يبدو أن لا مفر لموريتانيا من أن توصف بأنها قاعدة خلفية تخيم فيها الخلايا النائمية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو تكون قاعدة عسكرية أمريكية تنطلق منها العمليات المحتملة ضد الجماعات المسلحة في شمال إفريقيا و نيجيريا… فتداعيات الأحداث الاخيرة في مالي، و سيطرت الإسلاميين على الوضع هناك، و إصرار المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية على الوقوف مسافة من الصراع في مالي، رغم وجودهما في ملعب الأحداث، كلها اسباب جعلت موريتانيا الحلقة الاضعف في المنطقة، كيف؟
يحاول النظام العسكري الحاكم في موريتانيا منذ فترة حكم الرئيس السابق معاوية ولد سيدأحمد الطايع، أن يثبت للعام و للمجتمع الدولي بالخصوص، أن موريتانيا دولة أعلنت الحرب على الإرهاب بعد ما كويت بناره، لكن بعض المحللين يقولون، أن نظام ولد الطايع بحث عن عربون صداقة يقدمه للولايات المتحدة الامريكية، بعد ما تخلت فرنسا عن حمايته، فبادرالنظام حينها بالتطبيع مع إسرائيل لدرجة تبادل السفراء، لكنه ما فتئ وأدرك أن التطبيع لم يعد هو الأولية عند الولايات المتحدة، فشن حرباً عمياء على جميع التيارات الإسلامسة في البلاد، بمافيها التبليغيين و الحركات الصوفية السلمية، و الهدف من هذه الحرب الصبيانية، هو خلق جو مشحون من الكراهية بين السلطات الأمنية و الحركات الإسلامية، في إنتظار أن تصدر ردة فعل يبنى عليها المخطط، لكن ردت الفعل المنشودة جاءت من خارج البلاد، عندما تعرضت موريتانيا لأول مرة لهجمة إرهابية على حامية عسكرية في منطقة “لمغيطي”، من طرف الجماعة السلفية للدعوة و القتال الجزائرية، و منذ ذلك الحين و موريتانيا تبحث عن الإرهاب مظانه حتى أصبح الإرهاب واقعاً ملموساً.
قائد القوات المسلحة الحالي الجنرال محمد ولد الغزواني، إعتاد رحلات مكوكية شطر الولايات المتحدة الأمريكية، و في 14 مايو2012 زار واشنطن تلبية لدعوة من وزارة الدفاع الأمريكية، من أجل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، حسب الاسوب الخبري للتلفزيون الوطني، و لأن الجنرال الغزواني هو رجل أمريكا كما هو رجل فرنسا، و التي وشحته بوسام “كوماندوز” الإستحقاق الفرنسي من درجة فارس، هذه العلاقات الحميمية، لم يحصل عليها هذا الجنرال إعتباطياً، و لكنه سعى و كدح إليها كدحاً، من خلال الحروب التي شنها على الجماعات الإرهابية، و كانت معظمها ذاة نتائجها عكسية على أفراد الجش الموريتاني، و بشكل كارثي، كما حصل في معركة “حاسي سيدي” الدامية، بين قوتنا الموريتانية و عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي…
هذا كان على الصعيد الميداني، أما على الساحة السياسية و الرأي العام، فلم ينجح النظام العسكري “المنتخب”، رغم توظيف آلته الإعلامية اليتيمة و الوحيدة أنذاك، في إقناع النخب السياسية، و لا حتى الشارع، بمشروعية هذه الحرب، ضارباً عرض الحائط بكل الأصوات المناهضة للحرب، و إرسال الجنود الموريتانيين خارج حدود البلاد، وكانت النتيجة مواجهات عسكرية خاسرة، و ضربات دامية بعض المدن و داخل العاصة نواكشوط، و خطف جندي تم من خلاله لي يد النظام و إجباره على التفاوض، و تبادل الرهائن مع المسلحين، الشيء الذي طال ما أكد رأس النظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز أنه من المستحيلات.
النظام الحالي مصر على أن يكون من الذين كتب لهم الرضى و قبول العمل، عند القوى الغربية المحاربة للإرهاب، و التي يحتجز الإرهابيون أفراداً من مواطنيهم كرهائن عنده، فلقد اقدم النظام على سابقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وهي خطف سجناء، و التكتم على مكان إحتجازهم، و الذي من المحتمل أن يكون معسكر قد بنته القوات الأمريكية لتدريب بعض الجنود الموريتانيا في ولاية آدرار قرب “العين الصفرة”، حيث يمكن ان تكون المكان المناسب للقاعدة العسكرية الأمريكية الجديدة، كما منعت المنظمات الدولية و ذوي السجناء من زيارتهم أو معرفة مصيرهم، هذه الخطوة تعتبر وردة حمراء، من باقة الأزهار التي يقدمها النظام الموريتاني للعرابة فرنسا، تماماً كما قام النظام بسجن مجموعة من الشباب السلفي عدة أشهر، بتهمة التخطيط لشن هجمات على الجيش الموريتاني أثناء إحتفالاته بذكرى عيد الجيش، ثم تمت تبرأتهم، والإفراج عنهم، ليظهرالنظام أن العدالة قائمة، و منصفة حتى للإرهابيين المحتملين، و ما يعرفه المراقبون، هو أن الناشط السلفي محمد سالم المجلسي لا يبقى خارج السجن إلا لأيام معدودة … و سيعود إلى السجن في أول مسرحية امنية قادمة … و المقصود من هذه الشطحات الغريبة، هو إبراز النظام الحالي كمسيطر على الوضع الأمني، و حسر ظاهرة الإرهاب في من هم خلف القضبان، أو من قد إلتحق بصفوف التنظيمات الإرهابية خارج البلاد، إلا أن خبر تمويل قاعدة عمليات أمريكية في موريتانيا، و إمتناع وزير الخارجية عن التعليق أو الرد على إستفسارات أعضاء البرلمان، سيجعل موريتانيا إن صح الخبر، هدفاً لكل المتطرفين، من القرن الإفريقي إلى شمال إفريقيا و نيجيريا، بالإضافة إلى كل القوى المناهضة للتواجد العسكري الامريكي في إفريقيا…
و خلاصة القول، أن الأزمات القادمة في موريتانيا، من المؤكد أن شرارتها الأولى ستكون مظاهرات ضد التواجد العسكري الأجنبي على التراب الوطني، بالإضافة إلى أن موريتانيا ساقتها سياسة أصحاب البزات العسكرية، إلى أن تجد نفسها فجأة و بدون سابق إنذار بين حجري رحى، الأولى إستقرار القاعدة في بلاد المعرب الإسلامي، و إقامتها دولة إسلامية على الحدود معها، والثانية قاعدة للقوات الإمريكية، و التي إذا إتخذت من مكان قاعدة لها، فلن تبرحه حتى تقضي منه وطراً.
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment