Tuesday 13 November 2012

حالتنا المدنية… حالة يرثى لها | ‫#موريتانيا أخبار


الثلاثاء 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012









د. اعل الشيخ اباه احمد الطلبة

أذكر جيدا ذلك اليوم الغائم الذي تأخرت فيه لمدة 45 دقيقة على طابور مطار هثرو “Heathrow” في العاصمة البريطانية بسبب جواز سفري الموريتاني. لقد قدمت جواز سفري لصاحب الخطوط ليقوم باستخراج بطاقة صعود الطائرة فبدأ بتصفح جواز سفري بحثا عن الاسم وتاريخ الصلاحية ورقم الجواز وهي كلها أشياء مبعثرة في جواز سفرنا السيء الكتابة واللون والحجم ويملؤه الفراغ المفزع في كل صفحاته. بعد أن تعب صاحب الخطوط من تصفح جواز السفر الغريب سألني أين رقم الجواز فأشرت الي الصفحة الأولى مقلوبة من الأعلى فأدرك صديقي وعلامات التعجب تعلو جبينه، فأجاب: آههها…


ثم بدأ بملء استمارة “Boarding Pass” لكنه قبل أن يسلمني جوازي أشار لمسؤوله الذي حضر على الفور وبدأ يكلمه بالهمس وبعد برهة كلمتني المسؤول بكل رقة واحترام وتفخيم:


سيدي، من اي دولة أنت؟ فأجبته أن الدولة مكتوبة بثلاث لغات على الجواز وبخط عريض هي “الجمهورية الاسلامية الموريتانية”، فأعاد النظر في الجواز ثم أردف القول: لكن الا ترى معي سيدي أنه من الغريب أن جواز السفر هذا مكتوب بخط اليد على خلاف كل جوازات السفر التي نمر بها في معاملاتنا اليومية…


بعد استعادتي لجواز سفري تمعنت فيه جيدا وكأني أراه للمرة الأولى لاحظت ان الاسم والتاريخ والمهنة كتبت بخط ليس بالسيء لكن بأقلام مختلفة الحبر أو، على الأقل، كما يبدو. ربما سكون الشخص الذي كتب على الجواز تناول قلما آخر وأكمل به الكتابة…


هذه حالة جوازات سفرنا المزرية والتي تثير الشفقة كما تثير التعجب والاستنكار كما حصل مع عمال الخطوط الابريطانية على أرضهم. نفس الرجة من سوء الخدمة والعبثية تنسحب على بطاقة الهوية وتاريخ الميلاد بحيث يبدو وكأنها صدفة خارقة للعادة تسببت في توحيد تاريخ ميلاد جميع الموريتانيين 31/12/….


كلنا نعرف هذا التاريخ الاعتباطي الذي ينطبع على أوراقنا المدنية بدون علم منا وكأنها استمارة موحدة لجميع عمال الحالة المدنية لتوفر عليهم الجهد والجدية والاتقان التي هي مفاعيم لايتحلى بها من عمالنا ومسؤولينا الا من رحم ربك…


الحالة القديمة:


منذ ميلاد موريتانيا ذات ضحا عن طريق الصدفة التاريخية وخروج الوطن المعتوه من رحم الجغرافيا المنبوذه منذ حوالي 52 عاما ونحن في صراع مع الوجود، همنا الوحيد أن نقنع العالم وأنفسنا بأننا هناك في منكبنا البرزخي ولنا دولة تشبه في شكلها الظاهري بعض الضواحي التي تشكل طوق الأمان لعواصم العالم…


عجزنا منذ 52 عاما ولازلنا عاجزين عن توفير حفنة البشر التي كتب الله عليها السجن في ربوع أو نفود تلك الصحراء الشاسعة. مرت الحكومات بعدة محاولات لضبط الحالة المدنية لموريتانيا لكنها عجزت عن ذلك لعدة عوامل:


1. العامل الاجتماعي: لاتتوفر موريتانيا على بنى اجتماعية وحضرية تساعد على بناء مؤسسات معاصرة تقوم بضبط الملفات المدنية وتعمل على تنظيمها واعادة انتاجها. لذلك تجد أن اي شخص مولود خارج العاصمة نواكشوط لايمكنه أن يستخرج اي “شهادة ميلاد” الا اذا قدم الي العاصمة او كلف بها أحد أقربائه…


2. العامل الاداري: إننا في موريتاني نعاني بشكل مثير للشفقة من المركزية الادارية. إن العيب في هذه المركزية ليس بسبب غياب مؤسسات الدولة الضعيفة لكن أيضا بسبب العقلية المتخلفة للموريتانيين وتمسكهم بالتقري العشوائي في أدغال الصحراء. لذلك تجد قريتان لايزيد سكان كل منهما عن 25 اسرة ولا تزيد المسافة بينهما اكثر من 5 أميال وعلى الرغم من ذلك ترفض كل واحدة منهما الانضمام الي الأخرى. في ظروف عشوائية كهذه لايمكن للحكومة أن تنشئ بنية تحتية إدارية في كل قرية وكذلك لايمكن ان تجعل من هذه القرى المتناثرة شبه مركز اداري.


3. العامل السياسي: نظرا لقلة عدد السكان في موريتانيا وشساعة الصحراء وقرب عهدهم بالبداوة لازال معظم المواطنين لايعتقدون في أهمية الولة والأوراق المدنية الا في حالة اهتمامهم بتدريس الأطفال مع ان الكثير منهم لايهمه التعليم كأساس ومنطلق جوهري لباء الفرد والمجتمع ولكن كمحاكاة للناس من حوله، ككل الأشياء في مجتمعنا تبدؤ بالمحاكاة وتنتهي بها وسط عبثية وسطحية لاتطاق…


قد تزيد العوامل وتكثر كثرة العوائق والمؤثرات التي تعصف بوطن هش كموريتانيا. لكن أزمة أوراقنا المدنية والتساهل والتلاعب بها جعل من حالتنا المدنية حالة اجتماعية وسياسية وادارية يرثى لها وتسيء لكل المواطنين في الداخل والخارج…


الحالة الجديدة:


بدأت مأساة الحالة المدنية المزرية والناتجة عن العبثية السياسية للدولة تطفو على السطح مؤخرا مع بدا يه الاحصاء السكاني في 2011 والذي وصفه الكثير من المراقبين أن “احصاء عنصري” لايعتمد على إحصاءات دقيقة ومعطيات اجتماعية مقنعة بقدرما يسعى الي التشكيك في أنساب وجهوية بعض الموريتانيين…


قبلنا الاحصاء على مضدد لكن المفاجأة كانت أكبر عندما ظهرت جوازات السفر الرقمية الجديدة أو مايطلق عليه البعض “بايومتريك” والذي تسبب في تعقيد الوضعيات الاجتماعية للآلاف الموريتانيين المغتربين في الامارات العربية المتحدة وانغولا وبعض الدول الافريقية والعربية الأخرى…


ففي الامارات مثلا رفضت مصلحة الجوازات تجديد الاقامة للذين حصلوا على جوازات السفر الرقمية الحديثة بسبب غياب الاسم الثلاثي الموجود في الجوازات القديمة وكذلك بسبب الدقة في كتابة الأسماء بالأحرف اللاتينية. من المعروف أن “خدمة الجوازات” في الامارات العربية دقيقة وحساسة في التعامل مع الأجانب وترفض التدخل او متابعة أي اجراءات تقوم بها أو تتعلق بمايسمى “الأمنية” التي هي متعلقة بالأمن القومي في الامارات….


حاول بعض المقيمين الموريتانيين الحصول على ورقة من السفارة لتأكيد تطابق الأسماء لكن مصلحة الجوازات الاماراتية رفضت الاعتراف بها بسبب تكرار الحالة الادارية للموريتانيين. هؤلاء الموريتانيين هم ضحية للتلاعب الاداري واللامسؤولية السياسية لبلدهم التي لاتلقي أي بال للتبعات القانونية والسياسية التي قد تلحقها هذه الأخطاء الجسيمة بآلاف الأسر والمغتربين الموريتانيين في الامارات…


نفس الحالة السئية للحالة المدنية الموريتانية تنطبق على آلاف آخرين يعيشون أو يتسكعون في دول افريقيا. كيف يمكن حل هذه المثاكل الادارية؟ وهل هناك حكومة مسؤولة حاليا في موريتانية يمكن أن تعمل على حل هذه المشكلة…؟


تختلف الحالتان أو تتشابهان لكن الضحية دائما هو المواطن الموريتاني المغلوب على امره والذي هو ضحية للتلاعب السياسي من طرف الحكومة من جهة ولاميالات القائمين على الحالة المدنية في بلد تتشابه فيه الي حد التماهي جميع الحالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية من حيث السطحية والخداع والممارات والمحسوبية….


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment