تشرئب أعناق الكثير من الموريتانيين، هذه الأيام، لمعرفة فحوى ومضمون النسخة الثالثة من لقاء الشعب، الذي ينظم، لأول مرة خارج نواكشوط، في مدينة أطار عاصمة ولاية آدرار.
لكن سكان ولاية آدرار ومنحدريها ينظرون إلى هذا الحدث، باعتباره تحولا في السياسات القائمة منذ منصف العشرية الأولى من الألفية الثالثة ويأملون أن يشكل قطيعة مع ممارسات، كانت لها انعكاسات سلبية على واقع ولاية آدرار وساكنتها، التي تميزت، عبر تاريخ البلاد، بالجدية والعطاء وبإسهاماتها الواضحة في تنمية وتطوير الوطن.
فكان لهم حضور في جميع حقول التنمية من زراعة وتجارة وصناعة وصيد وسياحة، بفضل ثقافة العمل، التي توارثوها عبر حقب مديدة من الزمن، امتلكوا خلالها صبرا وعزيمة في مواجهة تحديات الطبيعة القاسية، فحولوا وديان وسهول آدرار إلى واحات نخيل خضراء ، رغم ندرة المياه وصعوبة المناخ والتضاريس..
وقد عانت مدينة أطار مرتين من التحولات السياسية في البلاد، مرة يوم استقلت بلادنا عن الاستعمار الفرنسي ، فتم إهمالها على حساب تنمية وتطوير العاصمة الجديدة نواكشوط، فخضعت اثر ذلك التحول إلى سياسة ممنهجة من العزلة والتهميش، فلم تشهد أي تطور في مجال البنى التحتية من طرق ومدارس ومصحات ومشاريع تستهدف بناء الإنسان وتطوير إنتاج النخيل والزراعة، إلى أن قررت الدولة في مطلع التسعينات من القرن الماضي، تعبيد الطريق الرابط بينها والعاصمة نواكشوط وإصلاح وترميم العديد من المعابر والطرق وإقامة المنشآت التعليمية والصحية في مدن وقرى الولاية وتوفير القروض والتكوين في مجال الزراعة وتطوير واحات النخيل وتوفير آليات لتسويق المنتجات الزراعية وإقامة مختبرا ت لفحص ومعالجة أمراض النخيل الوافدة، بالإضافة للقفزة النوعية التي حققتها السياحة، نتيجة التعاقد بين الوسيط السياحي الفرنسي “بوينت- افريك” وشركة “سومارت”، القاضي بتنفيذ رحلتين جويتين في كل أسبوع بدء من شهر نوفمبر وحتى شهر مارس من كل سنة.
لكن ذلك المسلسل التنموي سرعان ما توقف بعيد انقلاب 2005 والعمليات التي نفذتها الجماعة السلفية المقاتلة وتصنيف الخارجية الفرنسية لولاية آدرار بأنها خط أحمر في مجال السياحة.
فتوقف السواح الفرنسيون عن التدفق على مطار أطار الدولي وعن التمتع بمناظر واحات ووديان وجبال ورمال آدرار وعن زيارة مكتبات المدن الأثرية القديمة في شنقيط ووادان.
وتزامن ذلك مع تراجع منسوب التنمية والاستثمار في الولاية، وتزايد مشاكل العطش وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع نسبة البطالة وتفاقم مشاكل الصحة والتباطؤ الكبير والملحوظ في دراسة وتنفيذ طريق تجكجة – أطار واكصير الطرشان –شوم، مما كان له انعكاسات سلبية كبيرة على واقع التنمية في مدينة أطار، حيث تراجعت قيمة العقارات وتزايدت الهجرة من المدينة نحو المدن الكبرى بحثا عن العمل وعن حياة أفضل.
وعادت مدينة أطار، كما كانت في سنوات حرب الصحراء وفي فترة الثمانيات، مجرد قاعدة عسكرية لمراقبة ومطارة فلول القاعدة وتجار التهريب والمخدرات، وتراجع دور ولاية آدرار في التنمية وأصبحت ساكنتها عرضة للمرض والفقر والجهل، مما تسبب في كارثة حمى الوادي المتصدع، التي حرمت الكثيرين من الاستفادة، خلال ذلك العام، من منتوجات الثروة الحيوانية من لحوم وألبان.
ويقدر مستوى الاستثمار في الولاية،خلال السنوات الأربع الأخيرة، بثلاث مليارات، وجه أكثر من نصفها لإنشاء أرصفة من الحجارة المنحوتة، لا تدخل ضمن أوليات التنمية في الولاية، وقد ساهمت في تعطيل شبكة المياه العتيقة وحرمان السكان من الحصول على الماء، مما جعل أصواتا ترتفع من أجل وقف أعمال ذلك المشروع المثير للجدل من حيث التخطيط والتنفيذ.
وتعني أكبر واحات مقاطعة أطار ) من شح كبير في الماء، بالإضافة لظاهرة انتشار الآبار الارتوازية التي فاقمت من تلك الظاهرة، فقد أضحت واحة تيارت لتي تضم مدينة أزوكي التاريخية، عرضة للعطش وقلة المياه، بعدما أصبحت الممون الرئيسي لمدية أطار بالماء.
وساهمت الانقلابات الأخيرة والتحولات السياسية في إحداث مزيد من التهميش والإقصاء لمعظم أطر ورجال أعمال الولاية، حيث تم إقصاؤهم على التوالي من الوظائف الإدارية ومن الاستفادة من الصفقات العمومية، بحجة انتمائهم للعهد الفاسد، وكأن القادة الجدد جاؤوا من كوكب آخر ولم يكونوا من ضمن رجالات وأدوات ذلك العهد المعلوم.
ويظل الأمل معقود على أن يحدث لقاء الشعب تحولا استراتيجيا ومنعطفا جديدا في التعامل مع تلك الولاية أرضا وانسانا، من أجل إحداث التغيير المطلوب في مجال التنمية المحلية وتعزيز اللامركزية وتوفير عدالة في فرص التوظيف والتعليم والصحة والولوج للقروض الميسرة ومنح ولاية آدرار صفة الأولوية في برامج التنمية المتعلقة بصناعة التمور وتطوير السياحة وتكوين المصادر البشرية….
فقد أنفقت أضعاف تلك المليارات الثلاثة من أجل إقامة مدن جديدة في شرق وغرب البلاد، ولم تفلح في جذب السكان إليها وتم إهمال مدن مثل مدينة أطار، الموغلة في التاريخ وصاحبة الموقع الاستراتيجي والدور الثقافي والعلمي والسياحي، التي مر منها رجال كان لهم دور كبير في صناعة التاريخ الإسلامي في الأندلس وغرب إفريقيا وتنتصب -على بعد كيلومترات منها- أطلال مدينة آزوكي التاريخية ومزار قبر قاضي وإمام دولة المرابطين الإمام الحضرمي.
وكان لأهلها دور كبير في مقاومة الاستعمار وإسهامات مشهودة في تأسيس الدولة الوطنية الحديثة والدفاع عنها، وتمتاز بموقعها الجغرافي المتميز، الذي جعل منها عاصمة واحات النخيل والسياحة وجسرا للتجارة والعبور بين ولايات الوطن، ومع ذلك تبكي اليوم ضياع مركز قوتها، تحت تأثير الحرمان والإقصاء السياسي.
لذلك لا نريد للقاء الشعب في مدينة أطار أن يكون مجرد حدث سياسي عابر لاستعراض هموم وطن منكوب في موسم للكيطنة وإنما لبنة أولى لتطوير السياحة وجلب المستمرين وتثبيت السكان وتطوير واحات النخيل وجلب المياه لتلك المدينة وواحاتها .
Sidi_sidahmed@yahoo.com
Filed under: موريتانيا, أخبار Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment