Saturday 12 April 2014

نواذيبو..متناقضات في ضيافة الأطلسي على مائدة بيضاء

نواذيبو..متناقضات في ضيافة الأطلسي على مائدة بيضاء


تقوست خلجان المياه فغطت ثلثي اليابسة في المدينة التي ترقد بين الرمل والبحر..يرقص السلمون رقصة النهاية قبل أن تتلقفه الصحون، ويتهافت الأهالي على وجبات من اللحوم البيضاء الطرية، ثم يتهادون على خرير الماء القادم على أكتاف الموج فيخرون نوما في ساعة متأخرة من ليل نواذيبو الذي لا يعرف الكلل.


بالكاد يتوقف نبض المدينة الساحلية، حيث يؤمها المصطافون من أرجاء البلاد هربا من حر المدن الصحراوية. يرخى الليل سدوله فينطلق سمرُ المنهكين من يوم طويل من العمل.


تمخر سفن الصيد عباب الأطلسي، مفتشة عن صيد ثمين تظفر به الشباك، ويخرج أفراد الدرك والشرطة في سمر يختلف قليلا عن سهرات الناس العاديين مفتشين على طريقتهم عن قراصنة يصطادون في المياه العكرة، لمدينة عصب الحياة فيها أسماك تمتلئ بها شواطئها. إنهم يحرسون البوابة الشمالية الغربية لموريتانيا، ويطاردون أشباحاً في غياهب “الغيران” و”كانصادو” وأزقة المدينة الحبلى بالمتناقضات.


نواذيبو مدينة الأحلام لجاليات أجنبية تبحث عن مرسى يقترب من مرافئ لاس بلاماس، وجزر الخالدات حيث يتمنى هؤلاء الخلود..يركبون زوارق شراعية خلسة فيلقون بأنفسهم نحو المياه الاقليمية للمملكة الأوربية المجاورة، وكثيرا ما يلقون حتفهم قبل أن يتلقفهم حرس الموانئ أو تلقي بهم المراكب الشراعية في أعماق البحر لتقتات من أجسادهم القروش، في نهاية دراماتيكية مثيرة.


منحتها طبيعتها وتعدد الأنشطة الاقتصادية فيها جاذبية كبيرة لعشرات الآلاف من أبناء افريقيا جنوب الصحراء، يمارسون أعمالا حرفية مختلفة، بينما تزدهر محلات الحلاقة والخياطة في صيف كل عام مع قدوم الآلاف من البحارة العائدين من رحلة صيد وإبحار منذ زهاء السنة.


يغتنم الصيادون والبحارة الراحة البيولوجية للبحر كي يعودوا إلى قراهم وبلداتهم في المدن والأرياف الداخلية محملين بالهدايا، فيضيفون لنشاط المدينة روحا جديدة تبيت على أثرها المحلات ساهرة طوال أيام العودة من البحر إلى اليابسة.


تعرضت نواذيبو خلال السنوات الأخيرة لتركيز إعلامي منقطع النظير، فهي التي كانت ولفترة، عاصمة المهاجرين غير الشرعيين الذين تسللوا عبر النقاط الحدودية لأرض مترامية الأطراف. وفي المدينة شيدت مراكز لإيواء العيد من المهاجرين الذين أحبطت محاولاتهم الفرار باتجاه الجزر الاسبانية التي يتمنون أن يصلوها، ولو أشلاءً.


ازداد الاهتمام بالمدينة الشاطئية بعد 2005، ومع الحديث عن المخدرات، حيث حطت بها أولى طائرتان تأكد أن حمولتهما هي من المخدرات ..فجذبت الأنظار من جديد، وبات السكان يخشون أن تلتصق صفات المدن الكولومبية بمدينتهم الوديعة.


تحولت المدينة إلى منطقة حرة تطمح أن تكون قطبا اقتصاديا اقليميا كبيرا، وبحكم موقعها أصبحت منطقة استقطاب للتجار، لوجود جنسيات عديدة تعمل في المبادلات التجارية ..السوق الكبير في المدينة حيث تختلط الأجناس وتتعالى أصوات الباعة والمشترين، ولاشيء مستحيل في أسواق نواذيبو.. بع ما شئت لمن شئت، فالمهم حزمة نقود تعود بها إلى بيتك كل مساء.


من ركن آخر، ينطلق القطار الأطول من نوعه في العالم والمملوك للشركة الوطنية للصناعة والمعادن (اسنيم) في رحلته باتجاه مدينة أزويرات المنجمية.


تصطك القاطرات وهي تتحرك في سباق مع الزمن لتضع حمولتها التي اختلط فيها البشر بالحجر و الماشية، وتشحن السيارات ذات الماركات البلجيكية والفرنسية والألمانية على متنه، حتى لكأنه يقول “هل من مزيد؟”.


على طول طريق السكة الرابط بين المدينتين، يتنازل في كل تلك المحطات المتناثرة بعض الركاب عن حصته من القاطرة لبديل كان لساعات ينتظر وصول المركبة التي تجوب القرى والتجمعات السكانية الموجودة بجوار السكة الحديدية.


وعند الوصول إلى ازويرات تفرغ الحاويات من حمولتها، وتكون في جاهزية تامة لاستقبال خامات الحديد من تلك المدينة، تتراءى الجبال الداكنة من بعيد كأنها سحابة مزن توشك أن تنزل غيثا، وبالوصول إليها تتهجم الحجارة متحولة إلى سواد حالك.


من هذه الحجارة المنتقاة من كبد الجبل تولد خامات معدنية، حيث تشهد خلال العام اضطرابا في الأسعار على المستوى الدولي. يحرك القطار ذيله باتجاه الحفارة التي تغرز أنيابها في جوف “الكدية” فتتصاعد ألسنة الغبار ،بينما تشرع فيالق العمال في تدليك الحجارة وتنظيمها على ظهر القاطرات التي خصصت لشحن الحديد إلى ميناء التصدير بنواذيبو، في رحلة العودة.


يعود استغلال خامات الحديد لعقود خلت، مثلما عاصرت الثروة السمكية نشأة المحيط الاطلسي قبل ملايين السنين، وبحكم الجاذبية التي تتميز به العاصمة الاقتصادية استوطنها عشرات الآلاف من أبناء المدن الموريتانيين، وهم يمارسون أنشطة تجارية، حيث تستقطب المدينة اليد العاملة في الصيد وفي المعادن. وإضافة إلى ذلك يتشكل مجتمع الولاية من جنسيات مختلفة أغلبها قادم من افريقيا جنوب الصحراء، بينما يوجد أبناء جاليات من الشعوب الصفراء ذات الأعين الصغيرة، يابانيون وصينيون وكوريون، سكنوا البحر فازدادوا شغفا به لما يمن عليهم من نعمة، فأسسوا شركات لصيد السمك الموريتاني الذي يتمتع بجودة عالية.


وتصدر موريتانيا عبر ميناء نواذيبو معظم الأسماك إلى أوروبا واليابان. ونسج أبناء الفسيفساء الأجنبية المشكلة لنواذيبو، صداقات حميمة مع المجتمع الذي يعيشون في كنه، وهم يعملون ليل النهار للاستفادة من البحر.


تملك موريتانيا شواطئ غنية بالثروة السمكية، ويشتغل بها العديد من المواطنين.. إنها السلعة التي ظلت منذ استقلال البلاد تدر على الموازنة العامة مبالغ كبيرة من العملة الصعبة، وهو ما جعلها تحظى باهتمام متزايد من لدن السياسات الحكومية.


الميناء المشيد وفق أحدث التقنيات يشهد حركة دائبة في الليل وفي النهار، والشباك تلقى هنا وهناك زوارق الصيد التقليدي تيمم صوب البحر عائدة كل يوم بما أتاحت لها رياحه من سمك يوزع في أسواق المدينة وينقل بعضه إلى العاصمة نواكشوط. بيد أن للأسماك طريقا آخر فأساطيل الصيد الأوروبية، والتي تتمتع باتفاقيات مع الحكومة تغرف بواخرها كميات كبيرة قصد التصدير إلى موانئ أوروبا واليابان، وتستحوذ القارة العجوز، والقارة الصفراء على معظم الصادرات السمكية.


المصدر




Filed under: أخبار

No comments:

Post a Comment