Sunday 4 November 2012

“جواكر” العقيد | ‫#موريتانيا أخبار



وخزات قلم – 4


الأحد 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012










(عودة إلى الأرشيف، خارج سياق التراشق الحالي بالنيران الصديقة والتهارش بالكلمات العدوة بين موالاة تجسم الفراغ ومعارضة تغرف من الهواء)

شكل العقد الأخير من عقدي العقيد عصرا ذهبيا لنمو طبقة اجتماعية نمت كالفطر تحت فسطاط الفساد السلطوي ذي السقف العسكري والأعمدة المدنية والتربة القبلية والهواء السياسي، .. هم “جواكر” المجتمع المخملي الجديد، منهم العسكريون وأغلبهم المدنيون.


و”الجوكر”، في الغالب، آت من الأعماق – وكل البلاد عميقة – مستنبت في الوسط الحضري، مُحَسَّن الجينات لاختلاط النطف فهم صنف مزواج، مسرع النمو بفعل سماد المال العام السهل فرؤوسهم برامكة العقيد وإن لم يفتك بهم. والجوكر مستهلك من الطراز الأول بنّاء بالمجهول من المصادر، رفّاعٌ بعوج للأسقف نصابٌ للخيم المفتوحة فوقها علامة إعراب عن بداوة كامنة تظهر على آخر دور، هو صراف مسرف، كسّار لكل قيود الميزانية، جرّار لكل ذيول الخيلاء في عصر “الظهور”، لاهث خلف أخيلة الموضة، مسكون بالأناقة متبتل في بيوتها متفنن فيها مفتون بها ناتف مستنتف صابغ مصبوغ قاص مستقص مهذٍّبٌ متمذهبٌ منَعِّم متمعن مملِّس ملتمس لأقصر السبل لتبديل جلده وإصلاح ما أفسده بعد الشقة وتراكمات عوامل التعرية ورواسب التغذية، كل تلك الأوصاف موجودة وإن اختلفت السياقات والقياسات فالجواكر مذاهب كثيرة.


ولأن الأشياء بأضدادها تعرف، فالتعريف الشامل لهذا الصنف هو كونه خلاف الطبقة الوسطى التي كان قد خرج برعمها من ساق نبتة مجتمع ما بعد الاستقلال المتمدن الناشئ حين كان لكلٍّ صنعته ولبوسه وقسطه من الهيبة الاجتماعية وإن اختلفت المشارب وتباينت الرتب الوظيفية وتعددت السحنات. فالجواكر بروز غير محمود في نسيج المجتمع بعد أن تجاذبته أيادي الشد وطالته معاول الهد في مشغل السياسة الذي أداره العقيد ليحكم به البلاد من خلال دمى سياسية لقبائل برع في تعميم إمعات عشائرها وترقيق أفخاذها وتقزيمها وتمزيقها وتقصيرها وترقيصها ملمحا بالجزرة وحاملا للعصا فدانت له الأقوام وأذعنت إلا من رحم الله.


هم وفق ذلك نسل أصحاب بيعة الجزرة ونساك محرابها ومترصدو مواسمها ورُتّع بساتينها المتعهَّدَة من ثقاة غثاء السياسيين السمن ذوي الأسنمة المتعددة تعدد حكومات التشريفات الراشفات رشفا حين كانت الصفقات للمصفقين والتوريدات للمريدين وحرم ذلك على المستعفين.


وسنام الجوكرة يكون بالتطاول في البنيان ولعل مرد ذلك لكوننا أهل هذه الفيفاء، في نمطنا التقليدي، كنا، في الغالب، ذوي أعرشة وخِيَم ولم نعهد الغرف والدُّور إلا للمؤن أو للمساجين، فكأننا في عقلنا الباطني الجمعي نعاني من ازدواج في الذوق المعماري فنحن ذوو شهوة لرؤية الصروح الكبيرة وذوو نفور من البقاء بين جنباتها فكان نتاج ذلك بيوت فارهة المظهر، فوضوية المضمون، يتراءى أصحابها من على شرائحهم الاسفنجية الأرضية و”المجوقلة”، متناثرين في البهو قد وضعوا ثيابهم حتى في غير أوقات المنع يتحاكوْن الطُّرف ويتغاضون الطرف، يتكاحّون ويتحاكّون، تاركين الغرف للقوارض ونشء الصراصير تمرح في أرضياتها وللعناكب سطوحها متخذة منها فضاء لورشها المعلقة.


فإذا كان وقت النوم – والمواقيت متعددة – بدأت رحلة بداوة داخلية يُحمل فيها الزاد من ماء ولبن ونواشف تنقع في الأقداح وقطع ملابس موضوعة – والوضاعون كُثْر-، وتضرب الناموسيات قد علم كلٌّ مضجعه فتعج الأفنية والأسطح والممرات بل وحواشي الأسوار من جهة الشارع (وهو مذهب أهل “التحييط” اتفاقا في الصيف) ثم المرآب (وهو مذهب أهل الحيطة من “المحيطين”)، ويتوشح فراغ الدار بالبياض ومعمورها افتراضا بالسواد حتى يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود للمتعجلين ثم انقضاء وقت منع النافلة للأواسط إلي أن تفعل الشمس فعلها في البقية الباقية، لتبدأ رحلة الإياب المتسم غالبا بالفوضوية فسلاطين النوم ممسكة بالحواجب والمسالك غير ممهدة ودورات المياه رفاه لا يدركه إلا الجسور ذو الخفة والمناورة وأما أحواض الاغتسال فمبنية بالكبريت الأحمر.


والعجيب أن ضخامة الصروح المبنية واتساع مساحتها كل ذلك لا يوفر لقاطنيها أبسط درجات الخصوصية فكلٌ في فلك الآخر سابح رغم الجدر الخرسانية فلا توصد الأبواب إلا لجلل الخطوب أو عند المغادرة الجماعية للدار. فلا عجب أن يحظى الداخل إلى صالون الجلوس (افتراضا) عنبر المعيشة (واقعا) برؤية بانورامية غير رقمية مجانية لتفاصيل أحوال أهل الدار دقِّها وجلّها ليعلم – ما لم يوقف عمل ثلاث حواس لديه – أن بالدار صبية متنازعي الرضاعة يزحفون بحفاظ وبغير حفاظ، وأن بالمكان قطا طوافا وأن الطقس الداخلي ينبأ عما تغلو به قدور أهل الدار وأن ذائقة الساكنة متباينة تمتزج فيها “بيكيات” “حراك أكوم” بحشرجة “امينيم” بمووايل الأناضول وتسجيلات “الشنة” المحلية …


ولا تقتصر فوضى الفلل – المخيمات تلك على انعدام الخصوصية بل إنها تشهد على كون المجتمع الجوكري، نظراً لسهولة مال الفساد وفجاءة التنقل إلى المدينة، هو لوحة تناقضات متحركة طوى شخوصها مسافات السفر قبل أن يطووا صفحات سِفْر التحضر المبني على التدرج والنظام والنّصَب للوصول للهدف في إطار تنافس بين أفراد المجتمع ومكوناته المختلفة.


فكم من فلل ذات أعمدة رقطاء الدهان عالية المدخل منمقة الفسيفساء محناة الجدر والأسقف يعثر الداخل إليها بثوب عالق تركه أحد الوضاعين، أو يجلس زائر أهلها في قصعة بها بقية طعام تشوكس حولها ثم تركت حيث هي، أو ينزلق في حركة اكروباسية مفاجئة لوقوع قدمه على قشر موز ألقى به أحد رواد الدار من “المتفكهين الجدد” ممن يجمعون الموز والتمر والبرتقال في شدق واحد تحلية يريدون بها جلاء هم إرث من تراكم رواسب تنفنكران والكارور وتوكه ومنجاقه وغيرها من نواشف حلوياتنا المحلية.


وما ينسحب على الدور ينسحب على ما بداخلها من أثاث فالتهافت على ما كبر حجمه وعلا عن الأرض وزُركش ونُمّق وكثرت مسانده ففي ذلك حنين إلى ارتفاع “الخبطة” (و “أَقَرْقَرْ” لغة فيها في الشرق الأوسط، و”تْشكَّلْ” وجهٌ فيه أيضا لدى أهل منطقة التماس بين الجنوب والوسط) و”أرَحّال” الجامع بين عرض المقتنيات وحفظها في آن (أَكَسْرَ)، كما أن فيه نزوعا إلى ملأ الفراغ لدينا أهل الصحراء فكأن البداوة تجريد وتبسيط والتحضر مرادف للتجسيم.


لكن المفارقة تكمن في استخدام تلك الكتل الديكورية التي يرصها أصحابها مقتنين لها من وراء البحار قطع صنوبر وخيزران ورخام تأخذ الحيز الأكبر من المكان ليجلس ملاكها تفاصيل آدمية صغيرة فوق أديم الأرض بدلا من تسلق أرائكهم التي إن هم استووا على ظهورها بقيت سيقانهم معلقة وإن هم أرادوا النزول من عليها كان عليهم إتقان القفز الأمامي مع الحفاظ على التوازن. لذلك تبقى تلك الصروح الاسفنجية مهجورة إلا ما كان من زيارة لأخذ صور تذكارية وهو أمر شائع لدى دهماء الجواكر الذين يعتبرون كل مقتنيان المدينة معالم تستحق أخذ الصور التذكارية، بل إن بعض الأقدمين كان يتصور وهو يحمل هاتفا ثابتا، والبعض يتصور ممسكا جواز سفر!


أما الاستهلاك فديدن المجتمع الجوكري ومجال تنافس لأفراده وجماعاته يوسعون فيه الباع فهم المتسوقون بامتياز يشترون ما يحتاجون وما لا يحتاجون ففعل الشراء لديهم طقس في حد ذاته، ف”بركات” البرمكة في بلاط العقيد تجعلهم ينفقون إنفاق من لا يخشى الفقر. فلا يخلو محل بقالة ولا مركز تجاري من جوكر لا يغادر صغيرة ولا كبيرة في الرفوف يجمع في سلته الطري والناشف، الجلدي والعاجي، الجصي والنحاسي، وهم في تبضعهم ذلك طرائق شتى.


فمنهم الجوكر المثقف المدقق في أسماء المنتجات الأجنبية لا يأخذ إلا أبعدها وأبردها منشأً فمذهب الجواكر الهرب من الذات المحلية العميقة إلى ذات فانتازية مغايرة والتفسخ من الصورة النمطية والنزوع إلى التطرف في المخالفة سعيا إلى التميز، ولا يتأتى ذلك – في مجال الاستهلاك – إلا باقتناء أغلى البضائع وأغربها تعبئة وأعجمها لغة وهو ما يربك الأواسط ودهماء هذه الفئة، فلربما انهمك الرجل منهم، في رجولة مرتجلة، في انتقاء مستحضرات نسوية يحسبها رجالية، ولربما عقد آخر حاجبيه مجربا كل ما في جعبته من النظارات ومستعينا بأحد أبنائه من الجيل الصاعد كل ذلك في سبيل قراءة قائمة مكونات منتج جادت به قريحة آسيوية ثم وجد طريقه إلى مكب المنكب البرزخي ليصرف في بقالاتنا التي لا تقول لا إلا في نظافتها لولا النظافة كانت لاءها نعم .. ولربما زاحم “جهبذ” جوكري، في ثقة زائدة، متخطيا من هم أمامه في الطابور، وهو متأبط مُنَعِّم شعرٍ من الحجم العائلي مصنوع من مًركّز فاكهة تروبيكالي ظنا منه أنه يحمل كوكتيل فواكه للشرب!


والجوكر القح لا يناقش أسعار مشترياته ولا يسأل عن بواقى الصرف فذلك يقدح في “نبله” فالقوم أولو صرف وبذخ. كما أنهم رماة للمال في المناسبات والأفراح الشعبية. من ذلك ما يروى أن أحد أعلام الجواكر ممن اشتهر برمي الأوراق النقدية في الحفلات مر ذات ليلة ببيت فيه جلبة وزغاريد فطرق الباب ظانا أن بالمكان عرسا فلم يفتح له الباب فغضب وعاد أدراجه إلي سيارته وأخرج كيس نقود ورمى به داخل سور البيت فلم يلبث الباب أن فتح وإذا بالقوم مشدوهين متسائلين ما الخطب؟ فأجاب بأن مثله لا تغلق دونه الأبواب فهو ….. فردوا عليه أن لا عرس وإنما هم في فرح لعودة ابنهم الذي كان مغتربا في إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق!


ولما كانت الموضة فتنة العصر فقد كان للجواكر السبق في القفز بها خلال مضامير اختلقوها هم إرضاءً للشغف بالجديد المتغير وهربا من القديم الثابت أي البداوة فتسابقوا فيها واقتبسوا منها وانغمسوا فيها مغمسين حافي الأيام الخوالي فكان ذلك كله مدعاة لسرف في التأنق.


فالحلاقة عنوان تندرج تحته أمور عديدة منها القص والصقل واللصق والصبغ. ومذهب جمهورهم على الإكثار من قص الشعر لطوله أو لمآرب أخرى كأن يكون الجوكر الشاب قَططاً قد أقفرت منابت شعره المعتاد فصار من ذوي القبعة فخياره الإدمان على الحلق حتى لا يتراءى انسلاخ ليل رأسه من نهاره فيظل في فجرٍ سرمدي إن كان صلعه من مقدمة الرأس، وفي عصرٍ سرمدي إن كان صلعه من قفاه، فإن هو صار قطبي الصلع تجاوز إلى مرحلة اللصق وهو أمر نادر ولا يتأتى إلا للجوكر الغني ذي الأسفار الخارجية. وأما الصبغ فمتأكد لدى شيب المخضرمين تأكد غسل الجمعة لدي أهل السنة، يصبغون فيُسبِغون لاهثين خوفا من بروز خيط أبيض في تلك العتمة الصناعية المدلِّسة المسْدلَة على الوهج الكتاني الليزري العنيد المسمي الشيب.


وأما الهندام فيختلف الأمر بشأنه ما بين المحلي والأجنبي. ففي الأول لا يرضون إلا بما كثرت قطعه وتركز صمغ قماشه وعم من أخمص القدم إلى أعلى الرأس وذلك الجوكر الأنيق الموغل في إظهار كسوته بإخفاء جل جسده لا يبقى منه سوى لمعة، فكثرت لذلك قمصان “النواب” وسرابيل العجم وأُتيت الدراعة من أطرافها تنقص كل حين وكثر التطريز وكبرت الجيوب الكنغرية واستحبوا في ذلك كله البياض حتى لكأن نجم الجواكر، في المناسبات الإجنماعية، إذ يتمطى في خيلاءه زهرة خريفية “ابّيش لخريف” يسعى بين إذْخر العامة. والساعات المُسلِّحة البيضاء جزء لا يتجزأ من الهندام تضاف إليها الخواتم المعدة لأغراض الزينة المدنية وتلك الموضوعة لأغراض “الردع” المنقوشة بالجداول برتبها ونجومها المختلفة فالدروشة نبع روحي للهواة والعوام من الجواكر بل ونبع مادي للمحترفين منهم، فالعرق الإفريقي جلي في رواد هذه الفئة إذ من بين رؤوس القوم وروادهم الأُوّل من هم متأثرون، بفعل الجغرافيا، بثقافة إثنيات التخوم الإفريقية.


وفي الزي الأوروبي حدِّثْ عن الجواكر ولا حرج. فلقد كان لأواسطهم السبق في نشر بدلات حُمُر الوحش المخططة حتى غصت المكاتب بمرتادين مرتدين بدلات خُططت حتى صارت ظهور أصحابها لوحات كلمات متقاطعة. ولهم في ربطات العنق صرعات عجيبة فتفننوا في تشكيل عقدها وجمهورهم في ذلك الطقس الهندامي مدرستان قابضون وباسطون. فلأُوّل يقصرون فلا تصل الربطة إلى السرة لكنهم يكورون العقدة حتى لكأن الربطات لحى توتعنخمونية تمتد من الذقن حتى النحر، وأما الباسطون فيبالغون في الإطالة حتى تتجاوز الربطة الحزام لكن على حساب العقدة التي يصغرونها حتى لكأنها “بزرادة” فى تجويف النحر تختفي في حال كان القميص شبه منحرف الياقة عريضها فتبدو الربطة سوطا معلقا، متحولة، فيما إذا بولغ في الأمر وكان قماشها مطاطيا، إلى “سواط خيل” زئبقي يتمدد في الحر ويتقلص مع البرودة.


وللأحذية منزلة خاصة في الهندام الجوكري فهي منتج عصري مفتقد في التراث الموضوي التقليدي فكان الشغف بها كبيرا. ولما كان فتيان القوم تسعينيين بعضهم والبعض مواكبا للألفية الجديدة، فقد كان الميل إلى المدرسة المخروطية ضامرة الوسط قعقاعة الكعب يسمع قرعها من مسافة معتبرة فإن كانت الأرضية رخامية وتعدد الرواد كان الأمر أشبه بمعزوفة جاز افلامينكوي إفريقي الإيقاع. على أن جيل الألفية أكثر تطرفا في موضوع الاستطالة وضمور الوسط و حدّة الرأس فكان لهم السبق في إشاعة موضة الحذاء “الكونكوردي” المنبأ عن صاحبه قبل رؤيته، بل إن الأمر قد يصل بالجوكر الشاب المبالغ في ذلك – ممن قصرت قامتهم – لأن يبدو حذاؤه كلوحي تزلج جلديين يبطآن بصاحبهما الذي يتحول إلي زاحف على رجلين يمشى كالإوز.


والحقيقة أن الجواكر قد تخللوا المجتمع مؤثرين في اتجاهه العام محولين نمط حياته إلى ما يشبه مجتمع “كل شِ ابْميّه” ومغيرين لمفاهيمه القيمية حتى أصبح الفساد مستمرأ وعاما كالربا في آخر الزمان من نجا منه لم يسلم من غبرته.


أما عسكر الجواكر، أو الجواكر العسكر، فهم مشتركون مع المدنيين في جل الصفات والمسلكيات إلا أن لهم ما يميزهم، و هم جيلان: أكابر وأصاغر من أهل الفترة أي من لم يشتركوا في حرب منذ دخلوا السلك. فالأكابر جيل العقيد وطاقمه المقرب ممن سَهُل تدجينهم في مزرعة السلطة فاقتُطعت لهم إقطاعيات مدنية ليتحول الرجل منهم من فحل عسكري صرف إلي ديوثٍ مصروفٍ عن الإربة العسكرية صارفٍ لدرهم الملكية المدنية، غير قابلٍ للصرف في الإعراب عن المواقف، حمامةِ مجلسٍ وتحصيلِ حاصلٍ يملأ الحوصلة بما صلُح مصدره وما لم يصلح. أما الأصاغر فقواطع مركبة متباينة الألوان والخامات والأحجام شحذها العقيد حين اشتدت عضته وتمكنت منه وساوس الانقلابات فانهمك في تشكيل فك غير متجانس كان السبب في الانقلاب عليه. ومن سمات جوكرتهم أن كان التحول في مسارهم سريعا فكانت ترقيتهم كتقري مدنيي الجواكر ممن قدموا من الأعماق. فهم فقاقيع رتبٍ من عسكر البلاط نمت خارج الحاضنة العسكرية السوية جمع أصحابها بين الرسمي والسّمَرِيّ، جمعوا التجارة وخدمة الإمارة، أداروا الحمايات العسكرية والحمامات المدنية، لا يزالون غزاة في المجتمع مفتونين بِبَرَد الثغور المدنية عن دُرُب الثغور العسكرية، “متمترسين” خلف زجاج السيارات المظللة على “الجبهة الداخلية” بدل المرابطة في العربات المدرعة على الجبهة الخارجية، حتى زاحموا نظرائهم المدنيين من أهل الفن، فكثرت الصداقات النارية والنيران الصديقة


عسكراً كانوا أو مدنيين، فإن الجواكر نبت غير محمود في جسد هذا المجتمع الطيب المنبت، ابتليت بهم هذه البلاد منذ استنبت العقيد أولى فسائلهم ثم تعهدها ونثرها مشكلا بها أحزمة أمان ضد زحف رمال تصحر المشروعية العسكرية قبل أن يذهب هو في زوبعة عارضة مخلفا وراءه مسوخا تفعل فعلها في كل مناحي الحياة، ثقوبا سوداء توشك أن تبتلع كل وميض للإصلاح في فضاءنا الاجتماعي بمساراته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


عبد الله ولد محمد


abdallahi27@yahoo.fr


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment