الأربعاء 12 أيلول (سبتمبر) 2012
| محمد الامين محمودي (حصري أقلام ) |
اباه ولد السالك ليس بائع تجزئة, لذا لا يمكن أن يستمر في تسيير حانوت..ربما خيل للصحفي الكبير بادئ الأمر أن باستطاعته إخراج صوت حر ومتناغم من مناضد دكان..ربما أيضا تنسم الرجل اناسيم الحرية فقرر خوض التجربة, وكان يمكنه في جميع الأحوال أن يواصل العيش على الحلم لكنه لم يفعل, فما السبب في التوقف المفاجئ لقناة الساحل التي علق عليها المتعطشون للحرية أمالا جساما فقط لخبرتهم بمديرها المخضرم اباه ولد السالك.
تعرفت على اباه الكبير أو “البوس” حين دخلت مكتبه متدربا بعد أن تعبت من شراء الشاي والسجائر لبعض الصحف لعلها تنشر لي لعلي أكون من الكاتبين ..صحيح أنني لا أحمل أي دبلوم من جامعة أوروبية عريقة فأنا فقير أسكن جنوب عبد الناصر, الشارع الفاصل يومها بين الأغنياء والفقراء إلا أن الرجل توسم في الأهلية لتحقيق الحلم بأن أكون شخصا يقرأ الناس ما يكتب..
مالك أكبر مجلة فرنسية وعربية في البلاد يقف يوما كاملا بين محرريه, يراجع كل واحد منهم في عمله ويقف عند هناته وعثراته فيذللها ويشرح السبب..تجربتنا معه في موريتاني نوفيل علمتنا أن الصحفي هو ذلك الذي يصنع مادته من كل شيء, وأن السياسة ليست وحدها ما يبحث عنه القارئ ..في كل اجتماع كان الرجل يحاسب محرريه ومراسليه على أخطائهم في حق المهنة قبل الأشخاص..تعلمنا من الرئيس وزوجته كارين(صحفية هي الأخرى) أن الصحافة مهنة بذاتها وليست ملاذا أخيرا للعاطلين عن العمل, وصدقوني لو قلت لكم إن الكثيرين ممن دخلوا مهنة المتاعب مازالوا إلى اليوم يبحثون عن فرصة عمل في شركة خاصة أو “سوبر ماركت” على أن تنتصب على ملتقى طرق أو في “ركن” جيد..والأكيد أن أباه لم يكن أحد هؤلاء, فلم يدخل مهنة المتاعب ليتخلص من متاعبه المادية..وليست الظروف المادية التعيسة السبب في ولوج ولد السالك عالم الصحف.
اتصلت بالرجل أياما قبل قرار إغلاق قناة الساحل وكان متفائلا خلال المكالمة, فلم يتحدث عن المتاعب التي تواجهه على المستوى المادي وإن قال لي بكل تواضع:انا اليوم تلميذك وأحتاج لاقتراحاتك في مجال جديد على البلاد ككل.
لم يقل لي الرجل للمرة الثانية في حياتنا المهنية أن الحلم سيموت بعد أيام وأن التلفزيونات الجديدة تحتاج لبائع(وقاف)جيد يعرف متى يمنع الفقراء بضاعته وكيف عليه أن يرفع ثمن السكر دقائق قبل الإفطار.
لم يقل لي بأن التلفزيونات الجديدة أوراق صفراء منحت في قصر المؤتمرات لبعض الصحفيين ولا يفترض أن تكون كباقي قنوات العالم..لم يقل لي بأن حلم تجسيد الوحدة الوطنية على شاشة موريتانية في طريقه للزوال.
فجأة علمت بالكارثة ولم تكن لتصدمني لولا أن الرجل حشر نفسه في هذا العالم..لولا وجود اباه ولد السالك في قناة الساحل لما جلست دقيقة واحدة أمام شاشتها فلست مازوشيا لأحملق في تقديم التجار لأخبار هم محركوها ومسكنوها ومصاصو دماء كومبارسها وصانعو أبطالها وضحاياها.
أما لمن لم يفهموا القصة بعد فالحقيقة واضحة وهي أن بعض التجار أرادوا إ رضاء العزيز فتبنوا خياره في إنشاء قنوات حرة لكن بلغة التجار (حر يعني أنه ليس مزورا لكنه في الحقيقة مزور بدقة متناهية)وقد نقل عن أحدهم قوله :”مادامت أرباح التلفزيونات غير واضحة, كالسكر والشاي فمن يضمن أن لا يرحل العزيز بانقلاب عسكري قبل أن نسترد أموالنا المستثمرة في هذه التجارة الغبية المبهمة” ومن هنا تم التراجع وكان التجار يعتقدون بأن أباه سيواصل معهم لعبة الوعود مقابل راتب كبير وكبير جدا لشخص المدير والمدير وحده.
للمرة الثانية لا يخبرني اباه ولد السالك أن مشروعا عظيما يوشك أن ينهار على رأسه ..للمرة الثانية لا يخبرني الرجل بأن الأيدي الخبيثة ستقتل أمال الكثير من عمال “البوس”..مأساة قناة الساحل ستنسي اباه والصحافة مأساة “موريتاني نوفيل” غير أن الرجل المظلوم دائما سيواصل محاولاته باحثا عن شيء اسمه حرية التعبير في موريتانيا.
للمرة الأولى وأتمنى أن تكون الأخيرة أقول لأباه ولد السالك بأن تجار هذا البلد كبارا وصغارا هم أكثر من نهبوا خيراته وامتصوا دماء مواطنيه فهل يعقل أن يفتحوا فضاء حرا يصرفون عليه من جيوبهم حتى يعلم القاصي والداني هذه الحقيقة.
لا يعقل أن يحدث هذا حتى ولو كان الثمن إرضاء الرئيس ولد عبد العزيز
Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment