في صورة مشهورة ومتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي يقف الرئيس الموريتاني الجنرال محمد ولد عبد العزيز(الشهير بأبي بدر)، وهو يصوب مسدسه نحو السماء، ويستعد لإطلاق الرصاص نحوها، كانت تلك الصورة قبل سنة تقريبا، وبعدها وفي بداية السنة الجارية أطلق بدرولد محمد ولد عبد العزيز رصاصاته المتهورة ليطيح برجاء، آنذاك تصورنا (عن حسن نية متعمد) أن ” البدر الصغير” حاول قتل ” الرجاء” بقرار فردي معزول وطائش منه، وأن أبا بدر لن يترك دمنا يسيل بذلك النمط العبثي، ولن يتدخل هو شخصيا بسيف سلطته العسكرية الصارمة بعد ذلك ببضع أشهر ليكرر مأساة قتل الفتى البولاري لامين مانكان عدة مرات وفي فترة وجيزة.
لقد تجمد بعض دمنا أمام طغيان غازات مسيلات الدموع،وسقط بعضه مشتعلا دون أن يجد الفرصة ليسيل على بعد خطوات من قيادته الجوية ودون أن يتدخل أحد لإطفاء الحريق، وسال و امتزج بعض دمنا بالصخر الجرانيتي في الشمال، ليشكل نحاسا جديدا سوف تستغله شركات معولمة ماهرة في مص عروق ودم الأرض!.
و اليوم يعتزم أبو بدر أن يطل من الشمال على الشعب، وللمصادفة القدرية أن توقيت ذلك سيكون قبل ذكرى غزوة بدر الكبرى بيوم، وسيكون بإمكان أي موريتاني مشتغل بثقافتنا العريقة في التفاؤل والتشاؤم أن يقول: ثمة نذير شؤم أكيد، فلقد قضى الله أن لا يظهر هلال رمضان الجاري في موريتانيا إلا متأخرا بيوم، لكي لا يصادف ظهور أبي بدر التلفزيوني في ذكرى توليه الحكم، ذكرى المعركة التي كرست الحق وأزهقت الباطل!.
وقد يقول قائل عطفا على ذلك: إنه دليل على أن الدماء التي أزهقت حجبت وجه الحق، وجعلت الهلال يخشى أن يكون بدرا في موعده، لأن أبا بدر سار على منوال ولده في قتل الرجاء، وسفك الدماء، و جعل مآقي شعبه تفيض بالبكاء!.
لكن المشكلة التي يصنعها سيف أبي بدر لم تعد هي فكرة التشاؤم من حكمه، إنها تتحول تدريجيا إلى ذهنية ملتبسة بالخوف من كل ما هو عسكري في هذا البلد المطحون والمرهق!.
فعندما سقطت الطائرة العسكرية منذ أيام ليست بعيدة، و على بعد أمتار قليلة من قيادتها الجوية، كان الشهود الذين راقبوا اشتعال النار فيها من وراء جدار حاجز ، هم مجموعات من سكان حي عشوائي “ساكن”، وكان من بينهم من ابتهج فيما مضى بتولي أبي بدر للحكم، لقد أسعدتهم وعوده بتحريرهم من كنف العشوائية والفقر الذي لازمهم سنينا عديدة.
من بين اولئك امرأة تحتضن طفلا مهووسا بالملابس العسكرية، ولا يرضى من أمه سوى أن تتحفه في كل مناسبة ببدلة ضابط متكاملة!، كانت المرأة تحتضن ابنها ” العسكري الصغير” وهي تراقب من وراء الجدار النار المستعرة في الطائرة الصغيرة، وتستعيذ بالله من شر العسكر الذين لم يهبوا لنجدة بعض دمنا المحترق.
فجأة لم تعد المرأة ترضى لإبنها أن يكتسي بلبوس عسكري، وطفقت تعريه من بدلته لأنها خشيت عليه في تصوراتها أن يكون أحد عسكريين : إما أن يكون ذلك الذي احترق دون مغيث، أو يكون ذلك الذي تجاهل الحادث الأليم الواقع على بعد أمتار منه، ولم يحرك ساكنا إلا بعد فوات الأوان!.
و ليس هناك من دليل ينفى أن المرأة سارعت لتجريد ابنها الصبي من رتبه ونياشينه العسكرية لأنها خشيت عليه أن يكون حاكما انقلابيا يبوء بوزر دماء الموريتانيين التي يسفكها في عنهجية ونزق وقسوة!.
ما تأكدنا منه الآن أن الأم لن تشتري لابنها في عيد الفطر القادم أية ملابس عسكرية، حتى برغم كل ما يمكن أن يقوله أبو بدر الرئيس الجنرال من تبريرات للحوادث المتكاثرة في عهده، والتي يلوح فيها الدم الموريتاني رخيصا ومبتذلا من طرف سلطته.
لقد أصبح الناس البسطاء يخشون من سطوة العسكر( رغم افتخارهم الغريزي بكل ما يمثلونه من ملامح الوطن)، ذلك أن الجنرال الرئيس استبد بصورة العسكر، وحولها بطريقة ما إلى نموذج يختزل في ثناياه: التاجر الذي يبيع ثروات بلاده باتفاقيات استراتيجية تمنح البحر والبر وما فيهما للأجانب مقابل عائد ضئيل وهزلي ولا تستبين سبيله التي سيسلكها في الحسابات العامة، ثم يستخدم نفس التاجر كل أسلحة عسكرنا الطيبين ليقمع كل صوت يحتج على ذلك، أو يطالب بمستقبل أفضل!.
سيتابع آلاف البسطاء عبر القمر الصناعي صورة أبي بدر، لكن آلاف العسكريين الموريتانيين الشرفاء لن يشاهدوا في أعين الملايين من مواطنيهم في تلك اللحظة ، لمحة الفزع والخوف من أن يصبحوا ذات يوم ضحية جديدة لسيف أبي بدر الحاكم بعلم الله و المطل عليهم بتبريرات، بمجرد تبريرات.
pechike@gmail.com
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment