Friday 9 November 2012

التردد القاتل في مواجهة أشباح الانقلاب | ‫#موريتانيا أخبار



Daha_sg@yahoo.fr


الجمعة 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012










عبد الرحمن ولد أمبيريك (الدَّحَّ)، صحفي موريتاني مقيم بالمغربْ

مضى الآن شهرٌ تقريبا على إصابة رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز فيما تتواتر الدلائل على أنَّ حالته الصحية ‘للأسفْ‘ لا تنفك تتردى وإنْ كانت أيَّ معلومات مؤكدة عن صحته لم ترشح إلى الآنْ. من اللافت أنَّ السلوك التواصلي للنظام -سواء عبر مؤسساته الإعلامية البائسة أو عبر الصورة الأخيرة الكاذبة الخاطئة المنسوبة للسفير ولد إبراهيم أخليل- هو ما يُؤكد سوءَ حال الرئيس من حيثُ أراد العكسْ.


لقد ظل الخطاب التواصلي الرسمي بشأن الحادثة ينزع إلى الترهل بإصرارٍ مريبْ حتى لبعض دوائر السلطة.و قد تدرج هذا الخطاب في قوته على نحوٍ تنازلي قاتلْ من ظهورٍ متلفز غداة الإصابة إلى صورة مع وزير الدفاع الفرنسي بثتها الوكالة الرسمية ‘مرورا بالمقابلة مع الملازم الذي يُفترض أنه مطلق الرصاصة الصديقة‘و انتهاء بصورة ولد إبراهيم أخليل.و تُوَّج مسار الانتكاسات هذا بالسكوت الرسمي المُطبق على ما نشره موقع (نيوميديا الجزائري) عن إصابة الرئيس بالشلل.


يُثير تلكأُ النظام في الكشف عن حقيقة إصابة رئيس الدولة شكوكا جدية و وجيهةْ عن الجهات التي قد تَستفيد من ذالك و آفاق التوظيف المحتمل للغياب المفاجئ للرئيس من المشهد.و هنا تجدرُ الإشارة إلى انتظارية و تمالئ الحزب الحاكم الذي اكتفى ببياناتٍ هزيلة تَهتم بالهجوم على المعارضة أكثر من اهتمامها بالدفاع عن رأس النظامْ.يُساعد رصدُ سلوك الحزب الحاكم مجازا (بحكم تابعتيه) في رصدِ معطى أهم وهو موقف المؤسسة العسكرية التي تحكم فعليا البلاد راهنا‘و لا يعسرُ ذالك إذا ما استحضرنا قرب رئيس حزب الدولة من قائد الأركان و دور هذا الأخير (عام 2006) في هندسة المجموعة البرلمانية التي ستُشكل لاحقا نواة الحزب‘و قبل ذالك رأس الحربة في معركة الإطاحة بالرئيس المدني سيدي ولد الشيخ عبد الله.


في ضوء المعطيات السابقة‘تبدو المؤسسة العسكرية عازمة على دفع الرأي العام المحلي إلى التصالح مع واقع التيهْ و العبثية الراهنْ فيما يتردى البلد في أزمةٍ تكاد تُلامس حدود الوجوديةْ.و لا يُمكن فهم هذه الإرادة إلا في حدود مخاوف المؤسسة العسكرية من تداعياتِ إعلانِ الشغورِ الدائم لمنصب الرئيس و ما قد يَفتح من آفاقْ لوصولِ شخصٍ غير مرغوب فيه من الجيش إلى السلطة.و تُسعف هذا المسعى الثغرة الدستورية المعروفة بشأنِ الشغور المؤقتْ.


تجد المؤسسة العسكرية نفسها محصورةَ بين حدين هما؛تفادي إعلان الشغور النهائي و تفادي انقلابٍ عسكري صريحْ لن يكون مقبولا محليا و لا دوليا‘ سيما في ضوء الإعداد الدولي للحرب في شمال مالي و ما تأمله المجموعة الدولية (و تحديدا فرنسا و الولايات المتحدة) من دور موريتاني يُخشى من تأثره سلبا بأي أزمةٍ سياسية داخلية.


و الحال هذه ‘يبدو جهد المؤسسة العسكرية متجها إلى إيجادِ مخرجٍ من مأزقها‘ و تَشي بذالك الاتصالات المكثفة لقائد الأركان بسفراء غربيين و عرب و كذالك بوفودٍ عسكرية غربية و تحديدا فرنسية.و الحال هذه تثور شكوكٌ وجيهة عن سعي المؤسسة العسكرية إلى الدفعِ باتجاهِ مرحلةٍ انتقالية طويلة نسبيا‘ تُجاوز الآجالْ الزمنية التي يُحددها الدستور في حالة الشغور الدائم لمنصب الرئيس‘و هو ما يُساعدها على استيعاب المعطيات الفجائية الوافدة على المشهد السياسي في ضوء الغياب المفاجئ للرئيس.و الهاجس الرئيس للمؤسسة العسكرية‘ في هذه الحالة‘ هو قطع الطريق على أيَّ مفاجئات غير سارة قد تُفرزها انتخاباتٌ رئاسية مبكرة سيما أنَّ القطيعة مع الأنظمة العسكرية باتت مطلبا لدى شرائح واسعة من النخب الموريتانية خاصة الشبابْ.


لقد وفَّرت إصابة محمد ولد عبد العزيز فرصة سانحة للقطيعة مع النظام العسكري ‘لأنها جاءت في سياقٍ إقليمي سمته البارزة‘ في عمق موريتانيا العربي‘ ثوراتٌ شعبية اقتلعت أنظمة استبدادية عريقة كلها عسكرية في أصلها‘ أما إفريقيا فإنَّ التطور السياسي يجمعُ بين الانقلابات العسكرية و بين الانتخابات‘و لكنه في مجمله ينزعُ إلى القطيعة مع النظم العسكرية و تكريس التناوب الديمقراطي‘و نذكر هنا بحالات غينيا و النيجر و بنين و كوت ديفوار و السنغال‘و أخيرا مالي التي أظهر الموقف الدولي و الإقليمي صرامة حازمة من الزمرة الانقلابية و أرغمها على التخلي عن السلطة.


و في سياقها الداخلي‘جاءت إصابة الرئيس في وقتٍ تَرفع قوى المعارضة مطلب رحيله‘ و تُسندها في ذالك عوامل داخلية شاهدة مثل تدهور الأحوال المعيشية‘ و تفشي البطالة‘ و الفساد المالي و الإداري في الدوائر الضيقة للسلطة (عسكرية و سياسية و قبلية) على نحوٍ غير مسبوقْ.بيد أنَّ قوى المعارضة لا زالت مترددة أو عاجزة على نحوٍ قاتل في إنجازِ التعبئة الضرورية لمسايرة الوضع الجديد‘و كذالك حال الحراك الشبابي‘و من أبرز مكوناته حركة 25 فبراير.


لقد بات حتميا ‘تفاديا للكارثة‘ ميلادُ جهدٍ نضالي جماهيري يتسم بالجدية و الحدةْ و الوعي بأنَّ المعركة لم تكن يوما مع ولد عبد العزيز و إنما مع الحكم العسكري المُكرس بطبيعته لحكم الفردْ.و بالتالي فإنَّ من واجبِ الجهدِ المأمول أنْ يرسم هدفا أوليا هو انتزاعُ إعلانِ الشغور الدائم ثم فرضُ احترام المقتضيات الدستورية المترتبة على ذالك و في مقدمتها الآجال القانونية.


إنَّ خسارة هذه المعركة ‘لا قدَّر الله‘ سيُعيدنا إلى الثالث من غشت 2005 و ما أعقبه من تيهٍ لا زلنا نعمهُ فيه على غير هدى إلى اليومْ. و قد قال ابن الأَثير إنَّ العَمَهَ في البصيرة كالعمى في البصَر.


عبد الرحمن ولد أمبيريك (الدَّحَّ) صحفي موريتاني مقيم بالمغربْ


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment