Monday 3 June 2013

موت العواطف بموريتانيا


“انتهى زمن المواعيد.. لا مواعيد إلا مع المستشفيات. ونزار قبانى – رحمة الله عليه – لو كان بيننا اليوم لكان في جبل الشيخ من الزاهدين” .. بهذه الكلمات يختصر أحد الشباب ( ع/س) واقع الفئة الأعم من شباب البلد بعد ارتفاع نسبة البطالة وتراجع وتيرة التوظيف وارتفاع أسعار الإيجار والكهرباء والمياه وتوحيد أسعار الأدوية داخل مجمل صيدليات العاصمة نواكشوط.

على استحياء يتداول الناس أمورهم الخاصة بشيء من الحسرة على الماضي والاشمئزاز من الحاضر والتطلع إلى مستقبل أكثرا إشراقا من واقعهم البائس هذه الأيام.


فلم يعد للعواطف مكان في حياة أغلب الموريتانيين أو يكاد – كما يرى محمد الأمين ذو الستين ربيعا – بفعل ضغط الواقع الاجتماعي وحدة الأزمات السياسية وتشابك العلاقات داخل المدينة، وانهيار المنظومة الأخلاقية التقليدية بين السكان.


كف الناس عن حضور الأماسي الفنية بفعل ضغط الفتاوى الرائجة والحاجة إلى توفير النقود، وتراجعت مكانة الفن في نفوس متعاطيه بفعل جفاف العواطف وطغيان المادة، وتراجعت مكانة الفنانين بين العامة والنبلاء، وكف أصحاب السيارات عن تبادل الأشرطة والاستماع للموسيقي أوقات العمل،وباتت أغلب “أعلاب” البلد مهجورة ليلا، واختار أغلب سكان البدو السهول والوديان وتراجعت مكانة الهضاب والكثبان بعدما مات محبوها. كما يقول.


وبات من النادر أن تستمتع إلى الفنان الراحل الشيخ ولد آبه ليلا وهو يستعيد بعض ملامح “الحلة” بتكانت أو ديمي بنت آبه وهى تصدح بالأغاني الوطنية أو تستعيد مع الفنان الموهوب سدوم ولد آيده بعض أشعار “البرعي” مهدية النفس بعض السكينة والوقار، ومشعلة في النفوس معاني الحب والوفاء، بعد أن ضاعت هذه الكلمات وأخرى من قاموس الناس واندرست من واقعهم اليومي!..


وتراجعت مكانة سيدي ولد دندنى وسيدى أحمد البكاي ولد عو والقاضى ولد أنكذي في نفوس الجيل المعاصر، وقل مستمعو البرامج الشعبية على كثرة منعشيها في الإذاعات المحلية وبعض التلفزيونات الحديثة، وبات أغلب متعاطي الشعر مابين عازب احترف العزوبية أو فاشل في حياته الاجتماعية يحاول ملأ فراغ عظيم خلفته جروح الليالي وضيق ذات اليد.


تنفق الدولة الموريتانية أكثر من مليار و500 مليون على قطاع الثقافة من أجل احداث توازن داخل المجتمع بين الروح والجسد، غير أن أغلب برامج الوزارة والجمعيات الشبيهة واتحادات الفن باتت عرضة للضياع بفعل هجران الجمهور للعروض الثقافية والأيام الجهوية التي تحاول من خلالها الحكومة المحافظة على بعض التراث، ويجتهد منعشوها على استعادة بعض من ثقافة جيل عصفت بأحلامه المدينة!.


كثرت عمليات الانتحار في صفوف الشباب خلال السنوات الأخيرة، وارتفعت جرائم القتل والاغتصاب داخل العاصمة وكبريات المدن، والتحق آخرون بالجيل الجهادي في العراق وأفغانستان ومالي وسوريا، وباتت أغلب أشعار النخبة المهاجرة موجهة للتحريض ضد أنظمة الحكم في ديار الإسلام أو الجماعات المداهنة للواقع القائم وغابت ثقافة الحنين للديار واستذكار سنوات الألفة من قاموس الشباب المهاجر، بينما تشاغل بقايا جيل الستينات بنثر قصص خيالة عن مكانة مرموقة لشعراء البلد وشيوخه واستدرار عطف الحكام بالمديح والثناء وتنظيم أيام ثقافية لا مكان فيها لغير التعويض والتكريم.


تقول أوساط وزارة الصحة إن 7% من موارد القطاع موجهة لمستشفي الأمراض العقلية وشراء الأدوية المضادة للاكتئاب ، وإن حالة الجيل المعاصر تدعو للقلق بفعل ارتفاع أمراض الضغط والمعدة بين الجيل الجديد حيث تتراوح أعمار مرضى المعدة مابين ( 20 -33 سنة).


يتحدث أحد سكان حي السعادة (ملح) عن تراجع وتيرة الحفلات الاجتماعية بالمقاطعة الأكثر مرحا بين مختلف مقاطعات العاصمة منذ دحمبر 2012 ، وباتت ليالي “الجمعة ” في الحي شبيهة بأربعائه!


ويرى بعض سكانه أن عزوف الشباب عن الزواج وتراجع الحفلات المصاحبة لما تيسر من حلال راجع إلي ضغط الواقع المعاش، وقلة السيولة بالمدينة مع موضة زهد باتت تفرض نفسها على مجمل الأسر بعد سنوات كانت فيها شوارع الحي عنوان مسرات دائمة، وتعبير صادق عن حياة الناس داخل الحي فقير!.



المصدر




Filed under: موريتانيا, أقلام التغيير Tagged: موريتانيا, أقلام التغيير

No comments:

Post a Comment