدا من الاطمئنان لدى المستثمرين الأجانب في المنطقة، إضافة إلى أنها قد تتيح خيارا ثالثا لنقل هذه المنتجات (عبر الموانئ أو الأنابيب).



على صعيد آخر ستسهم الطريق في فك العزلة عن منطقة ظلمتها الأحكام الموريتانية المتعاقبة بسبب المعايير التي اعتمدتها لإنجاز الطرق. كما أنها ستسهم في تعزيز التبادل التجاري بين الجزائر ونواكشوط، مع ما يتيحه ذلك من هوامش ربحية تعود إلى كون الجزائر دولة شبه صناعية ذات عملة ضعيفة جدا.



يبقى التحفظ الوحيد على الطريق هو ما قد يبدر من الأوروبيين الذين يخشون من أن تسهم الطريق الجديدة في تدفق المرشحين للهجرة غير الشرعية إليهم. بيد أن عدم وجاهة خشيتهم، وحدة خطاب لهجة وزير التجهيز والنقل يحي ولد حدمين تجاههم في رسالة سابقة وجهها إلى رئيس بعثتهم في نواكشوط ردا على احتجاج الأخير على السياسة المتبعة في تنظيم النقل، وإصلاح الحالة المدنية الموريتانية، وتأمين -حتى لا نقول عسكرة- المناطق التي تجتازها الطريق، وتحريك فرنسا-ساركوزي لملف إنجاز نفس الطريق في إطار مشروع "الاتحاد من أجل المتوسطي"… كل ذلك قد يجعل الموقف الأوروبي بردا وسلاما على موريتانيا.





noorinfo




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment