Wednesday, 8 August 2012

‫#موريتانيا‬‏ لقاء أطار:رقص على جثة الديموقراطية



صبيحة السادس من أغسطس عام 2008م ردّ قائد الحرس الرئاسي الجنرال محمد ولد عبد العزيز الفعلَ فعلين على الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وانتزع منه السلطة بانقلاب لا لون له ولا معنى ، وفي التاسع عشر من يوليو عام 2009م أعلن “رسميا” فوزُ الجنرال رئيسا للبلاد بنسبة 52% في انتخابات ظهر الآن أن لا وزن لها ولا مكان في تفكير “الرئيس المنتخب” وذاكرته.


فقبل يومين احتفل الجنرال وبطانته وموالاته من مدينة أطار للمرة الثالثة بالذكرى الخامسة لانقلابهم على رئيس منتخب ، رغم أن هذه البطانة لا تجد – في ما تدبّج من حجج – شيئا ذا بال تدافع به عن بقاء زعيمها في السلطة خمس سنين كاملة سوى أنه رئيس منتخب لم ينه مأموريته !


منطقيا لا يمكن اعتبار احتفال بذكرى انقلاب إلا تزكية للانقلابات كوسيلة للوصول إلى السلطة ، ولهذا فإن لقاء الانقلابيين و”معارضتهم المسؤولة” – التي تدعمهم – في أطار ليس في حقيقته إلا إدارةَ ظهر لإرادة مليون ومائتي ألف ناخب موريتاني شاركوا في انتخابات الثامن عشر من يوليو ، وهذه رسالة شديدة السلبية إلى الشعب الموريتاني وإلى الحالمين بالديمقراطية في الداخل والخارج مفادها أن السلطة – وفق إيمان الجنرال ودعَمَته – تنتزع بالقوة ولا تسلم بالانتخابات ؛ “فما أخذ بالقوة لا يسترد بها”.


أما الرسالة الأخرى فكان من المفترض أن تفهمها أحزاب “المعاهدة من أجل التناوب السلمي” على السلطة – التي علِقت مع الجنرال في شرَك حوار مصلحي يسير حثيثا نحو الفشل – وتؤكد هذه الرسالة أن اتفاق أحزاب المعاهدة مع الجنرال على تجريم الانقلابات وتوصيفها بأنها جريمة لا تسقط بالتقادم (باستثناء ما فات منها طبعا) اتفاق لا جدوى له ولا فحوى مع حفلات الرقص السنوي على جثة الانتخابات في ذكرى الانقلابات ، لقد تحول الأمر إذاً إلى اتفاق على تمجيد الانقلابات لا تجريمها ، فهذه الأحزاب أصبحت الآن جزءا من المنظومة السياسية الدائرة في فلك الجنرال وفكره وما محاولات حرصها على التميز داخل هذه المنظومة إلا كحرص يزيد بن المهلب بن أبي صفرة على التميز عن الحجاج بن يوسف في خدمة عبد الملك بن مروان ؛ فيزيد يرى نفسه “فوق الإمارة وتحت الخلافة” لكنه على كل حال تحت الخلافة!!


لا عذر لبيجل ومسعود وعبد السلام وغيرهم من “المعارضة المسؤولة” في الجلوس جلوسَ المتلقي أما خشبة مسرح لتمجيد انقلاب أطاح أحدَهم من وزارته وكاد يطيح الآخرَ من رئاسة البرلمان ، كما أطاح – وهذا الأهم – رئيسا منتخبا ، ويستوي في موقف كهذا من حضر بذاته ومن حل في ذوات مندوبين عنه للمباركة وتقديم الأدلة على الانسجام مع المنظومة الداعمة؟.


قد لا يظهر أثر هاتينين الرسالتين على واقع النظام أو مستقبله بفاعلية أو بسرعة لأنهما موجهتان في الأساس إلى أطراف سلمية مدنية ، أما الرسالة الأكثر خطرا على مستقبل الجنرال في السلطة فهي تلك التي يمكن أن يفهما ضباط الجيش من “لقاء أطار” واللقاءات التي سبقته، وتقول بصراحة ووضوح إن البلاد لم تتجاوز بعدُ عصر الانقلابات ؛ فالرئيس يحتفل بذكراها سنويا ، بل يعتبرها – ولو في لحظة استهزاء بمعارضته المدنية – وسيلةً ما زالت مقبولة بالنسبة له لمن قدَر عليها ، ونحن نعرف حق المعرفة أن القدرة على انقلاب في أغلب دول أفريقيا وفي موريتانيا خصوصا يمكن أن تُقذف في أيدي رؤساء أركان الجيوش أو رؤساء حرس الرؤساء بقدرة قادر بين عشية وضحاها، وليس يحول بين الانقلابات وبين الحدوث في الغالب إلا انبعاث الرغبة في السلطة أو الانتقام في قلوب بضعة ضباط في مناصب عسكرية حساسة ووجود سند – ولو ضعيف – من الخارج والداخل.


وبحق كان تنبيه مراسلة قناة الجزيرة للجنرال – بصيغة سؤال – إلى أن الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي ركبها من قبلُ لإطاحة رئيس منتخب توجد اليوم مضاعفة الحجم والأثر في البلاد ، فالدستور انتهك وخُرق حتى اتسع خرقه على الراتق والأسعار ملتهبة والجياع أصبحوا عشطى أيضا والمتظاهرون قُتلوا وقمعوا وازدادا الفقراء فقرا ويقال إن الرئيس وحاشيته ازدادوا غنى ، كما أن الرئيس لا يضع عصا التسيار والأسفار عن منكبه!!


لقد أصبح المنقلِب أمس الأول منتخَبا منذ أمس ، لكنه لم يستطع – وربما لم يؤمن – أن يتزيّا بزيّ المنتخبين أو يتخلّق بأخلاقهم وظلت روحه روح انقلابي قح وعسكري لا يعامل منافسيه السياسيين إلا بمنطق الحرب بهدَنها وغاراتها وكرّها وفرّها ، ولهذا فشل صندوق الانتخاب الآسرُ بنقائه وصفائه ونُبل موضوعه ومحموله أن يحل من قلب الجنرال محل صندوق خشب حُشي شرا وجمرا ، فما يستوي صندوق تبلغ به غايتك وآخر تصنع به دعايتك ، ولا يجمع الله صندوقين في قلب رجل ؛ صندوقِ ذخيرة وصندوق افتراع.


ولهذا أيضا فإن ولد عبد العزيز ينحاز فطرةً بأفعاله – وأقواله أحيانا – إلى منطق المعارضة التي تطالبه بالرحيل ويتناءى يوما بعد يوم عن منطق الموالاة ، والظاهر أن الرجل يحمل بين جنبيه روحين مختلفتين ، إحداهما ذابلة هامدة الحركة هي روح الرئيس المنتخَب والأخرى منتعشة حيوية هي روح الضابط المنقلب.


وإن شئت فانظر إلى أعظم حجة وبرهان يأوي إلى ركنها الموالون للرئيس ، ثم انظر كيف يخربون منطقهم وحججهم بأيديهم وأيدي رئيسهم ؛ إنها عبارة : “هذا رئيس منتخب” .. أكثر كلمة تقرع سمعك كالمطرقة الضخمة إن أنت ذكرت رحيل الرئيس أو أشرت إلى ذلك ، لكن الغريب أن الرئيس المنتخب لم يحتفل يوما بذكرى انتخابه ولا افتخر قط – ولا إخاله يفعل عوضُ – بالثامن عشر من يوليو كما يفتخر بالسادس من أغسطس الذي “يتقاتل” زعماء الحزب الحاكم وأحزاب المجاميع الشبابية المستنبتة وعشرات التجار والساسة كل عام للفوز بشرف كنس ساحة الاحتفالات بذكراه وحجز أماكن لهم تحت لِحيِ خشبة مسرحه حيث يراهم الرئيس ويسمع عبارات تأييدهم ، بينما يطؤون ذكرى الانتخابات كل عام بأحذية الكفران ويطوونها في ظلام الجحود الفاضح.


أشعر أحيانا – وأنا صادق – بالشفقة على كتائب الجنرال البرلمانية وقادة أحزابه – الذين يقال إنه لا يفتأ يوبخهم ويصفهم بالفساد وبالضعف أمام المعارضة – عندما يستميتون في الدفاع عنه بمنطق لا يجد هو حرجا في تبني مواقف تنسفه ، أما هم فلا يجرؤ شجاعهم على التعبير علنا عن اعتراضه على سير الأمور كما يرسمها الجنرال ، ولطالما تذمر المساكين من ذلك غمغمةً لا إفصاحا وإسرارا لا إعلانا.


ولو سلّمنا جدلا أن موالاة الرئيس تؤمن مخلصة بالتداول السلمي للسطة وأنها إنما توالي رئيسا منتخبا لا جنرالا منقلبا فهل هي قادرة على إقناع الرئيس المسكون بروح الجنرال بالكف عن تمجيد الانقلابات بعد أن “أصبح منتخبا” منذ التاسع عشر من مايو 2009 ؟


تقول نكتة سائرة إن نزيل مستشفى للأمراض النفسية كان يحمل في قلبه رعبا من الديوك ويكاد يموت فرَقا كلما لمحت عيناه ديكا في مكان ؛ ذلك أن صاحبنا – شفاه الله – يخال نفسه المريضة “حبة قمح” لا فرصة لها في حياة – هي عليها حريصة – إن هي أبصرها ديك أو دجاجة.


الطبيب وبعض “عقلاء” المرضى حاولوا إقناع الرجل أنه إنسان لا حبة قمح ، وبعد جهد جهيد أثمر منطقهم وأنتجت حججهم فاقتنع الرجل فعلا بأنه إنسان ووطّن نفسه على قناعته الجديدة ، لكن المشكلة الأعوص أن قناعة أخرى كانت أشد رسوخا في عقل هذا “الإنسان” وتحتاج إلى مزيد من الحجج والإقناع ؛ فمن سيقنع الديك بأن مريضنا إنسان ؟


الواجب اليوم على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وأحزاب شباب عزيز المستنبتة والنواب الرّحّل الذين نصبوا أنفسهم غرضا دون الجنرال أن ينفذوا إلى قلبه وعقله إن استطاعوا ويقنعوه أولا بأنه “رئيس منتخب” ، فالرجل أحوج إلى أن يدرك ذلك – في ما يبدو – من المعارضة التي يطالبها بإدراكه.



أقــــلام حرة




Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment