Sunday 18 November 2012

صديقتنا الرصاصة: الرئيس في المستشفى (2)/ تحقيق “أقلام” | ‫#موريتانيا أخبار


الأحد 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012









الرئيس عزيز في المستشفى

ما إن تأكد نبأ إصابة الرئيس، حتى هرعت جموع كبيرة من المواطنين باتجاه المستشفى العسكري الذي “احتلته” كتيبة الأمن الرئاسي بعد حوالي 10 دقائق من وصول الرئيس إليه، كما رابطت أمامه قوة معتبرة من أمن الطرق وجدت نفسها في مواجهة جماهير غير تقليدية تضم كبار رجالات الدولة وأكثر مؤيدي الرئيس حماسا بالإضافة إلى الصحفيين والفضوليين.


داخل المستشفى أعلنت حالة طوارئ وسط فوضى عارمة تسبب فيها انتشار خبر وصول الرئيس الذي تم عزله بسرعة مع مسعفيه وبطريقة كشفت بوضوح عن التراتبية الفعلية لهرم السلطة حيث برز الجنرالات مباشرة على رأس الهرم لتأتي بعدهم العائلة الموسعة للرئيس ثم تظهر الحكومة وتوابعها فيما بعد في مستوى ثالث. وخارج المستشفى كان الحشد يتعاظم وكان بعض أفراده بالكاد يسيطرون على أعصابهم بسبب عجزهم عن إدراك ما الذي يجري على بعد أمتار منهم وتلهفهم لمعرفة أسباب الحادث مما خلق جوا مشحونا كاد يتطور إلى مواجهات مع قوة أمن الطرق المتواجدة.


كان هناك ثلاثة أشخاص على الأقل يمتلكون الاجابة على مختلف التساؤلات، غير أن أحدهم –وهو الرئيس- كان قد فقد وعيه –طبقا لبعض المصادر- نتيجة النزيف الحاد الذي تعرض له، بينما كان على الاثنان الآخران (اللواء غزواني وسائق السيارة التي أقلت الرئيس إلى المستشفى) أن يتحركا على وجه السرعة لإجراء تحقيق سريع حول الحادثة من خلال استجواب الملازم الحاج ولد أحيمد ومعاينة “مسرح الجريمة”.


لم يكن الوقت إذا لصالح الاهتمام بالرأي العام للرد على تساؤلاته وانشغالاته بل لمباشرة العلاجات الأولية والتحريات الأمنية، فكان على الإشاعة أن تخترق ذلك الصمت الرهيب لتعطي تفسيرا “مقبولا” لوجود الرئيس في المستشفى: “إصابة الرئيس حصلت في القصر الرئاسي”، الرئيس أصيب خارج العاصمة خلال ممارسته لتمارين رياضية”، “تعرض الرئيس لمحاولة انقلابية”، “القاعدة هي من استهدف الرئيس”…


ولأن الحادث أخذ الجميع فيما يبدو على حين غفلة، فلم يكن هناك متسع من الوقت يسمح للسلطات بالتعتيم الكامل عليه. فالرئيس وصل المستشفى من دون حراسة فيما بين الثامنة و 20 والتاسعة إلا عشرين دقيقة (بحسب شهادات متقاطعة) حين كان ما يزال بداخله عدد من “المدنيين” يزورون أقارب لهم يتعالجون داخله، فتحول ألئك الزوار إلى مصادر ثمينة لتسريب المعلومات خارج أسوار أرادت لها كتيبة الحرس الرئاسي أن تكون كثيفة بينما نجحت الهواتف النقالة في الحد من فعاليتها لتتيح للكثيرين متابعة بعض تفاصيل المشهد.


كيف وصل الرئيس إلى المستشفى؟


لم يكن الاهتمام في البداية منصبا على كيفية وصول الرئيس للمستشفى العسكري، حيث كان الأهم هو معرفة حجم وسبب إصابته. وفي مراحل لاحقة حين سيتركز الاهتمام على مكان إصابة الرئيس والأسباب التي أدت إليها وتتعدد الروايات بشأنها، ستنسج عدة روايات لوصوله إلى المستشفى تتناسب كل منها مع سبب مفترض لإصابته.


وسيجري الحديث ضمن ذلك الاطار عن “مجهول أوصل الرئيس إلى المستشفى في سيارة معتمة النوافذ وتخلص منه بسرعة قبل أن يختفي عن الأنظار”، كما سيجري الحديث عن أن عددا من حراسه هم من أوصلوه إلى المستشفى” ثم عن “مرافق عسكري واحد قاده إلى المستشفى” ثم سيجري الحديث عن “سيارة ميرسدس بيضاء صاح سائقها في حرس بوابة المستشفى: افتحوا الباب للرئيس”…


لا تفصح الرواية الرسمية لحادثة إطلاق النار على الرئيس عن كيفية وصوله إلى المستشفى، بل تكتفي بتحديد نوع سيارته (V8) وبالحديث عن وجود شخص يرافقه في السيارة. غير أن شهادات متطابقة لشهود عيان تحدثت إليهم “أقلام”، سمحت بمتابعة الرئيس منذ لحظة وصوله إلى البوابة الأمامية للمستشفى لغاية استلقائه على السرير وبدء تلقيه للإسعافات الأولية.


لا يتفق شهود العيان الذين قابلناهم على توقيت دخول الرئيس إلى المستشفى، بعضهم يعتقد أنه دخل إليه ما بين الثامنة وعشرين دقيقة والثامنة والنصف، فيما يعتقد بعض منهم أنه ما بين الثامنة والنصف والتاسعة إلا عشرون دقيقة. غير أن شهاداتهم تتقاطع بخصوص التفاصيل الأخرى المتعلقة بالظهور المفاجئ للرئيس في المستشفى العسكري.


في تلك الأثناء كان بعض الزوار قد بدأوا يغادرون المستشفى، فيما كان بعض أفراد الطاقم الطبي يسرقون أوقات راحة أمام بناية المستشفى، وفجأة توقفت سيارة من نوع تويوتا V8 رمادية اللون أمام البوابة الخارجية للمستشفى تنبعث منها أضواء التحذير من الخطر وتملأ أصوات منبهها فضاء المستشفى!


لم يستعجل الحارس المداوم رفع الحاجز للسماح للسيارة بالدخول، بل اعتدل قليلا في وقفته وصوب فوهة بندقيته باتجاهها كمن يستعد لإطلاق النار. ضغط السائق أكثر على المنبه، لكنه في نفس الوقت أنزل نافذته المعتمة وصاح في الحارس: “إنه مريض مطعون بسكين”! اقترب السائق قليلا حتى أصبح في وضعية تسمح له برؤية السائق وربما من يركب إلى جانبه، ثم تراجع قليلا مانحا الإذن للسائق بالتحرك.


ما إن بدأ رفع الحاجز حتى ضغط السائق بقوة فائقة على دواسة البنزين، فانطلقت السيارة وكأنها “تتأهب للطيران” لتتوقف بعد لحظات على بعد أمتار من البوابة الداخلية للمستشفى. ضغط السائق على المنبه، لكن لا أحد تحرك لاستقباله رغم تواجد أفراد من الطاقم الطبي على مقربة منه!


ربما كان التعود على التعامل مع الحالات الطارئة، هو ما منع الممرضين من التجاوب السريع مع مظاهر الخطر المحيطة بالسيارة، غير أن السائق فيما يبدو كان عنيدا فاستمر في الضغط على المنبه أكثر فأكثر حتى استطاع انتزاع بعضهم من حالة عدم الاكتراث التي قابلوه بها.


حتى الآن ظلت الأمور طبيعية بالنسبة للممرضات اللواتي توجهن أولا بتثاقل نحو السيارة، إذ من الطبيعي تماما أن يكون ذووا المريض الذين يحملونه إلى المستشفى مستعجلين ومرتبكين، غير أن ذلك لا يعني دائما بالنسبة للطاقم الطبي أن حالة المريض جد خطرة. وهو ربما ما يفسر أن أيا منهن لم تتدخل بسرعة لجلب سرير أو كرسي، بل اكتفين أولا بالتوجه إلى السيارة لمعرفة ما الذي يجري بداخلها.


لكن الأمور بدأت تأخذ منحى آخر حين انفتح باب السيارة ليترجل منها شخص “بلباس بدوي” يضع يده اليمنى أسفل بطنه وتسيل منه الدماء بغزارة! لم تكن الاضاءة قوية لدرجة تسمح بالتعرف مباشرة على الشخص الذي كان منظر “جلابيته البيضاء” الملطخة بالدماء يشغل للحظات عن النظر في وجهه للتعرف عليه! وما الذي تفعله ممرضات بوجه مريض لن يكون إلا كغيره من عشرات المرضى الذين يمرون عليهن يوميا؟


لكن الأمر لم يكن بتلك البساطة، فنظرة خاطفة على وجه الرجل كانت كافية للفت الانتباه إليه خصوصا وأن الحدث يجري في العاصمة نواكشوط وفي المستشفى العسكري بالذات حيث لا يمكن أن يكون من بين عماله من لا يستطيع التعرف على رئيس الجمهورية ولو من نظرة خاطفة! هل صدقن أعينهن؟ هل توقفن قليلا لالتقاط أنفاسهن وقد أصبحن وجها لوجه أمام الرئيس المصاب من دون سابق إنذار؟


كان بعض أفراد الطاقم الطبي يفضلون الاكتفاء بالتفرج على المشهد، غير أن ظهور الرئيس على تلك الهيئة جعلهم يهرعون إليه ليتحلق الجميع حوله في مشهد “ادرامي” يصعب اقتفاء حجم العواطف والأحاسيس التي تدفقت خلال لحظاته! نظر الرئيس إلى وجوه مستقبليه وكأنه توصل بسرعة إلى خلاصة أن لا فائدة منهم فانتفض من بينهم متوجها إلى مدخل المستشفى! حاول أحدهم إسناده من خلال ذراعه اليسرى، لكنه تخلص منه بسرعة ليواصل السير بمفرده.


هل شعر الرئيس حينها بالانزعاج من أن مستقبليه لم يحضروا له سريرا ليريحوه من عناء السير على قدميه بعد أن صمد لوقت طويل رغم خطورة جراحه؟ أم أنه ما كان ليرضى بالاستلقاء على السرير أمام اعين “المدنيين” الذين كانوا قد بدأوا يتابعون المشهد عن كثب؟


كان الرئيس منتصبا، متماسكا، ما يزال يضع يده اليمنى أسفل بطنه ويحرك ذراعه الأيسر إلى الأمام والوراء ويسير بخطى واسعة وكانت المجموعة التي تحلقت حوله تهرول على أثره حتى لا تبقى بعيدة عنه. كان قد أوشك على دخول المستشفى حين صاحت فجأة إحدى النساء الواقفات بمحاذاة المدخل: “ما بال هذا الطبيب الملطخ بالدماء؟”. توقف الرئيس قليلا للنظر باستغراب في وجه المرأة وفي نفس الوقت صاحت بها إحدى مرافقاته: “اصمتي إنه الرئيس”، فنهرها أحد أفراد الطاقم المرافق لها ووبخها على تفوهها باسم الرئيس.


في تلك اللحظة كانت الأوضاع قد بدأت تأخذ منحى آخر، حيث أنه خلف الباب مباشرة يوجد من هم على أهبة الاستعداد لاستقبال الرئيس الذي ما إن استلقى على السرير بمساعدتهم حتى نزع أحدهم سترته وغطى بها وجه الرئيس (ربما للحيلولة دون تصويره على تلك الهيئة بهاتف فضولي أو ربما لأنه كان قد فقد وعيه في تلك اللحظة) في وقت كان السرير قد بدأ يتحرك بسرعة نحو غرفة العلاجات الأولية. في تلك اللحظة أيضا صعد السائق إلى السيارة وعاد أدراجه بالسرعة التي دخل بها!


حصل كل ذلك خلال لحظات قليلة، لكنها كانت كافية بالنسبة لشهود العيان لملاحظة أن الرئيس مصاب بثلاثة جروح على الأقل. فمن الأمام تمكن مشاهدة الدماء التي تسيل من أسفل البطن حيث يضع يده اليمنى، ومن الخلف تمكن مشاهدة جرحين أحدهما فوق الكتف الأيمن والثاني أسفل خاصرته اليمنى.


كان الانطباع الذي تولد لدى الحضور من رؤية تلك الجراح هو أن هناك من طعن الرئيس بسكين، غير أنه مجرد انطباع سرعان ما ستنسفه الروايات الرسمية والشعبية التي كانت قيد التشكل حينها.


عودة للصفحة الرئيسية




المصدر




Filed under: موريتانيا Tagged: موريتانيا

No comments:

Post a Comment