Sunday 18 November 2012

مرض عزيز الجوهر والعرض ..! | ‫#موريتانيا أخبار


الاثنين 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012









محمد طـــالب ولد محمد المختار ناجم Taleb1975@hotmail.fr

قد يكون من شبه المسلم به القول بأنه لا شيء كشف هشاشة الدولة الموريتانية ورخاوة بنيتها المؤسسية مثل تعاطي المؤسسات الرسمية للدولة مع حادثة اغتيال رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز وما تلاها…


وسواء وقعت الحادثة في ظروف اجتماعية وشخصية خاصة جدا، أو في القصر الرئاسي، أو بفعل الجيش عن طريق الخطأ، أو بتدبير خارجي حتى، إلا أن المنطق الطبيعي يجعلنا نبتعد عن استهلاك الشائعات طالما افتقدت للدليل، لعلمنا بأن حصاد الشائعات والشائعات المضادة ليس في إمكانه أن يتمخض عن أكثر من حصاد شائعات، مهما نقي وقطر وكرر.. ولعلنا في مثل هذه الظروف العصيبة قد نكون أحوج للمنطق الهادئ والتحقيق النزيه (عدليا كان أو صحفيا) منا إلى تنقية وتقطير وتكرير الشائعات والشائعات المضادة..!!


نعم لقد كشفت حادثة إطلاق النار على رئيس الجمهورية عن هشاشة الدولة بجميع مؤسساتها ونخبها مدنية كانت أو عسكرية، معارضة كانت أو مولاة، وهي بالمناسبة مؤسسات ونخب تفتقر إلى عمق التجربة افتقارها للمؤسسية والتخطيط الاستراتيجي، ولا غرابة في كل ذلك، فنحن نتحدث عن مؤسسات ونخب دولة عمر ممارستها السياسية بالكاد يتجاوز نصف قرن، فماذا تعني خمسون سنة في أعمار الدول؟


الجيش والسياسة (دولة بين رصاصتين)


لقد عاد الجيش الموريتاني ذات مساء من الهزيمة (1978) وهو يبحث عن مخرج من حرب أو شكت على تدمير نواته الأولى، ليكتشف بالصدفة البحتة الحل السحري والترياق الشافي لجميع همومه، جاء الحل حاسما بفضل الله ومباركة دولة مجاورة، وما هي إلا أشهر حتى أدرك ضباط الجيش الفتي الفرق الشاسع بين تلقي أوامر الموت من حكومة مدنية ومتعة الاستئساد على الوطن والمواطن، فتعاقدوا العزم من حينها على المكوث في القصور مهما كلف الثمن والعمل الدائب على قتل الدولة المدنية للأبد ومنع كل محاولة جادة لاسترجاع الدولة وجيش الدولة وضباط الدولة.. وهي استراتيجية اذكت التنافس بين الضباط على القصر الكبير، ما نجم عنه انقلابات وانقلابات مضادة تسترت دائما بشعارات من قبيل (الخلاص) و (الإنقاذ) و (التصحيح)…إلخ.


غير أن تحميل الجيش لوحده كامل المسؤولية عن الانقلابات السابقة قد لا يخلوا من عدم إنصاف يطعن في نزاهة وحيادية القائل به، فالجيش وضباط الجيش وإن تولوا كبر كل تلك الانقلابات (الواقع منها بقوة السلاح أو بالتزوير في صناديق الاقتراع) إلا أن توفير الغطاء السياسي لكل انقلاب كان دائما مهمة أطراف وتشكيلات سياسية مدنية وثمرة مشاورات سرية سابقة تطمح للحكم بالعسكر أو مع العسكر، وإن ظل العسكر يثبت في كل مرة لمشاركيه في الانقلاب بأنه يحكم بهم وليس العكس…!


المعارضة السياسية (الولوغ في قدح الانقلابات)


لقد تفتقت الهزيمة العسكرية للجيش وما تلاها من مصادرة للدولة المدنية عن عبقرية في التفنن في إنهـاك التيارات الأيديولوجية الوطنية، حيث أشرف النظام العسكري على عمليات كسر شوكتها كلما تحددت لها شوكة، وعملت هي نفسها على كسر شوكة بعضها عن طريق التمالئ مع العسكريين ضد بعضها البعض لترث تلك التيارات مكرهة عن تلك الحقبة سجلا كبيرا من المؤامرات والمؤامرات المضادة قضى مع الوقت على رصيد الثقة بين هذه التيارات، ليحل التوجس والحذر محل التنسيق المشترك والبحث عن التنسيقات الثنائية محل الالتحام من أجل مصلحة الوطن، ولتستمر تلك الحقبة والعداوات المحمولة من فترتها مؤثرة بشكل أو بآخر على المحاولات المتكررة لجمع أطياف المعارضة الوطنية في سلك واحد وفق رؤية موحدة تضمن عودة البلاد إلى الحكم المدني وعودة العسكر للتفرغ لحماية الوطن والعمل على أمنه بعيدا عن إفساده بالسياسية وإفساد السياسة به.


إن لهشاشة المعارضة ما يبررها، فقصورها عن الإفادة من حقل تجاربها مع العسكر وعدم اعتمادها في تنسيقاتها على تخطيط استراتيجي موحد يتجاوز الخلافات التاريخية وغيرها، أمور بدون تجاوزها ستظل المعارضة كما هي مجرد تنظيمات هزيلة تخاف ـ وإن أنكرت ـ بطش وقهر العسكر وتعاني ـ وإن كابرت ـ من تغولات القياديين، وتعجز دائما إلا عن أن تكون معارضة بأربعة رؤوس .. لا تجزعوا إنها الآن معارضة برأسين فقط..!


إن معارضة تسخر أقلامها كل يوم لانتقاد النظام دون أن تجعل لنفسها حظا من النقد لهي معارضة طوباوية فاسدة، ولا أدل على ذلك من كوننا في المعارضة اليوم لا نخجل ـ غالبا ـ من تذكير النظام القائم (وهو نظام عسكري بامتياز) بانقلابيته وعسكريته، لكننا ورغم مشروعية هذا الانتخاب نتناسى بأن المعارضة ـ في بعضها ـ قامت بمشاركة العسكريين في كل الانقلابات السابقة وقامت في أقل من سنتين ـ لوحدها ـ بانقلابين على الديمقراطية كان الأول منهما حين دعم شيخها الأول مرشح العسكر ضد الديمقراطية وكان الثاني حين دعم شيخها الثاني انقلاب العسكر ضد الديمقراطية لتبعته أطياف المعارضة الأخرى راضخة للضغوط الفرنسية بتوقيع اتفاق دكـار ضد الديمقراطية، الكل إذا يجني على الديمقراطية ويتكلم باسمها أمام الجماهير…!!


الجيش والمعارضة ( الذئب والشـاة )


بداية لا أريد أن أبدو متشائما ولكني لا أريد أن أغالط نفسي بمحاولة استنشاق العطر من ورود ابلاستيكية…!


إن دعوة الأحزاب السياسية الجادة والشباب الواعي ومنظمات المجتمع المدني لحراك اجتماعي وسياسي شامل يهدف إلى مفاصلة نهائية مع الحكم العسكري والهيمنة الفرنسية دعوة تأتي في وقتها المناسب، فها قد دارت عجلة الزمن ورجعنا للمربع الأول، وسواء تمت الدعوة لانتخابات مبكرة أو تم اللجوء لفترة انتقالية تفضي لانتخابات فإن الجيش والمعارضة سينزلان الميدان لانتخابي وجها لوجه، وما أسهل أن تجتمع بعض أطياف من المعارضة تحت شعار: نعم للتخلص من حكم العسكر، لكن حين يطل شيطان التفاصيل برأسه ويطرح السؤال بأي مرشح؟ فسرعان ما سيتعدد المتشرحون والبقية معروفة..


لاشك أن هامش المناورة يضيق على الجيش بحكم الوضع الدولي والإقليمي والداخلي ولكنه كذلك يضيق على معارضة مشتتة لم تشعر بعد بحجم الخطر وربما يكون بعضها قد استحلى المرعى في الجهة المناوئة، فهل عساها تجدي لوحدها الدعوة لحراك اجتماعي وسياسي شامل والمعارضة التي يفترض بها تأطير هذا الاجتماع مريضة لهذه الدرجة..؟!


إن الأحداث التي واكبت مرض عزيز ـ شفاه الله ـ لا تعدو أن تكون عرضا لجوهر الصراع الثلاثيني بين دولة العسكر القائمة والحالمين بالدولة المدنية الطبيعية في عالم اليوم وهو صراع استطاع العسكر في كل المرات السابقة حسمه لصالحهم بطرق شتى، وهم ينوون ـ بلا شك ـ حسمه هذه المرة أيضا أما كيف ومتى فسيتأثر ذلك بحجم ضغوط وقوة المعارضة المبارزة.


أخيرا لا أريد أن أختم رؤيتي المتواضعة هذه بمثل التساؤل التقليدي: متى تشفى موريتانيا من مرض إدارة العسكر؟ واستسمح القارئ أن أطرح تساؤل كل عامي مثلي: أليس للعسكر كل الحق في التمسك بالسلطة والأمن معا إلى حين أن توجد معارضة ناضجة تحسن أن توحد نفسها قبل أن يوكل لها بمهمة المحافظة على وحدة وأمن البلاد معا؟!


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment