Sunday 18 November 2012

أوهام في أوهام: من رصاصة عزيز إلى جرعة مسعود | ‫#موريتانيا أخبار


الأحد 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012









بون ولد باهي باحث في العلوم السياسية

يسهل في عالم اليوم حجب الحقيقة والوصول إليها في موريتانيا بكل بساطة من أي وقت مضى. وذلك بتجنيد الجرائد والإذاعات والتلفاز وحتى الشارع والإشاعات عبر الميدياء أو عبر الاطر البشرية المعدة خصيصا لهذا الغرض (في البرلمان أو الحكومة أو الاحزاب والجمعيات والمبادرات الدينية أو السياسية أو العسكرية).


في هذا العالم الملبد بالغيوم جاءت مقولة أوهام في أوهام من رصاصة عزيز إلى جرعة مسعود والتي سنخصص لها هذا الحيز من وقتنا المهدور سلفا لإبداء وجهة نظر تجاوزية وذلك عبر المحاور التالية:


أولا: أصداء الرصاصة


في البدء كان للكلمة المبدعة وقعها التاريخي في المجتمع والعمران والتكنولوجيا وغيرها، وللمثقفين مكانتهم المرموقة في أكثر الحضارات وأقدم الامم تمدنا وازدهارا وتلك هي القاعدة بمنطق التاريخ. أما في الامم المتخلفة فلم يكن للكلمة أبدا من مكانة وكانت بذلك استثناء من حركة التاريخ الكوني. وهو الحال بالنسبة لدول العالم الثالث التي تعمد أنظمتها في الغالب إلى توزيع الوظائف والألقاب والحقائب المجانية على الاشخاص وتحديد ومنح مواقعهم العلمية والثقافية وأماكنهم القبلية أوالدينية أوالسياسية بهدف التمكين لأنظمتها الاستبدادية والسيطرة الكلية على جميع أجهزة الدولة وإرباك المجتمع، وفقا لايديولوجيا تأبيد الواقع بثقافاتها وخطاباتها ومفاهيمها المتعددة.


وهو ما وقع في موريتانيا وكان من حصيلته أصداء الرصاصة: حيث انقلب السحر على الساحر بالرصاصة الصديقة وانهار عالم برمته من ايديولوجيا الاوهام بخطاباتها النرجسية ونخبها الواهية. ولم تعد الاغلبية أبدا (بدلالة المولاة في المقاربة الموريتانية) أغلبية كما في النظم الديموقراطية المرموقة، بل هي نظام طائفي بيروقراطي عنصري كوميدي متخلف صارم بكل أطيافه. والمعارضة (بمفهوم الموريتانيين) لم تكن معارضة بل هي في موريتانيا صناعة من نسج النظام خالصة وامتداد لايديولوجيته المسيطرة، فهي جزء من أحلافه ونخبه العاجزة. ولم يعد العسكري عسكريا وهو الحال بالنسبة للبرلماني والفقيه والأكاديمي والمتحزب والطبيب والمحامي والقاضي والفنان والأديب والشاعر والناقد وهلم جر..


فكل هؤلاء وأولائك عجزة ولا يملكون من أمرهم شيء، وهم أداة النظام وعصاه السحرية في حجب الحقائق وتأبيد الواقع. وهل يعقل أن يصبح مثقفا أوبرلمانيا أوأكاديميا أوفقيها بوقا ينفخ فيه لا أقل ولا أكثر؟ وأين سلطة هؤلاء ومكانتهم الثقافية أوالبرلمانية أوالاكاديمية أوالفقهية ..؟. تلك هي السياسة في موريتانيا مصدر رزق هؤلاء ومصدر طمس بصائرهم إن كان لهم من بصائر؟!!. وهي في الواقع حقيقة ايديولوجية الاوهام بكل تفاصيلها والحقائق الضائعة في موريتانيا الجديدة.


فوضى عارمة وعراك قوي بين الاقوياء، بالجاه والمال والإعلام السياسيين، لا دخل فيه للمواطن العادي ولا للمثقف المناضل بوعيه وثقافته، والهدف واحد هو حجب كل شيء والسيطرة على كل شيء بحجة استتباب الأمر أو بغيرها: في السياسة والاقتصاد والثقافة أو في الدين والأمن، عبر قنوات متعددة وإشاعة السياسي نفاق والنفاق السياسي (نظرية اتلحليح) بدل الثقافة السياسية المنتجة والبناءة، ثقافة المفكرين والمبدعين والكتاب والقراء وجماهير الكادحين.


بيد أنه منذ رصاصة 13 اكتوبر لم يعد من الممكن اخفاء كل شيء أو السيطرة علي كل شيء في وضع كهذا. لم يعد من الممكن تعتيم الحقيقة أو ابدالها بحقيقة مغايرة: وهمية أومفتعلة أو لا حقيقة لها. لقد بات المضمر معلنا والمسكوت عنه منطوقا واللامفكر فيه: في القصر الرئاسي والمؤسسة العسكرية وفي عائلة رئيس الجمهورية والبرلمان والأحزاب السياسية والشارع والمؤسسات الإعلامية وفي الدولة برمتها.. ولهذا وحسب بات الحديث عن تهافت السياسيين ونهاية السيل الجارف والرجل الاخير.


وهكذا وبسرعة البرق توقفت المسيرات الراجلة من انواذيبو أو من مكطع لحجار أوغيره وتوقفت من كل حدب وصوب وفود القصر والمبادرات السياسية والشعارات واللافتات والصور المكبرة لرئيس الجمهورية وحتى فتاوى الفقهاء المبجلين من قبل في صمت لم يسبق له مثيل في تاريخ البلد. ليفاجأ الجميع بدور الزعامات الوطنية: (مسعود وبيجل) ببطولاتهم وبطولات رئيس المحكمة السامية وعضو البرلمان والذي يبدو أنه يستحق النصيب الاوفر من الكعكة سيد محمد ولد محم الممثل الاكبر للسفسطائيين والمجانين الموريتانيين..!!


ولا غرابة في ذلك، فتاريخ الفكر السياسي للبلد إجمالا يزخر بالأوهام، ابتداء من أوهام التحرر: (الاستقلال)، والبناء: (التنمية)، وخطابات الوحدة الوطنية وهوية الدولة، مرورا بأوهام الديمقراطية: (الانتخاب وفقط)، والتعددية السياسية: (ظاهرة الاحزاب الشكلية)، والمشاركة السياسية: (ظاهرة الشراكة الزبونية)، والمجتمع المدني: (مجتمع اللافاعلية)، وأوهام المعارضة: (ظاهرة معارضة بلا مواقف)، والمولاة: (على أساس المصالح الذاتية المحضة)، والاغلبية والاقلية، وانتهاء بالمرحلة الحالية والتمكين لأيديولوجيا موريتانيا الجديدة وأوهام في أوهام من رصاصة عزيز إلى جرعة مسعود وربما بيجل وغيرهم ممن برعوا في هذا الحقل المعرفي من العداء للعلم والمعرفة والوضوح وكل ما له صلة بالثقافة والابداع. فإلى متى تملأ جيوب المتصعلكين المتمصلحين حتى يتحقق شرط وطنيتهم وولائهم للوطن لا لجيوبهم؟ وإلى متى يتحول الساسة إلى اصدقاء للمواطنين لا أعداء ضالين ومضلين؟ وإلى حين ذلك فما ذا عن تهافت السياسيين حول المعلن والمضمر واليقين واللايقين؟.


ثانيا: تهافت السياسيين


الكلام آلة بديعة، لمن يحسن القراءة والكتابة، ولهذا وحسب يتحول جمال الآلة إلى سحر مؤثر في النفوس صاقل للأدمغة والعقول، وتلك هي مهمة المثقفين والمبدعين والمناضلين وجماهير الكادحين صانعي التاريخ.


أما في موريتانيا فالكلام مهنة السياسيين والمتصعلكين ملاك الثروة والإعلام أنصار الخرافات والأوهام والشائعات. وهو ما كان واضحا دون خجل على لسان النائب سيد محمد ولد محم في برنامج إذاعي مع راديو موريتانيد عندما سأله أحدهم متقمصا شخصية أفلاطون: أنت دعمت الانقلاب الأخير؟. فأجابه: نعم لا أنكر ذلك وأفتخر “وأنا في النهاية سياسي”. وهكذا عملية توليد الافكار وبداية الكوجيتو الديكارتي للوصول إلى المعرفة الحقة وفضح أوهام وزيف السياسيين والمتصعلكين.


لقد خدعونا بموريتانيا الجديدة وبرئيس الفقراء، خدعونا بخطة أمل الاقتصادية (كأننا دولة منكوبة أو في حرب دروس)، وبمحاربة السكن العشوائي برمينا في فيافي الصحاري القاحلة، وبتعبيد الطرق والانجازات وتشغيل الشباب. والمواد الغذائية في ارتفاع مستمر، والمواطنون في دورتي الصيف والشتاء يعانون شظف العيش وقسوة الحر والبرد، والطرق أكلتها الاتربة المتجمعة عليها، والمنجزات نسفتها المعجزات ولم يبق لها أثر، والشباب ما بين بطالة مقننة أومقنعة في مزابل التاريخ.


للحقيقة مفهوم مختلف في موريتانيا وللسياسة وحتى لمفهوم العسكر والنظام ومفهوم الدولة والمجتمع برمته، وكل هذا وذاك بسبب تهافت السياسيين والمتصعلكين في الحكومة أو في البرلمان أوالشارع.


لقد كانت حادثة رئيس الجمهورية نقطة فاصلة في تاريخ البلد من تهافت السياسيين والمتصعلكين وتوظيف أساليب جديدة من فن الحجب والتدجين والتصعلك، كمبدأ الخطوة خطوة (كيسنجر)، وفن المناورة والتضليل والحرب النفسية والضربات الاستباقية والهجومية والدفاعية في علم الاستيراتيجية، وحشد كل الطاقات المادية واللوجستية لهذا الغرض من الشائعات، في ظرف يزخر بطرح الاسئلة وتقديم الاجوبه: حول الرصاصة الصديقة وصحة رئيس الجمهورية ومن يحكم؟. والكل في عجلة من أمره في سعيه الدءوب بحثا عن الحقيقة الموجودة أو الضائعة أو الموجودة والضائعة في آن.


وهكذا تعددت الاجوبة بتعدد الاسئلة: (1) أصيب رئيس الجمهورية برصاصة صديقة عن طريق الخطأ خارج العاصمة. (2) أصيب داخل القصر في اجتماع ببعض الضباط حول التدخل في مالي. (3) أصيب في لكصر في ظروف غامضة. هذا بالنسبة للاجابة على السؤال: أين وقع الحادث؟. أما متى وقع؟. فقد كانت الاصابة كفيلة بالاجابة في المستشفى العسكري ومنه إلى فرانسا.


أما بالنسبة للأجوبة المتعلقة بصحة الرئيس ورجوعه فكانت: (1) رئيس الجمهورية في صحة جيدة وسيعود غدا أو بعد غد. (2) رئيس الجمهورية اتصل به هاتفيا مسعود أو بيجل ولتوسيع آفاق السياسي ومنحه القليل من الشرعية، جاء دور الديني وتم الاتصال بالعلامة محمد الحسن ولد الددو. (3) وأخيرا رئيس الجمهورية أرسل رسالة أوصورة فوتاغرافية يطمأن فيها شعبه ويخبره بعودته قريبا. فهل كل هذا من فبركة تهافت السياسيين أم من تهافت التهافت؟. الله أعلم والنتيجة لحد الساعة هي أن الحادث وقع فعلا.


تقول الموالاة وتقول المعارضة ولا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا أذن سمعت ما يشفي الغليل، ولا عين رأت ما يحجب الشك باليقين والكل يتصعلك في واد. فهل يعني ذلك بالنسبة للموريتانيين نهاية السيل الجارف والرجل الاخير؟.


ثالثا: نهاية السيل الجارف والرجل الأخير


في عالم كهذا من ضياع الحقيقة واستحالة الوصول إليها، وضعف أدوات الاقناع والمغالبة، بات الحديث ممكنا على الاقل عن نهاية السيل الجارف والرجل الاخير. لقد انهار بناء ضخم من الاوهام والمغالطات، أوهام الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والولوج إلى المعلومة. وبات السياسي عاجزا حتى عن ايصال آرائه وتصوراته بشكل مقبول لأبسط الناس وأضعفهم ادراكا. وتلك هي نهاية السياسيين فاقدي الشرعية والمتصعلكين ونهاية الرجل الاخير.


ولم ينجح السياسي يوما عبر تاريخ موريتانيا إلا في تزييف الحقائق والدعاية الانتخابية الهشة، وطريق الوصول إلى السلطة، إما سلطة المال والاعلام أو سلطة العسكر. أما بخصوص صناعة القرار أو تنوير الرأي العام أو الثقافة والعلم فهو في معزل عن هذه الأشياء، منهمك في الماديات والمصالح الذاتية. والأمثلة على ذلك كثيرة:


1. أنه لم يصل حزب سياسي معارض أو موالي عبر تاريخ البلد اجمالا إلى السلطة.


2. لا يوجد حزب سياسي عبر تاريخ البلد ظل متمسكا بمواقفه السياسية المعارضة.


3. الاحزاب السياسية لم تعرف نوعا من التحالف أو الاندماج السياسي الاستيرايجي، وفي الغالب بشكل ظرفي تزامنا مع الفترة الانتخابية.


4. ظاهرة الاحزاب الصغيرة والفردية والهشة.


5. عدم وصول الاحزاب السياسية إلى مرحلة الايديولوجية الحزبية الصارمة.


6. انشغال الاحزاب السياسية بأمور تافهة.


7. اختراع ظاهرة الزعامات الوطنية للتأثير على السياسات الحزبية وانحرافها عن الغرض المقصود.


وينتج عن جميع ما تقدم صناعة مجتمع الفوضى والغوغائيين كما هو في الواقع، مجتمع الجهالة والتخلف والفضول.


لم يبق للحقيقة في عالم كهذا من أثر لقد بات من الممكن الخروج على المقدس أو بالأحرى المألوف بحجة الدين نفسه أوبمصلحة الوطن أوالسياسة أوالاقتصاد أوالامن والاستقرار. فمن أراد أن يهزم خصمه في السياسة أوالاقتصاد، أو في الانتخابات أو في برنامج إذاعي أوتلفزيوني أوما إلى ذلك، ما عليه إلا أن يأتي في حلة دينية أو دنيوية أو في شخص أبو سليمة الكذاب: كأن يلبس الاسلام أو أن يوهم الفقراء سياسيا (بالدعاية) أو أن يتصعلك. لقد انكشفت الحرب النفسية، حرب أوهام في أوهام: من رصاصة عزيز إلى جعة مسعود، ولكن إلى أين؟.


وفي الأخير:


يقول صلى الله عليه وسلم: “إذا اتجر الراعي ضاع مال الرعية”. صدق رسول الله، وفعلا كانت تلك البداية العظيمة لضياع الحقيقة والرعية آن.


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment