الاثنين 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012
بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن / المدير الناشر ورئيس تحرير جريدة الأقصى |
منذ 13 أكتوبر ، يوم إصابة ولد عبد العزيز ، والموريتانيون يعيشون تحت رحمة الشائعات وربما التلفيقات .
فأول تصريح كان مع وزير الإعلام ، الذي تحدث عن إصابة خفيفة ، ناقضت كلام ولد عبد العزيز نفسه ، صبيحة ذلك اليوم ، وحديثه عن تجاوزه حالة الخطر ، وإجراء عملية جراحية ، مما أكد أن كلام وزير الإعلام ، كان احتقارا بالغا للشعب الموريتاني .
ويبدو أن كل الجهات الرسمية، سواء كانت عسكرية أو مدنية ، لا تضع في حسابها الرأي العام الوطني أو بعبارة أخرى الشعب الموريتاني .
أليس من حق الناس أن يعرفوا ما جرى مع من يحكمهم ، وحالته الصحية الحقيقية ، وماذا يناسب هذا الوضع الصحي ، من إجراءات وخطط سياسية ، تمنع الدولة من التوقف أو التأثر البالغ بما طرأ منذ مساء 13 أكتوبر المثير.
إنها أمة تعيش مع التخمين ، على ضوء ما يتم التقاطه من أنباء ، متفاوتة الصحة .
وإلى حد الآن ، لا يوجد دليل حاسم على قدرة ” الرئيس ” على العودة الطبيعية لعمله، كما لا يوجد ما يمكنه نفي ذلك ، على وجه خال من المبالغة ، وكل ما نعرفه ، أن عزيز أصيب في نواكشوط أو ضواحيه، برصاصات غير قاتلة ، أدخلت صحته في حالة من الغموض ، كما أدخل البلد في دوامة من التساؤل والحيرة .
إن ما حصل من أسلوب تعامل غير لائق مع المواطن الموريتاني ، في هذه المناسبة ، يدل على الفشل التام للإعلام الرسمي ، فكأن موريتانيا ملكا لمن يحكمها ، وليست دولة للجميع ، لهم الحق في معرفة حالها الراهن ، ومستقبلها المنظور ، على ضوء ما هو متوفر من معلومات صادقة دقيقة .
وفي هذا الصدد ينبغي أن يعرف من يهمه الأمر ، سواء كان مدنيا أو عسكريا ، أن هذا الغموض المركب ، يؤثر على اقتصاد الوطن ، وأمن الوطن ، ومجمل أموره المصيرية .
فبعد هذه المدة غير القليلة ، تحتاج موريتانيا ،إلى رسم خطة مقنعة حاسمة ، لتجاوز حالة الفراغ .
فالدولة تعيش شللا ، إن لم نقل كليا ، فهو جزئي ضار ، خصوصا مع مرور المزيد من الوقت .
وإذا كان أغلب الموريتانيين ، بحكم مسالمتهم وتسامحهم ، يرجو شفاء محمد ولد ولد عبد العزيز ،فإن هذا لا يعني التفريط والتساهل في أمور الشأن العام ، فوضعه الصحي ، ينبغي وضعه على طاولة البحث والتمحيص الموضوعي ، من النافذة الصحية ، تمهيدا لمقاربة قانونية دستورية ، تمنحه أو تمنعه ، من الاستمرار في الموقع الرئاسي.
وهذا موقف من الجدير بكل مواطن معارض أو موال ، الاهتمام به والضغط من أجله .
أما ترك المسألة في دائرة الكتمان والتجاوز، فهذا غير مقبول ، وغير مفهوم البتة .
فالبقاء لله وحده ، وما يجرى بين الناس ، من توافقات نظرية ، من أمر الحكم ، تابع لقيود قانونية محددة ، لايجوز التلاعب بها ، وحصرها في دائرة العاطفة أو التقديس .
ففي عاصمتنا لا يوجد مسير معلن معروف، للأمر العمومي الموريتاني ، وهذا قدر كبير من شخصنة منصب الرئاسة الحساس .
فبعد الانقلاب والاستبداد والتسيير الأحادي ، تأتي مرحلة حكم “الصور ” المفبركة أحيانا أو المعلقة على الأعمدة أحيانا أخرى ، والمعلومات المغلوطة ، ونيابة العسكر ، دون تفويض سليم ، على الأقل في بعده النظري المنصوص .
قد لا يكون الوقت كافيا، للرد على معظم الأسئلة العالقة، ماهية صحة ” الرئيس ” ، مصير الحكم في البلاد . لكن الواقع قد أظهر مدى ضعف الجميع ، سلطة وموالاة ومعارضة .
فالبعد الوطني ، والحد الأدنى من مفهوم الدولة والشفافية، كان غائبا ، أو على الأصح مغيبا ، عن قصد وسبق إصرار، حتى الرواية الرسمية ، للطلق الناري ، لم تقنع المواطن، الذي بدا شديد الشك ، في كل ما هو رسمي ، ويتعمد البحث عن مخارج أكثر صراحة واستقلالية عن” المخزن” .
فهل يعي الرسميون معنى ذلك و دلالاته القريبة ، فعلى الأقل المواطن الموريتاني غير تابع تلقائيا ، ومن الصعب ترويضه ،مهما كانت درجة المجاملة عنده.
إن الحكام لايعتبرون أنفسهم ، مجرد حفظة أمانة ثقيلة شاقة ،أو نواب عن الشعب ، وإنما الرأي العام الوطني شديد التغييب ، وكأنه لا صلة له بهذا الهم العمومي المختطف!.
وفي هذا الاتجاه على النخب ، أن تعمل على إعادة توجيه البوصلة ، وشرح المفاهيم الوطنية ومحاولة تكريس المفهوم العام للدولة وسائر ما يتعلق بها .
فحق التكتم من أجل المصلحة العليا للوطن ، لا يبرر حد التلاعب الراهن ، الذي وصل إلى الكذب على الناس ، وعدم إشراكهم في أخص قضاياهم الوطنية ، وأكثرها حساسية وجوهرية ، بحجج واهية باهتة.
تراجعت المعارضة الراديكالية ” المنسقية ” إلى مستوى البحث عن مخرج دستوري ، وكأنها الاستعاضة عن الرحيل المباشر القسري غير المشروط ، إلى الرحيل عبر بوابة الدستور والقانون، تحت ضغط المرض الشديد ، الذي تتركه “المنسقية ” للمفهوم، عير تمنيها بالشفاء .
والموالاة في شغل بسبب غياب الزعيم ، وعدم وضوح الرؤية وتعدد الو لاءات .
وبقي الشعب دون مرشد ، ناصح مخلص ، لأنه يفضل أغلب أفراده قصة الرغيف والسؤال عن الحال الصحي حقيقة ” للرئيس “الغائب خلف البحار ، منذ عدة أسابيع .
فهل نفكر يوما في الوطن والمواطن ، بصورة جادة صادقة ، بعيدا عن الحسابات الضيقة .
فنقدم مثلا الأدلة على عافيته لله الحمد ، ونترك معارضتنا تندب حظها في الرحيل عبر الربيع العربي الموريتاني الصنع ، والموالاة في وادها ، من الإطراء والاحتفالات واقتسام الكعكة ، والمقربون في مسلسل النهب والغصب ، والمعارضون ” المستقلون ” البعيدون من المنسقية والمعاهدة في ديدن الحرمان والتأمل الطويل.
وهذا خيار ، أو نقول شيئا آخر ، لاقدر الله، دون الخطر على الحياة ، وفوق السياق الصحي العادي ، ما قبل 13 اكتوبر ، ونرتب له ما بلائمه ، من حزمة القوانين والإجراءات الميدانية ، حتى لانترك وطننا “سيبة ” للانقلابات والمؤامرات والمبايعات أو المفاجآت . إن الأمر جلل ،ويتطلب قدرا أكبر ، من الوضوح والمكاشفة الغائبة ، فهل نبادر قبل فوات الأوان؟.
تسبح في مواقعنا الإلكترونية ، فتدرك بسهولة ، كم أن الحقيقة صعبة المنال ، وسط الرغبة الجامحة ،في كشف المستور وإحكام إغلاق مصادر الخبر الصحيح في المقابل .
ويبقى الرأي العام الوطني ، دائما هو الضحية ، فالدولة حرمته من إيجاز إعلامي يومي أو أسبوعي ، عن حالة ” الرئيس “والإعلام المستقل يسيس بعضه الخبر ، ويقصد توجيه القارئ ، إلى جهة تخدم ما يريد ،من أجندة معلنة أو مخفية .
اغتيل عبد الله ولد عبيد رحمه الله – عمدة أطار – سنة 1960 ، ومازالت قصته غامضة وإلى اليوم ، وسقطت طائرة ول بوسيف رحمه الله ، ومازالت تفاصيل الحادثة المروعة ، دون نشر رسمي مفحم حاسم ، وحدث الكثير في هذا الوطن الناشئ ، دون بيان رسمي شارح، فهل تكون “إطويله ” مجرد رقم في الآئحة الطويلة المهملة ؟
من حقنا أن نعرف ، ومن حقنا أن نسأل ، ومن حقنا أن نتكهن وتتوقع، إن لم نفلح في كل ماسبق من معرفة وسؤال مهمل ، رغم شرعيته وأحقيته .
ويبقى الجميع ، دون معلومات فاصلة ، فإلى متى هذا الغموض والترقب المربك ؟!.
لقد فشل الجميع في الإجابة على اللغز المحير ، من الفاعل ، أين ، ولماذا ، وما المصير؟
أسئلة مشروعة متعددة ، ستظل محرجة للنظام القائم ،أوما بقي منه ، وحرجه لمن يدعي أنه يمثل الجناح المعارض ، خصوصا الراديكالي منه ، المبالغ في الاستقلال عن دفة الحكم والنفوذ .
فهل ننجح في قادم الأيام ، في وضع حد ،لهذا الغموض المرهق السلبي ، المهدد لوجود دولتنا ومشروع ديمقراطيتنا ؟. وسيبقى الحفاظ على الاستقرار الهش هدفا غاليا في حساب كل الوطنيين .
كما إن إسقاط حق التحقيق الجنائي القضائي في أمر الرصاصات المثيرة ،سيظل هو الآخر، أغرب إجراء في هذا الحدث الكبير ، ولعله مقصود، لإخفاء الحقيقة كاملة ، وتغييب الرأي العام في أبشع الصور.
Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا
No comments:
Post a Comment