Sunday 9 June 2013

منتجعنا السياسي الثابت والمتحول – أقــــلام حرة










محمد عبد الله ولد محمد يحي

برمنيدس وهيروقليطس فيلسوفان يونانيان شهيران تأثر بهما كل الفلاسفة الذين أتوا من بعدهم لكون كل واحد منهما أصل لإحدى حتميتين عميقتين ومتناقضتين تحكمان الطبيعة والإنسان، و لا يمكن أن يخرج عنهما أي شيء في الوجود : فالاشياء إما أن تكون (ثابتة) لا تتغير ولا تتحرك في سكون أبدي سرمدي واستقرار تستحيل معه الحركة والتحول حسب مقاربة برمنيدس ، وإما أن تكون الأشياء (متحولة )متحركة ومتغيرة في صيرورة أبدية دائمة يستحيل معها بقاء الشيء على طبيعة واحدة، من وجهة نظر لهيروقليطس ويستحيل الجمع بينهما ،فكل مذهب من المذاهب الفلسفية أسس مدرسته الفلسفية والاجتماعية على أساس إحدى هاتين الفرضيتين المتناقضتين وتبعا لذلك تعددت الايديولوجيات من حركية ديناميكية الى سكونية ستاتيكية .


وأنطلاقا من هذا المبدأ يمكن أن يفهم الأساس الفلسفي لمقاربتنا الإنتجاعية بأننا هروقليطيون حتى النخاع في كل مناحي حياتنا السياسية والاجتماعية المبنية على رمالنا المتحركة،وبأننا حركيين لدرجة الهيستيريا، فالإنتجاع يستدعي الحركة والتحول، بل إنه يتطلب تعدد الوجوه والأسماء وحتى تواريخ الميلاد للشخص الواحد، فعادة الإنتجاع تشكل جوهر ثقافتنا وتلعب دورا أساسيا وخطيرا في تكوين شخصيتنا وهويتنا، فجميع تصرفاتنا محكومة بصرامة هذه العادة أو على الأصح هذا القانون .


وقد جسد شاعرنا ومؤرخنا المرحوم المختار ولد حامد ذلك شعرا حيث يقول :


غنينا فى انتجاع خلا المراعي حوالي كل راعية وراعي


سنين حلا انتجاع الرعى فيها لنا وخلا لنا جو المراعى


حدونا ابلـــها مع كل حــــــاد وعاعينا بها مع كل عـاع


تكاد تنطبق هذه القاعدة على جميع (ساستنا ) بمختلف مشاربهم فهم يحدون إبلهم إنتجاعا للمرعى الخصيب من معارضة إلى مولاة ذهابا وإيابا تبعا لعادة الإنتجاع ، والمفارقة العجيبة في هذا السياق هي أنه في جميع دول العالم توجد تقاليد سياسية متعارف عليها تقتضي وجود كتل سياسية تتمايزعلى أسس ومبادئ ومنطلقات ثابتة يمكن إجمالها في ثلاثة كتل أساسية هي : كتلة اليمين ، كتلة الوسط ، وكتلة اليسار وكل كتلة تتشكل من مجموعة من الرؤى والمنطلقات تتعايش جنبا الى جنب، و لكل كتلة منها تصور وايديولوجيا ثابتة تتمسك بها و تحاول أقناع الناخب ليوصلها الى سدة الحكم لتمارسها كبرنامج متكامل تحقق من خلاله الرفاه والتقدم لشعوبها،وقد يستغرق ذلك عقودا من الزمن دون أن يدفعها ذلك الى الترحال ، فقلما تجد الترحال من هذه الكتلة الى تلك، وإن حدث ذلك فهي حالة نادرة ومعزولة واستثنائية جدا . فهل تصدق هذه القاعدة على أرض المليون منتجع أوالمليون هيروقليطي ؟.


يمكن القول إننا أمة منتجعة بإمتياز فمنذ أربعين سنة تقريبا ونحن في تيه الإنتجاع فمن يوم10من يوليو 1978 يوم أنهار سد (مأربنا ) :حزب الشعب الذي مثل أنذاك منتجعنا اليتيم ، ومنطلقنا الأول الذي لم يتخلف عنه إلا من رحم ربك ، من ذلك الوقت ونحن في رحلة التيه من منتجع الى آخر بعد ان تفرقنا أيادي سبأ، فبين كل جدب و جدب، وبين كل إنقلاب وأنقلاب ، ومن كل إنتخابات الى أخرى، ومن كل تعديل وزاري إلى آخر، تبدأ رحلة الإنتجاع لينقلب الأمر من حال إلى حال !!!، فمن منتجع هياكل تهذيب الجماهير ولتسألوا قصر الشعب عفوا قصر المؤتمرات إنه الشاهد الحاضر الغائب، الى منتجع الحزب الجمهوري الديموقراطي الإجتماعي وما ادراك ما الحزب الجمهوري حزب عالي بابا والأربعين منتجعا، إنه نفس الحزب الذي تحول بفعل عادة الانتجاع والترحال وعوامل التعرية الى حزب عادل لكنه لم يلبث أن وإد في المهد ولا يزال يترنح بسبب هجرات متالية مني بها بسبب ريح الجنوب التي هبت منذرة بموسم جديد، مما أستدعى طي الأمتعة أنتظارا لموسم هجرة جديدة،لأن عادة تيه الانتجاع تقتضي ذلك ولا سبيل للخروج عن تلك العادة.


ولضرورة التأقلم مع الاوضاع الجديدة فلا خيار أمام كل حرباء منتجعة من ضرورة تغيير جلدها كلما تغير الزمان والمكان خصوصا إذا أجدبت الربوع وأقترب الموسم ، ولقد بدأت تلك البروق تخطف وبدأت السماء تتلبد بالغيوم تمهيدا لموسم الإنتجاع فأرضنا تخضع لنظام الدورة الانتجاعية، فعلى الأقل إن لم تمطري يا سماء ماء فلتمطري سياسة ولتعشوشبي يا أرض ربيعا – لا عربيا طبعا !- او دنانير أو مناصب لا يهم (ألا إن لم تكن إبل فمعزى) والخير خير من أهله كما يقال، هذه هي أمنية كل سياسي حالم في بلاد المليون منتجع .


إن المهتم بفهم مجتمعنا ليجد صعوبة في أستيعاب طريقتنا في الحياة ولن يستوعبها إلا في إطار فهم هذه الحتمية التاريخية التي تحكم جميع تصرفاتنا الفردية والجماعية، فما إن تربط تلك التصرفات المبهمة والبدوية ( بعادة أو عقدة الانتجاع) – سميها ما شئت – حتى تجدها عصا سحرية لفهمنا وتأويل تصرفاتنا بل وأكثر من ذلك يمكن اتخاذها قاعدة للتنبؤ بمستقبلنا ،ولا غرابة فجل الدلائل التاريخية تشير إلى أننا قدمنا في رحلة قادتنا الى هذه الأرض منذ تاريخ انهيار سد مأرب في اليمن ولازلنا من تيه انتجاع إلى آخر، ومن ترحال الى ترحال حتى يومنا هذا وما تلك المدن الأثرية التي شيدنا (شنقيط ووادان وتيشيت وووو…..)إلا حالة الإستثناء التي تصيب كل قاعدة .


فمتى سياتي ذلك اليوم السعد الذي سنقرر فيه إلقاء عصا الإنتجاع والترحال لنبدأ حياة الإستقرار؟!. وهل من سبيل ليكسر سياسيونا روتين تقاليدهم الإنتجاعية الهروقليطية ، والإستعاضة عنها بالطريقة البرمنيدية أو بطريقة “الغزال الذي يموت في جدبه “، ؟!!!.


أم أننا على رأي أمير الشعراء الشيخ ولد بلعمش :


قدر علينا أن نسير وربما تتوقف الدنيا ونحن نسير


محمد عبد الله ولد محمد يحي


ndeyaha@yahoo.fr


أقــــلام حرة.




Filed under: موريتانيا, مرصد حقوق, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, مرصد حقوق, أقلام التغيير

No comments:

Post a Comment